للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِينَ، وَمِنْهَا {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا} [آل عمران: ١٣٠] وَالْمُرَادُ مِنْهُ فِيهَا نَفْسُ الزَّائِدِ فِي بَيْعِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ عِنْدَ بَيْعِ بَعْضِهَا بِجِنْسِهِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ ذَكَرَ اللَّهُ لِآكِلِ الرِّبَا خَمْسَ عُقُوبَاتٍ أَحَدُهَا التَّخَبُّطُ قَالَ تَعَالَى {لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: ٢٧٥] .

قِيلَ فِي مَعْنَاهُ تَنْتَفِخُ بَطْنُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَصِيرُ لَا تَحْمِلُهُ قَدَمَاهُ فَيَصِيرُ كُلَّمَا قَامَ سَقَطَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَصَابَهُ الْمَسُّ، وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ «يُمْلَأُ بَطْنُهُ نَارًا بِقَدْرِ مَا أَكَلَ مِنْ الرِّبَا» ، وَالْمُرَادُ بِهِ الِافْتِضَاحُ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ كَمَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ «يُنْصَبُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِآكِلِي الرِّبَا فَيَجْتَمِعُونَ تَحْتَهُ ثُمَّ يُسَاقُونَ إلَى النَّارِ» ، وَالثَّانِي الْمَحْقُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٦] وَالْمُرَادُ الْهَلَاكُ، وَالِاسْتِئْصَالُ، وَقِيلَ ذَهَابُ الْبَرَكَةِ وَالِاسْتِمْتَاعِ حَتَّى لَا يَنْتَفِعَ هُوَ بِهِ وَلَا وَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَالثَّالِثُ الْحَرْبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: ٢٧٩] الْمَعْنَى فِي الْقِرَاءَةِ بِالْمَدِّ أَعْلِمُوا النَّاسَ يَا أَكَلَةَ الرِّبَا إنَّكُمْ حَرْبُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِمَنْزِلَةِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَفِي قِرَاءَةٍ بِغَيْرِ الْمَدِّ أَيْ اعْلَمُوا أَنَّ أَكَلَةَ الرِّبَا حَرْبٌ لِلَّهِ، الرَّابِعُ الْكُفْرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: ٢٧٨] وَقَالَ {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: ٢٧٦] أَيْ كَفَّارٍ بِاسْتِحْلَالِ الرِّبَا، وَالْخَامِسُ الْخُلُودُ فِي النَّارِ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٢٧٥] يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ مِنْ الرِّبَا أَشَدُّ مِنْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً يَزْنِيهَا الرَّجُلُ، وَمَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ الْحَرَامِ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ بَيَانُ الْحَلَالِ الَّذِي هُوَ بَيْعٌ شَرْعًا، وَالْحَرَامِ الَّذِي هُوَ رِبًا، وَلِهَذَا قِيلَ لِمُحَمَّدٍ أَلَا تُصَنِّفُ فِي الزُّهْدِ شَيْئًا قَالَ صَنَّفْت كِتَابَ الْبُيُوعِ، وَلَيْسَ الزُّهْدُ إلَّا اجْتِنَابَ الْحَرَامِ وَالرَّغْبَةَ فِي الْحَلَالِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ رِبَا النَّسَاءِ يَكْفُرُ، وَفِي رِبَا الْفَضْلِ فِي الْقَدْرِ اخْتِلَافٌ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَرَى الرِّبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ لِلْحَدِيثِ إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ، وَكَلِمَةُ إنَّمَا لِلْحَصْرِ إلَّا أَنَّ عَامَّةَ الصَّحَابَةِ احْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ.

وَالْجَوَابُ عَنْ تَعَلُّقِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ مُنْصَرِفٌ إلَى مَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ، وَلَا مَوْزُونٍ لِقَوْلِهِ آخِرَهُ إلَّا مَا كِيلَ أَوْ وُزِنَ عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ رُجُوعُهُ فَإِجْمَاعُ التَّابِعِينَ بِهِ يَرْفَعُهُ اهـ.

مَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قُضِيَ بِجَوَازِ بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ يَدًا بِيَدٍ بِأَعْيَانِهِمَا أَخْذًا بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَنْفُذُ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ وَافَقَهُ فَكَانَ مَهْجُورًا. اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ الْكَرَاهِيَةِ لَا بَأْسَ بِالْبُيُوعِ الَّتِي يَفْعَلُهَا النَّاسُ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الرِّبَا ثُمَّ رَقْمٌ آخَرُ هِيَ مَكْرُوهَةٌ ذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ الْكَرَاهَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَهُمَا لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ الزَّرَنْجَرِيُّ خِلَافَ مُحَمَّدٍ فِي الْعَقْدِ بَعْدَ الْقَرْضِ أَمَّا إذَا بَاعَ ثُمَّ دَفَعَ الدَّرَاهِمَ لَا بَأْسَ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ الْكَرَاهِيَةِ يَجُوزُ لِلْمُحْتَاجِ الِاسْتِقْرَاضُ بِالرِّبْحِ اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَازِلِ رَجُلٌ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَأَرَادَ أَنْ يُؤَجِّلَهَا إلَى سَنَةٍ، وَيَأْخُذَ مِنْهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِتِلْكَ الْعَشَرَةِ مَتَاعًا، وَيَقْبِضَ الْمَتَاعَ مِنْهُ، وَقِيمَةُ الْمَتَاعِ عَشَرَةٌ ثُمَّ يَبِيعَ الْمَتَاعَ مِنْهُ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ إلَى سَنَةٍ اهـ.

قَوْلُهُ (وَعِلَّتُهُ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ) أَيْ عِلَّةُ الرِّبَا أَيْ وُجُوبُ الْمُسَاوَاةِ الَّتِي يَلْزَمُ عِنْدَ فَوْتِهَا الرِّبَا هَكَذَا فَسَّرَهُ السِّغْنَاقِيُّ فِي شَرْحِ الْأَخْسِيكَثِيِّ فِي الْأُصُولِ، وَذَكَرَهُ فِي الْكَافِي سُؤَالًا وَجَوَابًا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْ عِلَّةُ تَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ. اهـ.

وَفِي الْمِعْرَاجِ أَيْ عِلَّةُ حُرْمَةِ الرِّبَا وَوُجُوبِ الْمُسَاوَاةِ وَالْعِلَّةُ فِي اللُّغَةِ الْمَرَضُ الشَّاغِلُ، وَالْجَمْعُ عِلَلٌ، وَأَعَلَّهُ اللَّهُ فَهُوَ مَعْلُولٌ، وَاعْتَلَّ إذَا مَرَض، وَاعْتَلَّ إذَا تَمَسَّكَ بِحُجَّةٍ، وَأَعَلَّهُ بِكَلِمَةٍ جَعَلَهُ ذَا عِلَّةٍ، وَمِنْهُ إعْلَالَاتُ الْفُقَهَاءِ، وَاعْتِلَالُهُمْ. اهـ.

وَأَمَّا فِي الْأُصُولِ فَقَالُوا إنَّهَا فِي اللُّغَةِ هِيَ الْمُغَيِّرُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمَرَضُ عِلَّةً لِأَنَّهُ بِحُلُولِهِ يَتَغَيَّرُ حَالُ الْمَحِلِّ عَنْ وَصْفِ الْقُوَّةِ إلَى وَصْفِ الضَّعْفِ، وَلِذَا سُمِّيَ الْجُرْحُ عِلَّةً لِأَنَّهُ بِحُلُولِهِ بِالْمَجْرُوحِ يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْحَالِ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ مَا يُضَافُ إلَيْهِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِلَا وَاسِطَةٍ فَخَرَجَ الشَّرْطُ لِأَنَّهُ لَا يُضَافُ إلَيْهِ ثُبُوتُهُ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>