للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَصِيرِيُّ فِي الْجَامِعِ دَلَّنَا بِهِ أَنَّ الْإِمْكَانَ لَا يَكْفِي، وَمِنْهَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْ فُلَانٍ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ مَا هُوَ لَهُ لَا يُضِيفُهُ إلَى غَيْرِهِ فِي الْخُصُومَةِ، وَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِالْمِلْكِ بَعْدَمَا أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ بَرْهَنَ أَوَّلًا لِمُوَكِّلِهِ لِعَدَمِ الشَّهَادَةِ بِهِ لَهُ إلَّا إذَا وَفَّقَ، وَقَالَ كَانَ لِفُلَانٍ وَكَّلَنِي بِالْخُصُومَةِ ثُمَّ اشْتَرَيْته مِنْهُ، وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُمْكِنِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلٌ لِفُلَانٍ بِالْخُصُومَةِ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ فَإِنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ قَدْ يُضِيفُ إلَى نَفْسِهِ بِكَوْنِ الْمُطَالَبَةِ لَهُ.

وَمِنْهَا مَا فِي الْأَجْنَاسِ الصُّغْرَى ادَّعَى مَحْدُودًا بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ مِلْكًا مُطْلَقًا لَا تُسْمَعُ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى الْأُولَى عِنْدَ الْقَاضِي فَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ عِنْدَ الْقَاضِيَ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ، وَهَذَا عَلَى الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرُوا أَنَّ التَّنَاقُضَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ كِلَا الدَّعْوَتَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي فَأَمَّا مَنْ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي عِنْدَ الْقَاضِي يَكْفِي فِي تَحَقُّقِ التَّنَاقُضِ كَوْنُ الثَّانِي عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَفِيهَا أَيْضًا، وَالتَّنَاقُضُ كَمَا يَمْنَعُ الدَّعْوَى لِنَفْسِهِ يَمْنَعُ الدَّعْوَى لِغَيْرِهِ، وَالتَّنَاقُضُ يَرْتَفِعُ بِتَصْدِيقِ الْخَصْمِ، وَبِتَكْذِيبِ الْحَاكِمِ أَيْضًا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْمُقِرُّ إذَا صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بَطَلَ إقْرَارُهُ، وَفِيهَا الْإِيدَاعُ وَالِاسْتِعَارَةُ، وَالِاسْتِئْجَارُ، وَالِاسْتِيهَابُ إقْرَارٌ بِأَنَّ الْعَيْنَ لِذِي الْيَدِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِأَنَّهَا لَهُ وَطَلَبُ نِكَاحِ الْأَمَةِ مَانِعٌ مِنْ دَعْوَى تَمَلُّكِهَا وَطَلَبُ نِكَاحِ الْحُرَّةِ مَانِعٌ مِنْ دَعْوَى نِكَاحِهَا. اهـ.

وَذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّ إمْكَانَ التَّوْفِيقِ يَكْفِي لَدَفَعَ التَّنَاقُضِ أَوْ التَّوْفِيقِ بِالْفِعْلِ ذَكَرَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الْخُجَنْدِيِّ أَنَّهُ اخْتَارَ أَنَّ التَّنَاقُضَ إنْ كَانَ مِنْ الْمُدَّعِي لَا بُدَّ مِنْ التَّوْفِيقِ بِالْفِعْلِ، وَلَا يَكْفِي الْإِمْكَانُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَكْفِي الْإِمْكَانُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وُجُودُهُ وَوُقُوعُهُ، وَالظَّاهِرُ حُجَّةٌ فِي الدَّفْعِ لَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْمُدَّعِي مُسْتَحِقٌّ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافِعٌ، وَالظَّاهِرُ يَكْفِي فِي الدَّفْعِ لَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَيُقَالُ أَيْضًا إنَّ تَعَدُّدَ الْوُجُوهِ لَا يَكْفِي الْإِمْكَانَ، وَإِنْ اتَّحَدَ يَكْفِي الْإِمْكَانُ. اهـ.

وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيدٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ ثُمَّ ادَّعَى الْإِيفَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ، وَفِي كِتَابِ الدَّعْوَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالتَّنَاقُضُ فِي اللُّغَةِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ التَّدَافُعُ يُقَالُ تَنَاقَضَ الْكَلَامَانِ تَدَافَعَا كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ نَقَضَ الْآخَرَ، وَفِي كَلَامِهِ تَنَاقُضٌ إذَا كَانَ بَعْضُهُ يَقْتَضِي إبْطَالَ بَعْضٍ. اهـ.

وَفِي الصِّحَاحِ، وَالْمُنَاقَضَةُ فِي الْقَوْلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَا يَتَنَاقَضُ مَعْنَاهُ. اهـ.

وَأَمَّا فِي الْمَنْطِقِ فَقَالَ فِي الشَّمْسِيَّةِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّالِثِ فِي أَحْكَامِ الْقَضَايَا، وَحَّدُوا التَّنَاقُضَ بِأَنَّهُ اخْتِلَافُ قَضِيَّتَيْنِ بِالسَّلْبِ وَالْإِيجَابِ بِحَيْثُ يَقْتَضِي لِذَاتِهِ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا صَادِقَةً وَالْأُخْرَى كَاذِبَةً فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَخْصُوصَتَيْنِ إلَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَوْضُوعِ، وَيَنْدَرِجُ فِيهِ وَحْدَةُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لِكُلٍّ، وَعِنْدَ اتِّحَادِ الْمَحْمُولِ، وَيَنْدَرِجُ فِيهِ وَحْدَةُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْإِضَافَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْفِعْلِ وَالْمَحْصُورَتَيْنِ، وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَافِ بِالْكَمِّيَّةِ لِصِدْقِ الْجُزْئِيَّيْنِ وَكَذِبِ الْكُلِّيَّتَيْنِ فِي كُلِّ مَادَّةٍ يَكُونُ الْمَوْضُوعُ فِيهَا أَعَمَّ، وَلَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِلَافِ بِالْجِهَةِ فِي الْكُلِّ لِصِدْقِ الْمُمْكِنَتَيْنِ وَكَذِبِ الضَّرُورِيَّتَيْنِ فِي مَادَّةِ الْإِمْكَانِ. اهـ.

وَتَوْضِيحُهُ فِي شَرْحِهَا لِلْقُطْبِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْفُقَهَاءِ بِهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ لَا الْمَنْطِقِيُّ كَمَا لَا يَخْفَى.

قَوْلُهُ (لَا الْحُرِّيَّةُ، وَالنَّسَبُ وَالطَّلَاقُ) لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْخَفَاءِ فَيُعْذَرُ فِي التَّنَاقُضِ لِأَنَّ النَّسَبَ يُبْتَنَى عَلَى الْعُلُوقِ وَالطَّلَاقُ وَالْحُرِّيَّةُ يَنْفَرِدُ بِهَا الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى فَتَفَرَّعَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ بِالرِّقِّ أَنَّ الْأَمَةَ إذَا أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ فَبَاعَهَا الْمُقَرُّ لَهُ جَازَ فَإِنْ ادَّعَتْ عِتْقًا بَعْدَ الْبَيْعِ، وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى عِتْقٍ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ مِنْ الْأَصْلِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهَا اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا، وَدَفَعَهُ إلَى الْمُشْتَرِي، وَقَبَضَ ثَمَنَهُ، وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي، وَذَهَبَ بِهِ إلَى مَنْزِلِهِ، وَالْعَبْدُ سَاكِتٌ، وَهُوَ مِمَّنْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهَذَا إقْرَارٌ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرُوا إلَخْ) سَيَأْتِي عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مَا يُفِيدُ تَرْجِيحَ الثَّانِيَةِ، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَعَنْ النَّهْرِ اخْتِيَارُ الْأُولَى (قَوْلُهُ وَالتَّنَاقُضُ يَرْتَفِعُ بِتَصْدِيقِ الْخَصْمِ وَبِتَكْذِيبِ الْحَاكِمِ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ كَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ كَفَلَ لَهُ عَنْ مَدْيُونِهِ بِأَلْفٍ فَأَنْكَرَ الْكَفَالَةَ فَبَرْهَنَ الدَّائِنُ، وَحَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ، وَأَخَذَ الْمَكْفُولُ لَهُ مِنْهُ الْمَالَ ثُمَّ إنَّ الْكَفِيلَ ادَّعَى عَلَى الْمَدْيُونِ أَنَّهُ كَانَ كَفِيلًا عَنْهُ بِأَمْرِهِ، وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ يُقْبَلُ عِنْدَنَا، وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَكْفُولِ بِمَا كَفَلَ لِأَنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>