للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقْدِرَانِ عَلَى الْإِنْشَاءِ بِالِاسْتِقْرَاضِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يُصَدَّقُ الْمُؤَجَّرُ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَا تُنْتَقَضُ الْإِجَارَةُ، وَلَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ حَتَّى لَا يَكُونُ لِلْمُقَرِّ لَهُ حَبْسُهَا وَمُلَازَمَتُهَا، وَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الزَّوْجِ فِي نَقْلِهَا كَذَا ذَكَرَهُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ، وَذَكَرَ قَبْلَهُ أَصْلًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ أَصْلُ الْبَابِ أَنَّ إقْرَارَ الْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَصِحُّ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَضَمَّنَ إقْرَارُهُ بُطْلَانَ حَقِّ الْغَيْرِ بِحَيْثُ يُضَافُ الْبُطْلَانُ إلَى إقْرَارِهِ فَفِي مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ إنَّمَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ بِالْتِزَامِ الدَّيْنِ ثُمَّ تَعَدَّى إلَى حَقِّ الْغَيْرِ، وَهُوَ الْمُسْتَأْجِرُ، وَحَقُّهُ إنَّمَا يَبْطُلُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ وَالتَّنْفِيذِ فَلَا يُضَافُ الْبُطْلَانُ إلَى إقْرَارِ الْآجِرِ فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا عَلَى الْغَيْرِ، وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَرْأَةِ اهـ.

وَمِنْ مَسَائِلِ اقْتِصَارِ الْإِقْرَارِ مَسْأَلَةٌ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الْمُتَفَرِّقَاتِ قَبِيلَ الصَّرْفِ ذَكَرَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ شَهَادَاتِ الْجَامِعِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِعِتْقِ عَبْدٍ فَرُدَّتْ لِتُهْمَةٍ فَوَكَّلَ الْمَوْلَى أَحَدَهُمَا بِبَيْعِهِ فَبَاعَهُ مِنْ الشَّاهِدِ الْآخَرِ صَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ قَوْلَهُمَا لَمْ يَنْفُذْ فِي حَقِّ الْمَالِكِ، وَالْمُتَعَاقِدَانِ وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى فَسَادِ الْبَيْعِ لَكِنْ قَوْلُهُمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى غَيْرِهِمَا، وَعَتَقَ الْعَبْدُ لِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي بِحُرِّيَّتِهِ، وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ، وَبَرِئَ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِمَا، وَلَا يَبْرَأُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى إبْرَاءِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ عَنْ الثَّمَنِ، وَضَمِنَهُ الْوَكِيلُ عِنْدَهُمَا، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ حَقُّ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنَّمَا يَسْتَوْفِيهِ الْمُوَكِّلُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا أَبْرَأ عَنْ الثَّمَنِ حَتَّى لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ عِنْدَهُ فَلِلْوَكِيلِ اسْتِيفَاؤُهُ، وَإِنْ بَاعَ الْوَكِيلُ الْعَبْدَ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِهِ جَازَ، وَلَا عِتْقَ وَلَا بَرَاءَةَ، وَتَمَامُهَا فِيهَا.

قَوْلُهُ (وَالتَّنَاقُضُ يَمْنَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ إذْ أَحَدُهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَسَقَطَا، وَهَذَا أَصْلٌ لِفُرُوعٍ كَثِيرَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي الدَّعْوَى، وَلَا بَأْسَ بِإِيرَادِ نُبْذَةٍ مِنْهَا فَمِنْ ذَلِكَ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مِقْدَارًا مَعْلُومًا بِأَنَّهُ دَيْنٌ لَهُ عَلَيْهِ، وَأَنْكَرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ عِنْدَهُ مِنْ جِهَةِ الشَّرِكَةِ فَإِنَّهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ فِي كَلَامِهِ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ تُسْمَعُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ لِأَنَّ مَالَ الشَّرِكَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا بِالْجُحُودِ، وَالدَّيْنُ لَا يَصِيرُ مَالَ الشَّرِكَةِ، وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ فِيهَا أَيْضًا رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ أَخُوهُ، وَادَّعَى عَلَيْهِ النَّفَقَةَ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ هُوَ بِأَخِي ثُمَّ مَاتَ الْمُدَّعِي، وَخَلَفَ أَمْوَالًا كَثِيرَةً فَجَاءَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَطْلُبُ مِيرَاثَهُ، وَقَالَ هُوَ أَخِي لَا تُقْبَلُ وَلَا يُقْضَى لَهُ بِالْمِيرَاثِ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ، وَلَوْ كَانَ مَكَان دَعْوَى الْأُخُوَّةِ دَعْوَى الْبُنُوَّةِ أَوْ الْأُبُوَّةِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَيُقْضَى لَهُ بِالْمِيرَاثِ، وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ فِيهَا ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهَا لِفُلَانٍ وَكَّلَنِي بِالْخُصُومَةِ فِيهَا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا لَهُ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ يَصِيرُ مُتَنَاقِضًا فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا لَهُ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لِفُلَانٍ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَلَا يَصِيرُ مُتَنَاقِضًا اهـ.

وَمِنْهَا مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى شِرَاءَ دَارٍ مِنْ أَبِيهِ فَقَبْلَ أَنْ يُزَكِّيَ شُهُودُهُ بَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ تُقْبَلُ لِوُضُوحِ التَّوْفِيقِ لِأَنَّهُ يَقُولُ جَحَدَنِي الشِّرَاءَ فَمَلَكْت بِالْإِرْثِ، وَعَلَى الْعَكْسِ لَا، وَمِنْهَا مَا فِيهَا أَيْضًا ادَّعَى الصَّدَقَةَ مِنْهُ مُنْذُ سَنَةٍ ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ مُنْذُ شَهْرٍ، وَبَرْهَنَ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا وَفَّقَ كَمَا مَرَّ، وَمِنْهَا مَا فِيهَا لَوْ ادَّعَى أَوَّلًا الْوَقْفَ ثُمَّ لِنَفْسِهِ لَا تُسْمَعُ كَمَا لَوْ ادَّعَاهَا لِغَيْرِهِ ثُمَّ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا لَهُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِ تُسْمَعُ لِصِحَّةِ الْإِضَافَةِ بِالْأَخَصِّيَّةِ انْتِفَاعًا كَمَا لَوْ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِغَيْرِهِ، وَمِنْهَا مَا فِيهَا أَيْضًا ادَّعَى أَنَّهُ لِفُلَانٍ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لِفُلَانٍ آخَرَ، وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ لَا تُقْبَلُ إذْ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ فِي عَيْنٍ مِنْ جِهَةِ زَيْدٍ مَثَلًا لَا يَلِي إضَافَتَهُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا إذَا وَفَّقَ، وَقَالَ كَانَ لِفُلَانٍ الْأَوَّلِ، وَكَانَ وَكَّلَنِي بِالْخُصُومَةِ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ الثَّانِي، وَوَكَّلَنِي الثَّانِي أَيْضًا، وَالتَّدَارُكُ مُمْكِنٌ بِأَنْ غَابَ عَنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ مُدَّةٍ، وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَوَلَاؤُهُ مَوْقُوفٌ) لِأَنَّ الْمَوْلَى مَعَ الْمُشْتَرِي كُلٌّ مِنْهُمَا يَنْفِيهِ عَنْ نَفْسِهِ ذَخِيرَةٌ.

(قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا) أَيْ ثَمَّ مَاتَ الْمُدَّعِي عَنْ مَالٍ فَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبُنُوَّةَ أَوْ الْأُبُوَّةَ وَيَظْهَرُ الْفَرْقُ مِمَّا يَأْتِي عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ قَرِيبًا فِي الْقَوْلَةِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ يَصِيرُ مُتَنَاقِضًا فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ) أَيْ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُضِيفُ مَالَ نَفْسِهِ إلَى غَيْرِهِ قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْفَصْلِ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَيْضًا فِي هَذَا أَنَّهُ أَضَافَ مَالَ الْغَيْرِ إلَى نَفْسِهِ فَلَا تَنَاقُضَ حِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَقْبُولًا

<<  <  ج: ص:  >  >>