للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي وَجْهِهَا بِشَهْوَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ أَنْ يَجُوزَ الِاسْتِمْتَاعُ بِالسُّرَّةِ وَمَا فَوْقَهَا وَبِالرُّكْبَةِ وَمَا تَحْتَهَا وَالْمُحَرَّمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا بَيْنَهُمَا وَهِيَ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ يَسْتَمْتِعُ بِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَمَا تَحْتَ الرُّكْبَةِ كَمَا لَا يَخْفَى فَيَجُوزُ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ فِيمَا عَدَا مَا ذُكِرَ بِوَطْءٍ وَغَيْرِهِ وَلَوْ بِلَا حَائِلٍ وَكَذَا بِمَا بَيْنَهُمَا بِحَائِلٍ بِغَيْرِ الْوَطْءِ وَلَوْ تَلَطَّخَ دَمًا، وَلَا يُكْرَهُ طَبْخُهَا وَلَا اسْتِعْمَالُ مَا مَسَّتْهُ مِنْ عَجِينٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِمَا إلَّا إذَا تَوَضَّأَتْ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ كَمَا هُوَ الْمُسْتَحَبُّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَفِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْزِلَ عَنْ فِرَاشِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ فِعْلَ الْيَهُودِ وَفِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ امْرَأَةٌ تَحِيضُ مِنْ دُبُرِهَا لَا تَدَعُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَيْضٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ، وَإِنْ أَمْسَكَ زَوْجُهَا عَنْ الْإِتْيَانِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ لِمَكَانِ الصُّورَةِ وَهُوَ الدَّمُ مِنْ الْفَرْجِ. اهـ. وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ.

(قَوْلُهُ: وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ) أَيْ يَمْنَعُ الْحَيْضُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَكَذَا الْجَنَابَةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقْرَأْ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الْمُنْذِرِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ إنَّهُ يَقْرَأُ بِالرَّفْعِ عَلَى النَّفْيِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَنْ النَّهْيِ كَيْ لَا يَلْزَمَ الْخُلْفُ فِي الْوَعْدِ وَبِكَسْرِ الْهَمْزِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ عَلَى النَّهْيِ وَهُمَا صَحِيحَانِ.

وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَا لَمْ يَكُنْ جُنُبًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ إنَّهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ ثُمَّ كُلٌّ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ يَصْلُحُ مُخَصِّصًا لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» بَعْدَ الْقَوْلِ بِتَنَاوُلِ الذِّكْرِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَبِقَوْلِنَا قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ وَشَمَلَ إطْلَاقُهُ الْآيَةَ وَمَا دُونَهَا وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ وَقَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ والْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى وَقَوَّاهُ فِي الْكَافِي وَنَسَبَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ إلَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَصَحَّحَهُ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ لَمْ تُفَصِّلْ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لَكِنْ ذَكَرَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ مَكْرُوهَةٌ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّهَا حَرَامٌ، وَفِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ يُبَاحُ لَهُمَا مَا دُونَ الْآيَةِ وَصَحَّحَهُ الْخُلَاصَةُ فِي الْفَصْلِ الْحَادِيَ عَشَرَ فِي الْقِرَاءَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَنَسَبَهُ الزَّاهِدِيُّ إلَى الْأَكْثَرِ وَوَجَّهَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ بِأَنَّ النَّظْمَ وَالْمَعْنَى يَقْصُرُ فِيمَا دُونَ الْآيَةِ وَيَجْرِي مِثْلُهُ فِي مُحَاوَرَاتِ النَّاسِ وَكَلَامِهِمْ فَتَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْقُرْآنِ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ. اهـ.

فَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّصْحِيحَ قَدْ اخْتَلَفَ فِيمَا دُونَ الْآيَةِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِالْمَنْعِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْأَحَادِيثَ لَمْ تُفَصِّلْ وَالتَّعْلِيلَ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ شَيْئًا كَمَا فِي الْكَافِي نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ وَمَا دُونَ الْآيَةِ قُرْآنٌ فَيَمْتَنِعُ كَالْآيَةِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ أُجِيبَ أَيْضًا بِالْأَخْذِ بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا وَهُوَ عَدَمُ الْجَوَازِ فِي الصَّلَاةِ وَالْمَنْعُ لِلْجُنُبِ وَمَنْ بِمَعْنَاهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا لَمْ يُصِبْ أَحَدَكُمْ جَنَابَةٌ، فَإِنْ أَصَابَهُ فَلَا وَلَا حَرْفًا وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ عَلِيٍّ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا قَرَأَ عَلَى قَصْدِ أَنَّهُ قُرْآنٌ، أَمَّا إذَا قَرَأَهُ عَلَى قَصْدِ الثَّنَاءِ أَوْ افْتِتَاحِ أَمْرٍ لَا يُمْنَعُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ وَفِي التَّسْمِيَةِ اتِّفَاقٌ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ إذَا كَانَ عَلَى قَصْدِ الثَّنَاءِ أَوْ افْتِتَاحِ أَمْرٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْعُيُونِ لِأَبِي اللَّيْثِ وَلَوْ أَنَّهُ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ عَلَى سَبِيلِ الدُّعَاءِ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الدُّعَاءِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْقِرَاءَةَ فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ.

وَاخْتَارَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ لَكِنْ قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ لَا أُفْتِي بِهَذَا، وَإِنْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.

وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي مِثْلِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّ الْمُبَاحَ إنَّمَا هُوَ لَيْسَ بِقُرْآنٍ

ــ

[منحة الخالق]

خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الِاسْتِحْسَانِ مِنْ الْحَقَائِقِ عَنْ التُّحْفَةِ وَالْخَانِيَّةِ يَجْتَنِبُ الرَّجُلُ مِنْ الْحَائِضِ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجْتَنِبُ شِعَارَ الدَّمِ يَعْنِي الْجِمَاعَ وَلَهُ مَا سِوَى ذَلِكَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُبَاحُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْ النَّظَرِ وَنَحْوِهِ بِمَا دُونَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ وَيُبَاحُ مَا وَرَاءَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُبَاحُ الِاسْتِمْتَاعُ مَعَ الْإِزَارِ. اهـ. وَمَعَ النَّقْلِ يَبْطُلُ الْبَحْثُ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ شَيْئًا كَمَا فِي الْكَافِي نَكِرَةٌ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ كَمَا فِي الْكَافِي مُؤَخَّرٌ عَنْ مَحَلِّهِ مِنْ النُّسَّاخِ وَمَحَلُّهُ قَبْلَ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ شَيْئًا أَيْ الْوَاقِعَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ الْمَارِّ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ؛ لِأَنَّ هَذَا كَمَا فِي الْكَافِي تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَيُرَدُّ؛ لِأَنَّ شَيْئًا نَكِرَةٌ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لَا أُفْتِي بِهِ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ النَّابُلُسِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الدُّرَرِ لَمْ يُرِدْ الْهِنْدُوَانِيُّ رَدَّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَلْ قَالَ ذَلِكَ لِمَا يَتَبَادَرُ إلَى ذِهْنِ مَنْ يَسْمَعُهُ مِنْ الْجَنْبِ مِنْ غَيْرِ اطِّلَاعٍ عَلَى نِيَّةِ قَائِلِهِ مِنْ جَوَازِهِ مِنْهُ وَكَمْ مِنْ قَوْلٍ صَحِيحٍ لَا يُفْتَى بِهِ خَوْفًا مِنْ مَحْذُورٍ آخَرَ وَلَمْ يَقُلْ لَا أَعْمَلُ بِهِ كَيْفَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. اهـ.

وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي بَحْثِ الْمُؤَلِّفِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي مِثْلِ الْفَاتِحَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كَوْنُهُ قُرْآنًا فِي الْأَصْلِ لَا يَمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِهِ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ بِالْقَصْدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَصْدِ الثَّنَاءِ فَالتَّلَازُمُ مُنْفَكٌّ نَعَمْ ظَاهِرُ تَقْيِيدِ صَاحِبِ الْعُيُونِ بِالْآيَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>