للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَدْوَنَ وَرَضِيَ أَحَدُهُمَا بِالْقِصَاصِ وَأَبَى الْآخَرُ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فَإِنْ أَبَى صَاحِبُ الْأَفْضَلِ لَا يَصِيرُ قِصَاصًا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْجَوْدَةِ مَعْصُومٌ مُحْتَرَمٌ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَإِنْ أَبَى صَاحِبُ الْأَدْوَنِ يَصِيرُ قِصَاصًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِهِ صَاحِبُ الْأَفْضَلِ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَكَذَلِكَ الْمُقَاصَّةُ فِي بَدَلِ الصَّرْفِ عَلَى هَذِهِ التَّفَاصِيلِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

قَالَ الْأَزْهَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْكُرُسْتُونُ قَفِيزًا وَالْقَفِيزُ ثَمَانِيَةُ مَكَاكِيكَ وَالْمَكُّوكُ صَاعٌ وَنِصْفٌ وَفِي الْحُسَامِيِّ الْكَرَاسِمُ لِأَرْبَعِينَ قَفِيزًا وَهَذَا كُلُّهُ فِي رَأْسِ الْمَالِ، أَمَّا الْمُقَاصَّةُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ فَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ إنْ وَجَبَ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ دَيْنٌ مِثْلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَصِرْ قِصَاصًا وَإِنْ وَجَبَ بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ كَالْغَصْبِ وَالْقَرْضِ صَارَ قِصَاصًا إنْ كَانَ قَبْلَ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَجَعَلَهُ قِصَاصًا جَازَ وَإِنْ كَانَ وَدِيعَةً عِنْدَ رَبِّ السَّلَمِ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ فَجَعَلَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ قِصَاصًا لَمْ يَكُنْ قِصَاصًا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَتِهِمَا أَوْ يُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا، وَلَا يَصِيرُ الْمَغْصُوبُ قِصَاصًا إلَّا إذَا كَانَ مِثْلَ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُمَا اهـ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِشَرِكَةٍ أَوْ تَوْلِيَةٍ) لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَرَأْسُ الْمَالِ مُسْتَحَقُّ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ مُفَوِّتٌ لَهُ فَلَمْ يَجُزْ فَفِي التَّوْلِيَةِ تَمْلِيكُهُ بِعِوَضٍ وَفِي الشَّرِكَةِ تَمْلِيكُ بَعْضِهِ بِعِوَضٍ فَلَمْ يَجُزْ، وَصُورَةُ الشَّرِكَةِ فِيهِ أَنْ يَقُولَ رَبُّ السَّلَمِ لِآخَرَ اعْطِنِي نِصْفَ رَأْسِ الْمَالِ لِيَكُونَ نِصْفَ الْمُسْلَمِ لَك فِيهِ وَصُورَةُ التَّوْلِيَةِ أَنْ يَقُولَ لِآخَرَ أَعْطِنِي مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ لَكَ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِالتَّوْلِيَةِ لِرَدِّ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ بَيْعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ مُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي فَقَالَ وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْمُسْلَمِ قَبْلَ قَبْضِهِ مُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ مَنْعُهُمَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَى مَنْعِ بَيْعِ السَّلَمِ بِالْأُولَى سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْحَاوِي، فَلَوْ بَاعَ رَبُّ السَّلَمِ الْمُسْلَمَ فِيهِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَكُونُ إقَالَةً كَذَا فِي الْقُنْيَةِ، وَلَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَبْلَ الْهِبَةِ لَمْ يَصِحَّ وَكَانَ إقَالَةً فَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ رَأْسِ الْمَالِ وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا. وَفِي التَّجْنِيسِ وَالْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ كُرَّ حِنْطَةٍ فَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَبْرَأْتُك عَنْ نِصْفِ السَّلَمِ وَقَبِلَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ نِصْفِ الْمَالِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ نَوْعُ بَيْعٍ وَفِي الْبَيْعِ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعٍ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَبْت مِنْك نِصْفَهُ فَقَبِلَ الْبَائِعُ كَانَتْ إقَالَةً فِي النِّصْفِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ فَكَذَا هَذَا إذْ الْحَطُّ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ. اهـ.

وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إقَالَةُ بَعْضِ السَّلَمِ وَإِبْقَاؤُهُ فِي الْبَعْضِ جَائِزٌ، وَأَمَّا إقَالَةُ الْمُسْلَمِ عَلَى مُجَرَّدِ الْوَصْفِ بِأَنْ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ جَيِّدًا فَتَقَايَلَا عَلَى الرَّدِيءِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ دِرْهَمًا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ لَكِنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ لَا بِطَرِيقِ الْإِقَالَةِ بَلْ بِطَرِيقِ الْحَطِّ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ. اهـ.

وَفِي الْبَدَائِعِ الْإِبْرَاءُ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ رَبِّ السَّلَمِ فَإِنْ قَبِلَ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِدُونِ قَبُولِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إسْقَاطُ شَرْطٍ وَبِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ عَنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ بِدُونِ قَبُولِ الْمُشْتَرِي لَكِنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَلَا يَجُوزُ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ وَإِسْقَاطُ الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ. اهـ.

وَظَاهِرُهُ يُخَالِفُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّجْنِيسِ فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَفِي

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ الْكُرُسْتُونُ قَفِيزًا إلَخْ) فَيَكُونُ الْقَفِيزُ اثْنَيْ عَشَرَ صَاعًا وَيَكُونُ الْكُرُّ سَبْعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ صَاعًا وَذَلِكَ أَرْبَعُ غَرَابِرَ وَنِصْفٌ شَامِيَّةٌ تَقْرِيبًا لِأَنَّ نِصْفَ الصَّاعِ رُبُعُ مُدٍّ شَامِيٍّ تَقْرِيبًا.

(قَوْلُهُ: بَلْ بِطَرِيقِ الْحَطِّ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِيهِ صَرَاحَةٌ بِجَوَازِ الْحَطِّ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ وَالظَّاهِرُ فِيهَا اشْتِرَاطُ قَبْضِهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِخِلَافِ الْحَطِّ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي الْحَطِّ عَنْ بَدَلِ الصَّرْفِ وَالزِّيَادَةِ فِيهِ بَاعَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ زَادَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَقَبِلَ الْآخَرُ فَإِنْ قَبَضَ الزِّيَادَةَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا جَازَ وَإِنْ تَفَرَّقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ وَبَطَلَ الْبَيْعُ فِي حِصَّةِ الزِّيَادَةِ وَلَوْ حَطَّ دِرْهَمًا مِنْ ثَمَنِ الدِّينَارِ جَازَ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ. اهـ.

وَقَدَّمْنَا فِي الْحَاشِيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَالزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَيَجُوزُ الْحَطُّ تَأَمَّلْ.

(فَائِدَةٌ)

خَمْسَةُ أَشْيَاءَ تَجُوزُ فِي السَّلَمِ الْوَكَالَةُ وَالْحَوَالَةُ وَالْكَفَالَةُ وَالْإِقَالَةُ وَالرَّهْنُ، وَخَمْسَةُ أَشْيَاءَ لَا تَجُوزُ فِي السَّلَمِ الشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَبَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ السَّلَمِ فِيهِ وَالِاعْتِيَاضُ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ أَبِي اللَّيْثِ. (قَوْلُهُ: فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ) لَعَلَّ الصَّوَابَ عَنْ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْبَدَائِعِ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ التَّجْنِيسِ فِي جَوَازِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِأَنَّ الَّذِي لَهُ الْمُطَالَبَةُ أَمَّا الْعَيْنُ فَلَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِالْقَبْضِ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ فَلَمْ يَلْزَمْ إسْقَاطُ الْعَيْنِ نَعَمْ يُخَالِفُهُ ظَاهِرًا فِي الْمَبِيعِ فَإِنَّ كَلَامَ التَّجْنِيسِ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ هِبَتِهِ وَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>