للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ أَنَّ رَبَّ السَّلَمِ وَهَبَ الْمُسْلَمَ فِيهِ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ كَانَتْ إقَالَةً لِلسَّلَمِ وَلَزِمَهُ رَدُّ رَأْسِ الْمَالِ إذَا قَبِلَ، وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا أَبْرَأَ رَبُّ السَّلَمِ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ عَنْ طَعَامِ السَّلَمِ صَحَّ إبْرَاؤُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَقْبَلْ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ، وَإِذَا قَبِلَ كَانَ فَسْخًا لِعَقْدِ السَّلَمِ، وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَبَّ السَّلَمِ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ وَقَبِلَ الْبَرَاءَ بَطَلَ السَّلَمُ وَإِنْ رَدَّهُ لَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَا يُسْتَحَقُّ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ رَأْسِ الْمَالِ. اهـ.

وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ بَعْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ هَلْ هُوَ إقَالَةٌ فَيَرُدُّ مَا قَابَلَهُ أَوْ حَطٌّ لَهُ فَلَا يُرَدُّ وَبِهِ انْدَفَعَ الْإِشْكَالُ وَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا فِيمَا إذَا أَبْرَأَهُ عَنْ الْكُلِّ وَقَبِلَ فَقِيلَ بِرَدِّ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ وَقِيلَ لَا يَرُدُّ شَيْئًا. اهـ.

وَدَلَّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى مَنْعِ الِاسْتِبْدَالِ بِهِمَا، أَمَّا الِاسْتِبْدَالُ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ بِأَنْ يَأْخُذَ بِرَأْسِ الْمَالِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ لِكَوْنِهِ يُفَوِّتُ الْقَبْضَ الْمَشْرُوطَ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الشَّيْءِ غَيْرُهُ وَكَذَا الِاسْتِبْدَالُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ وَرَضِيَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِالْأَرْدَأِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ جِنْسَ حَقِّهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْوَصْفُ فَإِنْ كَانَ أَجْوَدَ فَقَدْ قَضَى حَقَّهُ وَأَحْسَنَ فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ أَرْدَأَ فَقَدْ قَضَاهُ نَاقِصًا فَلَا يَكُونُ اسْتِبْدَالًا إلَّا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ الْأَرْدَأِ وَيُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ الْأَجْوَدِ لِأَنَّهُ فِي الْعَادَةِ لَا يُعَدُّ فَضْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ إحْسَانٌ فِي الْقَضَاءِ وَالْإِيفَاءِ.

وَأَمَّا الِاسْتِبْدَالُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ بِجِنْسِ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ لِكَوْنِهِ بَيْعَ الْمَنْقُولِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِنْ أَعْطَى أَجْوَدَ أَوْ أَرْدَأَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ رَأْسِ الْمَالِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَسْلَمَ فِي ثَوْبٍ وَسَطٍ وَجَاءَ بِالْجَيِّدِ فَقَالَ خُذْ هَذَا وَزِدْنِي دِرْهَمًا فَعَلَى وُجُوهٍ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ كَيْلِيٌّ أَوْ وَزْنِيٌّ أَوْ ذَرْعِيٌّ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ فَضْلٌ أَوْ نُقْصَانٌ وَذَلِكَ فِي الْقَدْرِ أَوْ فِي الصِّفَةِ فَإِنْ كَيْلِيًّا بِأَنْ أَسْلَمَ فِي عَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ فَجَاءَ بِأَحَدَ عَشَرَ فَقَالَ خُذْ هَذَا وَزِدْنِي دِرْهَمًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَعْلُومًا بِمَعْلُومٍ، وَلَوْ جَاءَ بِتِسْعَةٍ وَقَالَ خُذْهُ وَأَرُدُّ عَلَيْك دِرْهَمًا جَازَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إقَالَةُ الْبَعْضِ وَإِقَالَةُ الْكُلِّ تَجُوزُ فَكَذَا إقَالَةُ الْبَعْضِ، وَلَوْ جَاءَ بِالْأَجْوَدِ أَوْ الْأَرْدَأِ وَقَالَ خُذْ وَاعْطِ دِرْهَمًا أَوْ أَرُدُّ عَلَيْك دِرْهَمًا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِلثَّانِي وَفِي الثَّوْبِ إنْ بَاعَ بِذِرَاعٍ أَزْيَدَ وَقَالَ زِدْنِي دِرْهَمًا جَازَ لِأَنَّهُ بَيْعُ ذِرَاعٍ يَمْلِكُ تَسْلِيمَهُ بِدِرْهَمٍ فَانْدَفَعَ بَيْعُهُ مُفْرَدًا، وَكَذَا لَوْ زَادَ فِي الْوَصْفِ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ وَإِنْ جَاءَ بِأَنْقَصَ ذِرَاعًا وَرَدَّ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إقَالَةٌ فِيمَا لَا يَعْلَمُ حِصَّتَهُ لِكَوْنِ الذِّرَاعِ وَصْفًا مَجْهُولَ الْحِصَّةِ، وَلَوْ جَاءَ بِأَنْقَصَ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ بِأَزْيَدَ وَصْفًا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إقَالَةٌ فِيمَا لَا يُعْلَمُ وَهَذَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ لِكُلِّ ذِرَاعٍ حِصَّةً، أَمَّا إذَا بَيَّنَ جَازَ فِي الْكُلِّ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ بَعْدَهُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَمُرَابَحَةً وَوَضِيعَةً وَشَرِكَةً جَائِزٌ، كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَفِي الْقُنْيَةِ أَسْلَمَ دِينَارًا فِي مِائَتَيْ مَنٍّ مِنْ الزَّبِيبِ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ وَعَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ بَاعَ رَبُّ السَّلَمِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ مِائَةَ مَنٍّ مِنْ ذَلِكَ الزَّبِيبِ الَّذِي عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِدِينَارٍ وَقَبَضَ الدِّينَارَ وَلَا يَنْفَسِخُ السَّلَمُ فِي حِصَّةِ الدِّينَارِ. اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّصَرُّفَ الْمَنْفِيَّ فِي الْكِتَابِ شَامِلٌ لِلْبَيْعِ وَالِاسْتِبْدَالِ وَالْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ إلَّا أَنَّ فِي الْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ يَكُونُ مَجَازًا عَنْ الْإِقَالَةِ فَيَرُدُّ رَأْسَ الْمَالِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَلَا يَشْمَلُ الْإِقَالَةَ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ وَلَا التَّصَرُّفُ فِي الْوَصْفِ مِنْ دَفْعِ الْجَيِّد مَكَانَ الرَّدِيءِ وَالْعَكْسُ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ تَقَايَلَا السَّلَمَ لَمْ يَشْتَرِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ شَيْئًا بِرَأْسِ الْمَالِ) يَعْنِي قَبْلَ قَبْضِهِ بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك أَوْ رَأْسَ مَالِك» أَيْ سَلَمَك حَالَ قِيَامِ الْعَقْدِ أَوْ رَأْسَ مَالِكِ حَالَ انْفِسَاخِهِ فَامْتَنَعَ الِاسْتِبْدَالُ فَصَارَ رَأْسُ الْمَالِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ بِمَنْزِلَةِ السَّلَمِ فِيهِ قَبْلَهُ فَيَأْخُذُ حُكْمَهُ مِنْ حُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ بِغَيْرِهِ فَحُكْمُ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَهَا كَحُكْمِهِ قَبْلَهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبْضُهُ فِي مَجْلِسِهَا كَمَا كَانَ يَجِبُ قَبْلَهَا لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ بَيْعًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِهَذَا

ــ

[منحة الخالق]

الْبَدَائِعِ قَالَ: لَا يَجُوزُ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ لِأَنَّهُ عَيْنٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ انْدَفَعَ الْإِشْكَالُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَالتَّجْنِيسِ وَلَا يَخْفَى عَدَمُ انْدِفَاعِهِ تَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>