لُغَةً مِنْ النَّشَقِ: وَهُوَ جَذْبُ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ بِرِيحِ الْأَنْفِ إلَى دَاخِلِهِ وَاصْطِلَاحًا: إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَارِنِ الْأَنْفِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمَارِنُ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ وَالْمُبَالَغَةُ سُنَّةٌ فِيهِمَا أَيْضًا كَذَا فِي الْوَافِي لِحَدِيثِ أَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ «بَالِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» ، وَهِيَ فِي الْمَضْمَضَةِ بِالْغَرْغَرَةِ وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ بِالِاسْتِنْثَارِ كَذَا فِي الْكَافِي وَالِاسْتِنْثَارُ دَفْعُ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْأَنْفِ وَقَدْ وَافَقَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى الْأَوَّلِ وَقَالَ فِي الثَّانِي: كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ إلَى مَا اشْتَدَّ مِنْ الْأَنْفِ
وَفِي الْخُلَاصَةِ هِيَ فِي الْمَضْمَضَةِ أَنْ يَصِلَ إلَى رَأْسِ الْحَلْقِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: هِيَ فِي الْمَضْمَضَةِ أَنْ يُدِيرَ الْمَاءَ فِي فِيهِ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ وَالْأَوْلَى مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَوْ تَمَضْمَضَ وَابْتَلَعَ الْمَاءَ وَلَمْ يَمُجَّهُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْمَجَّ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهَا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُلْقِيَهُ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا أَخَذَ الْمَاءَ بِكَفِّهِ فَمَضْمَضَ بِبَعْضِهِ وَاسْتَنْشَقَ بِالْبَاقِي جَازَ وَبِخِلَافِ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ رَفَعَ الْمَاءَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ لِلْمَضْمَضَةِ جَازَ وَلِلِاسْتِنْشَاقِ لَا يَجُوزُ لِصَيْرُورَةِ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ نَفْيَ الْجَوَازِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِمَعْنَى نَفْيِ الْإِجْزَاءِ فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ لَا بِمَعْنَى الْحُرْمَةِ لِمَا أَنَّ أَصْلَهُمَا سُنَّةٌ أَوْ تُحْمَلُ عَلَى الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي الْغُسْلِ الْوَاجِبِ وَقَالُوا الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَّتَانِ مُشْتَمِلَتَانِ عَلَى سُنَنٍ مِنْهَا تَقْدِيمُ الْمَضْمَضَةِ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ بِالْإِجْمَاعِ وَمِنْهَا التَّثْلِيثُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ بِالْإِجْمَاعِ وَأَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ فِي التَّثْلِيثِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَأَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَهُمَا مَاءٌ وَاحِدٌ وَإِزَالَةُ الْمُخَاطِ بِالْيَدِ الْيُسْرَى كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَالْمَبْسُوطِ وَفِعْلُهُمَا بِالْيَمِينِ سُنَّةٌ وَفِي الْمُنْيَةِ أَنَّهُ يَسْتَنْشِقُ بِالْيُسْرَى وَفِي الْمِعْرَاجِ تَرْكُ التَّكْرَارِ لَا يُكْرَهُ مَعَ الْإِمْكَانِ قَالَ أُسْتَاذُنَا يَتَبَيَّنُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ مَاءٌ يَكْفِي لِلْغَسْلِ مَرَّةً مَعَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَوْ ثَلَاثًا بِدُونِهِمَا يَغْسِلُ مَرَّةً مَعَهُمَا وَفِي السِّرَاجِ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ، فَإِنْ تَرَكَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ أَثِمَ عَلَى الصَّحِيحِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِثْمَ مَنُوطٌ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ مِمَّا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ وَدَلِيلُ سُنِّيَّتِهِمَا الْمُوَاظَبَةُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ يَعْنِي مَعَ التَّرْكِ أَحْيَانًا، وَإِلَّا كَانَتَا وَاجِبَتَيْنِ وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ لَا تُفِيدُ الْوُجُوبَ وَجَمِيعُ مَنْ حَكَى وُضُوءَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اثْنَانِ وَعِشْرُونَ صَحَابِيًّا كُلُّهُمْ ذَكَرُوهُمَا فِيهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي نُسْخَةٍ شَرَحَ عَلَيْهَا مِسْكِينٌ غَسَلَ فَمَه وَأَنْفَهُ بِمِيَاهٍ وَقَالَ قَوْلُهُ بِمِيَاهٍ مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ وَاَلَّذِي فِي الْوَافِي غَسَلَ فَمَه بِمِيَاهٍ وَأَنْفَهُ بِمِيَاهٍ، وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْكَنْزِ لِيَدُلَّ عَلَى تَجْدِيدِ الْمَاءِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ قَوْلِهِ «فَمَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا يَأْخُذُ لِكُلِّ مَرَّةٍ مَاءً جَدِيدًا» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَكَتَ فَكَانَ حُجَّةً وَمَا وَرَدَ مِمَّا ظَاهِرُهُ الْمُخَالَفَةُ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمُوَافَقَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَوْ تَمَضْمَضَ ثَلَاثًا مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَصِرْ آتِيًا بِالسُّنَّةِ وَذَكَرَ الصَّيْرَفِيُّ أَنَّهُ يَصِيرُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَكُونُ آتِيًا بِسُنَّةِ الْمَضْمَضَةِ لَا بِسُنَّةِ كَوْنِهَا ثَلَاثًا بِمِيَاهٍ فَالنَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ فِي الْقَوْلَيْنِ بِالِاعْتِبَارَيْنِ فَلَا اخْتِلَافَ (قَوْلُهُ: وَتَخْلِيلُ لِحْيَتِهِ وَأَصَابِعِهِ) أَمَّا تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ، وَهُوَ تَفْرِيقُ الشَّعْرِ مِنْ جِهَةِ الْأَسْفَلِ إلَى فَوْقَ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ فَسُنَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَيَّدَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ بِأَنْ يَكُونَ بِمَاءٍ مُتَقَاطِرٍ فِي تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ وَهَلْ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُف وَحْدَهُ أَوْ مَعَهُ مُحَمَّدٌ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَصَحَّحَ فِي خَيْرِ مَطْلُوبٍ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُسْتَحَبٌّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ) أَيْ بِأَنْ اسْتَنْشَقَ بِبَعْضِهِ وَتَمَضْمَضَ بِالْبَاقِي (قَوْلُهُ: قَالَ أُسْتَاذُنَا يَتَبَيَّنُ مِنْ هَذَا إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمِعْرَاجِ ثُمَّ إنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ مِنْ هَذَا لَا يَظْهَرُ رُجُوعُهَا إلَى قَوْلِهِ تَرْكُ التَّكْرَارِ لَا يُكْرَهُ أَيْ تَكْرَارُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ كَمَا لَا يَخْفَى بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى كَوْنِهِمَا سُنَّتَيْنِ مُؤَكَّدَتَيْنِ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِمَا وَعِبَارَةُ الْمِعْرَاجِ نَصُّهَا هَكَذَا، وَفِي الشِّفَاءِ الْمُضَمْضِمَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ مَنْ تَرَكَهُمَا يَأْثَمُ وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ تَرْكُ التَّكْرَارِ لَا يُكْرَهُ مَعَ الْإِمْكَانِ قَالَ أُسْتَاذُنَا: يَتَبَيَّنُ مِنْ هَذَا إلَخْ (قَوْلُهُ: يَغْسِلُ مَرَّةً مَعَهُمَا) أَيْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَدَ عَنْهُ تَرْكُ التَّثْلِيثِ حَيْثُ غَسَلَ مَرَّةً مَرَّةً وَقَالَ «هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهَ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُ تَرْكُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَكَتَ عَنْهُ) قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ الْمُسَمَّى بِالتَّقْرِيبِ وَمِنْ مَظَانِّهِ أَيْ الْحَسَنِ سُنَنُ أَبِي دَاوُد فَقَدْ جَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ يَذْكُرُ فِيهِ الصَّحِيحَ وَمَا يُشْبِهُهُ وَيُقَارِبُهُ وَمَا كَانَ فِيهِ وَهَنٌ شَدِيدٌ بَيَّنَهُ وَمَا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا فَهُوَ صَالِحٌ فَعَلَى هَذَا مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِهِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُصَحِّحْهُ غَيْرُهُ مِنْ الْمُعْتَمَدِينَ وَلَا ضَعَّفَهُ فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُد اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا بِسُنَّةٍ كَوْنُهَا ثَلَاثًا بِمِيَاهٍ) النَّفْيُ بِاعْتِبَارِ الْقَيْدِ الْأَخِيرِ أَيْ يَكُونُ آتِيًا بِسُنَّةِ الْمَضْمَضَةِ وَبِسُنَّةِ التَّثْلِيثِ أَيْضًا دُونَ سُنَّةِ تَجْدِيدِ الْمَاءِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ سَيَأْتِي) فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ (قَوْلُهُ: وَهَلْ هُوَ) أَيْ الْقَوْلُ بِالسُّنِّيَّةِ الَّذِي هُوَ الْأَصَحُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute