للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ فَإِنَّهُ قَائِلٌ بِاسْتِوَاءِ الْآيَةِ وَمَا دُونَهَا فِي الْمَنْعِ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِقَصْدِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَا دُونَ الْآيَةِ صَادِقٌ عَلَى الْكَلِمَةِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى التَّعْلِيمِ دُونَ قَصْدِ الْقُرْآنِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْكَلِمَةِ ثُمَّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ التَّقْيِيدُ بِالْحَائِضِ الْمُعَلِّمَةِ مُعَلَّلًا بِالضَّرُورَةِ مَعَ امْتِدَادِ الْحَيْضِ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْجَوَازِ لِلْجُنُبِ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي تَعْلِيمِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إنْ كَانَ يُلَقِّنُ كَلِمَةً كَلِمَةً وَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ أَنْ يَقْرَأَ آيَةً تَامَّةً. اهـ. وَالْأَوْلَى وَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ كَمَا لَا يَخْفَى.

(قَوْلُهُ: وَمَسُّهُ إلَّا بِغِلَافِهِ) أَيْ تُمْنَعُ الْحَائِضُ مَسَّ الْقُرْآنِ لِمَا رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ «حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ لَمَّا بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْيَمَنِ قَالَ لَا تَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا وَأَنْتَ طَاهِرٌ» وَاسْتَدَلُّوا لَهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: ٧٩] فَظَاهِرُ مَا فِي الْكَشَّافِ صِحَّةُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ هُنَا إنْ جَعَلْت الْجُمْلَةَ صِفَةً لِلْقُرْآنِ، وَلَفْظُهُ: فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ مَصُونٍ عَنْ غَيْرِ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ مَنْ سِوَاهُمْ وَهُمْ الْمُطَهَّرُونَ مِنْ جَمِيعِ الْأَدْنَاسِ أَدْنَاسِ الذُّنُوبِ وَمَا سِوَاهَا إنْ جَعَلْت الْجُمْلَةَ صِفَةً لِكِتَابٍ مَكْنُونٍ وَهُوَ اللَّوْحُ، وَإِنْ جَعَلْتهَا صِفَةً لِلْقُرْآنِ فَالْمَعْنَى لَا يَنْبَغِي أَنْ يَمَسَّهُ إلَّا مَنْ هُوَ عَلَى الطَّهَارَةِ مِنْ النَّاسِ يَعْنِي مَسَّ الْمَكْتُوبِ مِنْهُ. اهـ.

لَكِنْ الْإِمَامُ الطِّيبِيِّ فِي حَاشِيَتِهِ ذَكَرَ صِحَّةَ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا فَقَالَ فَالْمَعْنَى عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ كَرَمِهِ أَنَّهُ أَثْبَتَهُ عِنْدَهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَعَظَّمَ شَأْنَهُ بِأَنْ حَكَمَ بِأَنَّهُ لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَصَانَهُ عَنْ غَيْرِ الْمُقَرَّبِينَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ عِنْدَ النَّاسِ كَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ مُشْعِرٌ بِالْعَلِيَّةِ؛ لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ لِتَعْظِيمِ شَأْنِ الْقُرْآنِ وَعَنْ الدَّارِمِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْقُرْآنُ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ» . اهـ.

وَذَكَرَ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي إخْبَارٌ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً} [النور: ٣] . اهـ.

وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِمَسِّ الْقُرْآنِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ غَيْرِهِ بِمَسِّ الْمُصْحَفِ لِشُمُولِ كَلَامِهِ مَا إذَا مَسَّ لَوْحًا مَكْتُوبًا عَلَيْهِ آيَةٌ، وَكَذَا الدِّرْهَمُ وَالْحَائِطُ وَتَقْيِيدُهُ بِالسُّورَةِ فِي الْهِدَايَةِ اتِّفَاقِيٌّ بَلْ الْمُرَادُ الْآيَةُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ كُلِّهِ الْمَكْتُوبِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ إلَّا مَسُّ الْمَكْتُوبِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعَ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ اخْتِلَافًا فَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْمُعْتَبَرُ حَقِيقَةُ الْمَكْتُوبِ حَتَّى إنْ مَسَّ الْجِلْدَ وَمَسَّ مَوَاضِعَ الْبَيَاضِ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمَسَّ الْقُرْآنَ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ وَالْمَنْعُ أَقْرَبُ إلَى التَّعْظِيمِ اهـ.

وَفِي تَفْسِيرِ الْغِلَافِ اخْتِلَافٌ فَقِيلَ الْجِلْدُ الْمُشَرَّزُ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مُصْحَفٌ مُشَرَّزٌ أَجْزَاؤُهُ مَشْدُودٌ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ مِنْ الشِّيرَازِةِ وَلَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ وَفِي الْكَافِي وَالْغِلَافُ الْجِلْدُ الَّذِي عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ هُوَ الْمُنْفَصِلُ كَالْخَرِيطَةِ وَنَحْوِهَا وَالْمُتَّصِلُ بِالْمُصْحَفِ مِنْهُ حَتَّى يَدْخُلَ فِي بَيْعِهِ بِلَا ذِكْرٍ. اهـ.

وَصَحَّحَ هَذَا الْقَوْلَ فِي الْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَزَادَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ

ــ

[منحة الخالق]

شَرْحِ الْمُنْيَةِ حَيْثُ حَمَلَ قَوْلَهَا وَلَا يُكْرَهُ التَّهَجِّي لِلْجُنُبِ بِالْقُرْآنِ وَالتَّعَلُّمُ لِلصِّبْيَانِ حَرْفًا حَرْفًا أَيْ كَلِمَةً كَلِمَةً مَعَ الْقَطْعِ بَيْنَ كُلِّ كَلِمَتَيْنِ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَعَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ لَا يُكْرَهُ إذَا عَلَّمَ نِصْفَ آيَةٍ مَعَ الْقَطْعِ بَيْنَهُمَا وَقَالَ قَبْلَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ تُقَيَّدَ الْآيَةُ بِالْقَصِيرَةِ الَّتِي لَيْسَ مَا دُونَهَا مِقْدَارَ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ فَإِنَّهُ إذَا قَرَأَ مِقْدَارَ سُورَةِ الْكَوْثَرِ يُعَدُّ قَارِئًا وَإِنْ كَانَ دُونَ آيَةٍ حَتَّى جَازَتْ بِهِ الصَّلَاةُ. اهـ.

وَفِي السِّرَاجِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ إذَا كَانَتْ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ مُعَلِّمَةً جَازَ لَهَا أَنْ تُلَقِّنَ الصِّبْيَانَ كَلِمَةً كَلِمَةً وَتَقْطَعَ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَعَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ تُعَلِّمُهُمْ نِصْفَ آيَةٍ نِصْفَ آيَةٍ وَلَا تُلَقِّنُهُمْ آيَةً تَامَّةً. (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى وَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي اشْتِرَاطِ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ عَدَمَ قَصْدِ الْقِرَاءَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْقِرَاءَةَ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْكَلِمَةِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْقُرْآنَ يَخْرُجُ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ بِالْقَصْدِ وَلَمْ يُذْكَرْ هَذَا الشَّرْطُ فِي النِّهَايَةِ وَالسَّرَّاجِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمَسُّهُ إلَّا بِغِلَافِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِهِمْ حُكْمَ مَسِّ بَاقِي الْكُتُبِ كَالتَّوْرَاةِ وَنَحْوِهَا فَظَاهِرُ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْآيَةِ اخْتِصَاصُ الْمَنْعِ بِالْقُرْآنِ. اهـ.

وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ وَهَلْ يَجُوزُ فِي الْمَنْسُوخِ أَنْ يَمَسَّهُ الْمُحْدِثُ أَوْ يَتْلُوهُ الْجُنُبُ فِيهِ تَرَدُّدٌ وَالْأَشْبَهُ جَوَازُهُ فِيمَا نُسِخَ تِلَاوَتُهُ وَأُقِرَّ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ إجْمَاعًا كَمَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْأُصُولِ لِابْنِ الْحَاجِبِ لِلْعَضُدِ وَإِذَا كَانَ هَذَا فِيمَا أُقِرَّ حُكْمُهُ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى الْجَوَازُ فِيمَا نُسِخَ تِلَاوَتُهُ وَحُكْمُهُ. اهـ.

أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى عَلَيْك بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْحَلَبِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ تِلَاوَةِ الْمَنْسُوخِ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْلَى ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَالَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْعَلَّامَةَ الْعَضُدَ شَافِعِيٌّ فَلَا يَصْلُحُ مَا قَالَهُ دَلِيلًا لِمَذْهَبِنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا نُسِخَ تِلَاوَتُهُ وَحُكْمُهُ كَالتَّوْرَاةِ وَنَحْوِهَا فَتِلَاوَتُهُ لِلْجُنُبِ وَمَنْ بِمَعْنَاهُ مَكْرُوهَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْحَلَبِيُّ؛ لِأَنَّ مَا بُدِّلَ مِنْهُ بَعْضٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَكَوْنُهُ مَنْسُوخًا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى كَالْآيَاتِ الْمَنْسُوخَةِ مِنْ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا مَسُّهُ فَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>