الْمُلْتَزِمُ وَالْمَكْفُولُ بِهِ وَهُوَ الدَّيْنُ وَيُقَالُ لِلْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ مَكْفُولٌ بِهِ وَلَا يُقَالُ مَكْفُولٌ عَنْهُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ بِالنَّفْسِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ) أَيْ الْكَفَالَةُ بِأَنْ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا ثُمَّ كَفِيلًا ثُمَّ آخَرُ وَجَازَ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى النَّفْسِ بِأَنْ كَفَلَ وَاحِدٌ نُفُوسًا كَمَا يَجُوزُ بِالدُّيُونِ الْكَثِيرَةِ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَلَا يُقَالُ لَا غُرْمَ فِي كَفَالَةِ النَّفْسِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْغُرْمُ لُزُومُ ضَرَرٍ عَلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: ٦٥] وَيُمْكِنُهُ الْعَمَلُ بِمُوجَبِهَا بِأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَكْفُولِ أَوْ يُرَافِقَهُ إذَا دَعَاهُ أَوْ يُكْرِهَهُ بِالْحُضُورِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ اسْتَعَانَ بِأَعْوَانِ الْقَاضِي وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصِيلِ وَهُوَ حُضُورُهُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَسَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا تَعَدَّدَ الْكَفِيلُ فَسَلَّمَ الْبَعْضُ هَلْ يَبْرَأُ الْبَاقِي فَإِنْ قُلْتُ: هَلْ يُجْبَرُ أَحَدٌ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ قُلْتُ: يُجْبَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْرُوفًا أَوْ لَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا إذَا كَانَ غَرِيبًا وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَفِي الْقُنْيَةِ لَيْسَ لِلْمُدَّعِي وَلَا لِلْقَاضِي طَلَبُ الْكَفِيلِ بِقَوْلِهِ لِي عَلَيْهِ دَعْوَى قَبْلَ بَيَانِ الدَّعْوَى، وَإِذَا طَلَبَ الْقَاضِي مِنْهُ كَفِيلًا وَامْتَنَعَ لَا يَحْبِسُهُ الْقَاضِي وَإِنَّمَا يَأْمُرُهُ بِالْمُلَازَمَةِ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا قَرُبَ الْحَوْلُ وَأَرَادَ الْمَدْيُونُ السَّفَرَ لَا يَجِبُ إعْطَاءُ الْكَفِيلِ وَفِي الصُّغْرَى لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْكَفِيلِ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْمُؤَجَّلِ، وَقَالَ الثَّانِي لَوْ قِيلَ لَهُ طَلَبُ الْكَفِيلِ قِيَاسًا عَلَى نَفَقَةِ شَهْرٍ لَا يَبْعُدُ.
وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ رَبُّ الدَّيْنِ مَدْيُونِي يُرِيدُ السَّفَرَ لَهُ التَّكْفِيلُ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَتْ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَغِيبَ فَخُذْ بِالنَّفَقَةِ كَفِيلًا لَا يُجِيبُهَا الْحَاكِمُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بَعْدُ وَاسْتَحْسَنَ الْإِمَامُ الثَّانِي أَخْذَ الْكَفِيلِ رِفْقًا بِهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ كَفَلَ بِمَا ذَابَ لَهَا عَلَيْهِ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَفْتَى يَقُولُ الثَّانِي فِي سَائِرِ الدُّيُونِ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ كَانَ حَسَنًا رِفْقًا بِالنَّاسِ وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَهَذَا تَرْجِيحٌ مِنْ صَاحِبِ الْمُحِيطِ. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ إنْ عُرِفَ الْمَدْيُونُ بِالْمَطْلِ وَالتَّسْوِيفِ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ وَإِلَّا فَلَا، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ تَعَدُّدِهَا أَنْ يَكُونَ لِلْكَفِيلِ كَفِيلٌ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ إذَا أَعْطَى الطَّالِبَ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ فَمَاتَ الْأَصِيلُ بَرِئَ الْكَفِيلَانِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ بَرِئَ الْكَفِيلُ الثَّانِي. اهـ.
وَأَشَارَ بِجَوَازِ تَعَدُّدِهَا إلَى أَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ إذَا أَخَذَ مِنْ الْأَصِيلِ كَفِيلًا آخَرَ بَعْدَ الْأَوَّلِ لَمْ يَبْرَأْ الْأَوَّلُ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ فَلِقَوْلِهِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ.
قَوْلُهُ (بِكَفَلْتُ بِنَفْسِهِ وَبِمَا عَبَّرَ عَنْ الْبَدَنِ وَيُجْزِئُ شَائِعٌ) أَيْ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ بِقَوْلِهِ كَفَلْت بِنَفْسِ فُلَانٍ أَوْ بِرَأْسِهِ أَوْ وَجْهِهِ وَرَقَبَتِهِ وَعُنُقِهِ وَكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ أَوْ بِثُلُثِهِ أَوْ رُبْعِهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ وَقَدْ ذَكَرُوا صِحَّةَ الْكَفَالَةِ بِالرُّوحِ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ فِي الطَّلَاقِ وَيَنْبَغِي الْوُقُوعُ بِهِ وَذَكَرُوا فِي الطَّلَاقِ الْفَرْجَ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ هُنَا، وَيَنْبَغِي صِحَّةُ الْكَفَالَةِ بِهِ إذَا كَانَتْ امْرَأَةً، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا إذَا كَفَلَ بِعَيْنِهِ قَالَ الْبَلْخِيّ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْبَدَنَ وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ كَالطَّلَاقِ إذَا تَعَيَّنَ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ يُقَالُ عَيْنُ الْقَوْمِ وَهُوَ عَيْنٌ فِي النَّاسِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي زَمَانِهِمْ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِيَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ وَيَتَأَتَّى فِي دَمِهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ جُزْءَ الْكَفِيلِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَوْ أَضَافَ الْجُزْءَ إلَيْهِ بِأَنْ قَالَ الْكَفِيلُ كَفَلَ لَك نِصْفِي أَوْ ثُلُثِي فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَكَرَهُ فِي الْكَرْخِيِّ فِي بَابِ الرَّهْنِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ. (قَوْلُهُ وَبِضَمِنْتُهُ) أَيْ تَصِحُّ بِقَوْلِهِ ضَمِنْت لَك فُلَانًا؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَاهَا
ــ
[منحة الخالق]
الْعِظَامِ وَالْكَفِيلَ فِي النُّفُوسِ وَالصَّبِيرَ فِي الْجَمِيعِ وَكَالضَّمِينِ فِيمَا قَالَهُ الضَّامِنُ وَكَالْكَفِيلِ الْكَافِلُ وَكَالصَّبِيرِ الْقَبِيلُ قَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالزَّعِيمُ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْحَمِيلُ لُغَةُ أَهْلِ مِصْرَ وَالْكَفِيلُ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا. (قَوْلُهُ: وَلَا يُقَالُ مَكْفُولٌ عَنْهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدْ وَجَدْنَا بَعْضَهُمْ يَقُولُهُ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِيمَا كَتَبْنَاهُ فِي الْحَاشِيَةِ نَقْلًا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة بِعَزْوِهِ لِلذَّخِيرَةِ.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِكَفَلْتُ بِنَفْسِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَفَلَ بِفَتْحِ الْفَاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَقَالَ فَإِنْ قُلْتُ: كَفَّلَ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: ٣٧] فَلِمَ عَدَّاهُ الْمُصَنِّفُ بِغَيْرِهِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ كَفَلَ بِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ قُلْتُ: ذَلِكَ بِمَعْنَى عَالَ وَمَا هُنَا بِمَعْنَى ضَمِنَ وَالْتَزَمَ وَاسْتِعْمَالُ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ لَهُ مُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ مُؤَوَّلٌ فَإِنَّ صَاحِبَ الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَغَيْرَهُمَا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute