رَجُلٍ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَبَرِئَ ثُمَّ إنَّ الطَّالِبَ لَزِمَ الْمَطْلُوبَ فَقَالَ لَهُ الْكَفِيلُ دَعْهُ وَأَنَا عَلَى كَفَالَتِي أَوْ عَلَى مِثْلِ كَفَالَتِي لَا شَكَّ أَنَّهُ كَفَالَةٌ مُبْتَدَأَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْكَفَالَةَ الْمُقَيَّدَةَ بِالْوَقْتِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَصِيرُ كَفِيلًا بَعْدَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفٍ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَصِيرُ مُطَالَبًا بِالثَّمَنِ بَعْدَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَصِيرُ كَفِيلًا فِي الْحَالِ، وَقَالَ فِي الطَّلَاقِ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ أَيْضًا، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَصِيرُ كَفِيلًا فِي الْحَالِ قَالَ وَذَكَرَ الْأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا لِتَأْخِيرِ الْكَفَالَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الْمَكْفُولُ بِهِ قَبْلَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ يُجْبَرُ الطَّالِبُ عَلَى الْقَبُولِ كَتَعْجِيلِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَمَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَرَادَ بِهِ أَنْ يَكُونَ كَفِيلًا مُطَالَبًا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرُهُ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَقَالُوا لَا يَصِيرُ كَفِيلًا لِلْحَالِ، فَإِذَا مَضَتْ قَبْلَ تَسْلِيمِ النَّفْسِ كَانَ كَفِيلًا أَبَدًا إلَى أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِذَا قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِ فُلَانٍ مِنْ الْيَوْمِ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ صَارَ كَفِيلًا فِي الْحَالِ، فَإِذَا مَضَتْ الْعَشَرَةُ خَرَجَ عَنْهَا، وَلَوْ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَإِذَا مَضَتْ الْعَشَرَةُ فَإِنِّي بَرِيءٌ قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ لَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ بِهَا لَا فِيهَا وَلَا بَعْدَهَا وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ كَفَلْت بِنَفْسِ فُلَانٍ شَهْرًا كَانَ كَفِيلًا أَبَدًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ شَهْرًا، وَلَوْ قَالَ: عَلَى نَفْسُهُ إلَى شَهْرٍ. عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ وَلَوْ قَالَ: نَفْسُهُ عَلَى إلَى شَهْرٍ. فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ قَالَ هَذَا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا كَفَلَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَانَ كَفِيلًا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ وَلَا يُطَالَبُ فِي الْحَالِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي السِّرَاجِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي الصُّغْرَى وَبِهِ يُفْتَى وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ كَفَلَ بِنَفْسِهِ إلَى شَهْرٍ عَلَى أَنَّهُ بَرِيءٌ إذَا مَضَى شَهْرٌ.
قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ كَفِيلًا وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ كَفِيلًا كَفَلَ إلَى شَهْرٍ طَالَبَهُ بَعْدَ شَهْرٍ وَيَبْطُلُ مَا قَالَهُ الْبَعْضُ أَنَّهُ كَفِيلٌ فِي الْحَالِ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ عِصَامٌ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى شَهْرٍ يَقَعُ بَعْدَ الْأَجَلِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْوُقُوعَ فِي الْحَالِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ كَفِيلًا فِي الْحَالِ وَبِهِ يُفْتَى، بِخِلَافِ أَمْرُ امْرَأَتِي بِيَدِهَا إلَى شَهْرٍ حَيْثُ يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا فِي الْحَالِ إلَى شَهْرٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ وَالْأَمْرُ يَحْتَمِلُهُ، وَكَذَا الْكَفَالَةُ تَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ وَلَا نَعْنِي بِقَوْلِهِ أَنَّهُ كَفِيلٌ بَعْدَ شَهْرٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَفِيلٍ لِلْحَالِ. أَلَا تَرَ أَنَّ الْكَفِيلَ لَوْ سَلَّمَ لِلْحَالِ يَجِبُ عَلَى الطَّالِبِ الْقَبُولُ وَلَوْ لَمْ يَصِرْ كَفِيلًا إلَّا بَعْدَ الشَّهْرِ لَمَا أُجْبِرَ فِي الْحَالِ لَكِنَّ ذِكْرَ الشَّهْرِ تَأْجِيلٌ لِلْكَفِيلِ حَتَّى لَا يُطَالِبَ لِلْحَالِ وَيُطَالِبَ بَعْدَ الْأَجَلِ اهـ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ شَرَطَ تَسْلِيمَهُ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ أَحْضَرَهُ فِيهِ إنْ طَلَبَهُ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالشَّرْطِ فِي الْكَفَالَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ إنْ طَلَبَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا حَلَّ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَحْضَرَهُ وَإِلَّا حَبَسَهُ الْحَاكِمُ) لِامْتِنَاعِهِ عَنْ إيفَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ لَا يَحْبِسُهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ حَتَّى يَظْهَرَ مَطْلُهُ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الظُّلْمِ وَهُوَ لَيْسَ بِظَالِمٍ قَبْلَ الْمَطْلِ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُفَصِّلَ كَمَا فَصَّلَ فِي الْحَبْسِ بِالدَّيْنِ مِنْ أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ الدَّيْنُ بِإِقْرَارِهِ لَمْ يُعَجِّلْ بِحَبْسِهِ وَإِلَّا عَجَّلَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى نَقْلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَقَرَّ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ أَوْ ثَبَتَتْ بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ قَالَ الْخَصَّافُ لَا يَحْبِسُهُ فِيهِمَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ، وَأَمَّا فِي الْبَيِّنَةِ يَحْبِسُهُ وَلَوْ أَوَّلَ مَرَّةٍ. اهـ.
وَهَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَصَرَّحَ فِيهَا بِأَنَّهُ كَالدِّينِ وَفِي النِّهَايَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ عَجْزُهُ فَإِنْ ظَهَرَ فَلَا مَعْنَى لِحَبْسِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَالُ بَيْنَهُمَا بَلْ يُلَازِمُهُ كَالْمَدْيُونِ، وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ لَوْ ادَّعَى الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَى وَكِيلِ الطَّالِبِ وَأَنْكَرَ الطَّالِبُ حَلَفَ عَلَى عِلْمِهِ لِأَنَّهُ اسْتِحْلَافٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى الْبَتَاتِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ ثَلَاثَةٌ كَفَلُوا رَجُلًا بِنَفْسِهِ كَفَالَةً وَاحِدَةً فَأَحْضَرَهُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَيَبْطُلُ مَا قَالَهُ الْبَعْضُ إلَخْ) أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ الْبَعْضُ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ لَا يَقْصِدُونَ غَيْرَهُ، وَقَدْ قَالُوا: إنَّ لَفْظَ عِنْدِي لِلضَّمَانِ لِلْعُرْفِ مَعَ أَنَّهُ لِلْأَمَانَةِ، وَقَالُوا أَيْضًا يُحْمَلُ كَلَامُ كُلِّ عَاقِدٍ وَحَالِفٍ وَوَاقِفٍ عَلَى عُرْفِهِ وَلُغَتِهِ وَإِنْ خَالَفَتْ لُغَةَ الْعَرَبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute