أَحَدُهُمْ بَرَءُوا جَمِيعًا وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ مُتَفَرِّقَةً لَمْ يَبْرَأْ الْبَاقُونَ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إذَا كَانَتْ وَاحِدَةً فَالْإِحْضَارُ الْمُسْتَحَقُّ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا سَلَّمَهُ وَاحِدٌ لَمْ يَبْقَ هُنَاكَ إحْضَارُ أَحَدٍ، وَأَمَّا إذَا تَفَرَّقَتْ فَكُلُّ عَقْدٍ أَوْجَبَ إحْضَارًا عَلَى حِدَةٍ فَإِحْضَارٌ وَاحِدٌ لَا يُسْقِطُ إحْضَارَ غَيْرِهِ وَلَوْ تَكَفَّلُوا بِمَالٍ كَفَالَةً وَاحِدَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً فَأَدَّى وَاحِدٌ جَمِيعَ الْمَالِ بَرِئَ الْبَاقُونَ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ بِهِ مَالٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا أَدَّاهُ وَاحِدٌ لَمْ يَبْقَ عَلَى غَيْرِهِ مَالٌ. اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ لِرَجُلَيْنِ فَسَلَّمَهُ إلَى أَحَدِهِمَا بَرِئَ لَهُ وَالْآخَرُ عَلَى حَقِّهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَيْسَ نَائِبَ الْآخَرِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ غَابَ أَمْهَلَهُ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ) يَعْنِي وَلَا يَحْبِسُهُ لِعَدَمِ ظُهُورِ مَطْلِهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَرَادَ الْكَفِيلُ السَّفَرَ إلَيْهِ فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ لِلْحَالِ مِنْ غَيْرِ إمْهَالٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ عُذْرٌ لَا يُؤَاخَذُ الْكَفِيلُ بِهِ وَالْإِيَابُ بِالْكَسْرِ الرُّجُوعُ مِنْ آبَ يَئُوبُ أَوْبًا وَأَوْبَةً وَإِيَابًا، كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِنَفْسٍ مَحْبُوسٍ أَوْ غَائِبٍ صَحَّ، كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ غَابَ أَيْ وَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الْكَفِيلَ غَائِبٌ بِبَلَدٍ آخَرَ بِعِلْمِ الْقَاضِي أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا الْكَفِيلُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَسَافَةَ الْقَرِيبَةَ وَالْبَعِيدَةَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يَحْضُرْهُ حَبَسَهُ) ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ مَطْلُهُ إلَى أَنْ يُظْهِرَ لِلْقَاضِي تَعَذُّرُ إحْضَارِهِ بِشُهُودٍ أَوْ بِدَلَالَةِ الْحَالِ فَيُطْلِقُهُ كَالْمَدْيُونِ الْمُفْلِسِ وَيَنْظُرُهُ إلَى وَقْتِ قُدُومِهِ وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّالِبِ فَيُلَازِمُهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ أَشْغَالِهِ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَإِنْ أَضَرَّتْهُ مُلَازَمَتُهُ اسْتَوْثَقَ مِنْهُ بِكَفِيلٍ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. قَوْلُهُ (فَإِنْ غَابَ وَلَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ لَا يُطَالِبُ بِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ أَنَّهُ غَائِبٌ لَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ إمَّا بِتَصْدِيقِ الطَّالِبِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّارِحُ أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا الْكَفِيلُ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ عَنْ عَلِيٍّ السُّغْدِيِّ إذَا غَابَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَلِلدَّائِنِ أَنْ يُلَازِمَ الْكَفِيلَ حَتَّى يُحْضِرَهُ وَالْحِيلَةُ فِي دَفْعِهِ أَنْ يَدَّعِيَ الْكَفِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ خَصْمَك غَائِبٌ غَيْبَةً لَا تُدْرَى فَبَيِّنْ لِي مَوْضِعَهُ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ تَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ. اهـ.
وَفِي مُلَازَمَةِ الطَّالِبِ الْكَفِيلَ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ إحْضَارِ الْأَصِيلِ اخْتِلَافٌ ذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ يُلَازِمُهُ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يُلَازِمُهُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنْ اخْتَلَفَا وَلَا بَيِّنَةَ فَقَالَ الْكَفِيلُ لَا أَعْرِفُ مَكَانَهُ، وَقَالَ الطَّالِبُ تَعْرِفُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ خُرْجَةٌ مَعْلُومَةٌ لِلتِّجَارَةِ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ وَيُؤْمَرُ الْكَفِيلُ بِالذَّهَابِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِلْكَفِيلِ لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْجَهْلُ وَقَوْلُهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُبَرْهِنْ الطَّالِبُ عَلَى أَنَّهُ بِمَوْضِعِ كَذَا فَإِنْ بَرْهَنَ أَمَرَ الْكَفِيلَ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ وَإِحْضَارِهِ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ مَكَانَهُ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ يُؤَجَّلُ الْكَفِيلُ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ وَلَا تَبْطُلُ بِاللِّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَوْتًا حُكْمًا لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَالِهِ وَإِلَّا فَهُوَ حَيٌّ مُطَالَبٌ بِالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ هَكَذَا أَطْلَقَهُ فِي النِّهَايَةِ وَقَيَّدَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِمَا إذَا كَانَ الْكَفِيلُ قَادِرًا عَلَى رَدِّهِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مُوَاعَدَةٌ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَ إلَيْنَا الْمُرْتَدَّ وَإِلَّا لَا يُؤَاخَذُ بِهِ. اهـ.
وَهُوَ تَقْيِيدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ قُلْنَا: إنَّهُ يُؤْمَرُ بِالذَّهَابِ إلَيْهِ لِلطَّالِبِ أَنْ يَسْتَوْثِقَ بِكَفِيلٍ مِنْ الْكَفِيلِ حَتَّى لَا يَغِيبَ الْآخَرُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ إذَا مَنَعَ الْمَكْفُولَ بِهِ عَنْ السَّفَرِ إنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ حَالَّةً كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْ عُهْدَةِ الْكَفَالَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ مُؤَجَّلَةً لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ. اهـ.
ظَاهِرُهُ أَنَّ لِلْكَفِيلِ مُلَازَمَةَ الْأَصِيلِ إذَا كَانَتْ حَالَّةً وَإِنْ لَمْ يُلَازِمْهُ الطَّالِبُ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ سَلَّمَهُ بِحَيْثُ يَقْدِرُ الْمَكْفُولُ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ كَمِصْرٍ بَرِئَ) لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا الْتَزَمَهُ إذْ لَمْ يَلْتَزِمْ تَسْلِيمُهُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَحَصَلَ مَقْصُودُ الطَّالِبِ فَلَمْ تَبْقَ الْكَفَالَةُ كَمَا لَوْ تَكَفَّلَ بِمَالٍ فَقَضَاهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ لِلتَّسْلِيمِ وَقْتٌ فَسَلَّمَهُ قَبْلَهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْكَفِيلِ فَلَهُ إسْقَاطُهُ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ إذَا قَضَاهُ الْمَدْيُونُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الْكَفِيلَ) صَوَابُهُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِلْكَفِيلِ إلَخْ) هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ أَنَّهُ غَائِبٌ لَمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَكْفِي قَوْلُ الْكَفِيلِ لَا أَعْرِفُ مَكَانَهُ تَأَمَّلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute