النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا تَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ، وَلِذَا لَمْ يَنْسِبْ الْعَيْنِيُّ السَّهْوَ إلَى الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا نَسَبَهُ إلَى الْهِدَايَةِ فَعَلَى هَذَا الْأَنْسَبُ أَنْ يُقْرَأُ وَلَا تَصِحُّ بِالتَّاءِ أَيْ الْكَفَالَةُ لَا بِالْيَاءِ لِيَكُونَ لِلتَّعْلِيقِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُخْطِئٌ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْهِدَايَةِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ هَكَذَا فَأَمَّا مَا لَا يَصِحُّ بِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ وَكَذَا إذَا جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَجَلًا إلَّا أَنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَمَّا صَحَّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ لَمْ تَبْطُلْ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. اهـ.
لِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ إنَّمَا يَعُودُ إلَى الْأَجَلِ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ لَا إلَى التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ وَقَوْلُهُ لَمَّا صَحَّ تَعْلِيقُهَا مَعْنَاهُ لَمَّا صَحَّ تَأْجِيلُهَا بِأَجَلٍ مُتَعَارَفٍ مَجَازًا وَمُجَوَّزُهُ عَدَمُ الثُّبُوتِ فِي الْحَالِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا صَحَّتْ مَعَ الْأَجَلِ الْغَيْرِ الْمُتَعَارَفِ وَلَمْ تَصِحَّ مَعَ التَّعْلِيقِ بِغَيْرِ الْمُتَعَارَفِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يُخْرِجُ الْعِلَّةَ عَنْ الْعِلِّيَّةِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَالْأَجَلُ عَارِضٌ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءَ مَعْرُوضِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ الْغَيْرَ الْمُلَائِمِ لَا تَصِحُّ مَعَهُ الْكَفَالَةُ أَصْلًا وَمَعَ الْأَجَلِ الْغَيْرِ الْمُلَائِمِ تَصِحُّ حَالًّا وَيَبْطُلُ الْأَجَلُ لَكِنَّ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ هَذَا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَمَّا صَحَّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ يَقْتَضِي أَنَّ فِي التَّعْلِيقِ بِغَيْرِ الْمُلَائِمِ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ حَالَّةً وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّ الْكَفَالَةَ بَاطِلَةٌ فَتَصْحِيحُهُ أَنْ يُحْمَلَ لَفْظُ تَعْلِيقِهَا عَلَى مَعْنَى تَأْجِيلِهَا بِجَامِعِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهَا عَدَمَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْحَالِّ وَقَلَّدَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الِاسْتِعْمَالِ لَفْظَ الْمَبْسُوطِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ التَّعْلِيقَ وَأَرَادَ التَّأْجِيلَ هَذَا وَظَاهِرُ شَرْحِ الْأَتْقَانِيِّ الْمَشْيُ عَلَى
ــ
[منحة الخالق]
الْهِدَايَةِ أَصْلًا وَالْعَجَبُ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ أَوْرَدَ الِاعْتِرَاضَ عَلَى النُّسْخَةِ الْأُولَى اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي فَشَرَحَ كَلَامَهُ بِكَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِمَرَامِهِ فَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ أَنْ تَكُونَ إنْ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ جَعَلَا أَجَلًا وَصْلِيَّةً لَا شَرْطِيَّةً لِيُطَابِقَ الشَّرْحُ الْمَشْرُوحَ.
وَالْعَجَبُ مَا فِي النَّهْرِ حَيْثُ شَرَحَ عَلَى مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، وَقَالَ هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الزَّيْلَعِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ أَنَّ التَّعْلِيلَ ظَاهِرٌ فِيمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ ذَكَرَ تَأْوِيلَهُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الْحَمْلُ مُمْكِنٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَّا أَنَّ عَدَمَ ذِكْرِ التَّأْجِيلِ فِي كَلَامِهِ يُبْعِدُهُ بِخِلَافِهِ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ، وَإِذَا تَحَقَّقْت هَذَا عَلِمْت أَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ سَهْوٌ مِمَّا لَا تَحْرِيرَ فِيهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ اعْتِرَاضَ الشَّارِحِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي نُسْخَتِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَكَلَامُ الْهِدَايَةِ ظَاهِرٌ فِيمَا فَهِمَهُ كَمَا عَلِمْت وَالتَّأْوِيلُ خِلَافُ الْأَصْلِ فَكَيْفَ يُنْسَبُ إلَى السَّهْوِ مَا هَذَا إلَّا كَبِيرُ سَهْوٍ نَعَمْ الثَّابِتُ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَلَا يَصِحُّ بِنَحْوِ إنْ هَبَّتْ الرِّيحُ أَوْ جَاءَ الْمَطَرُ وَإِنْ جَعَلَا أَجَلًا فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَيَجِبُ الْمَالُ حَالًّا أَيْ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرْطٍ غَيْرِ مُلَائِمٍ وَيُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ جَعَلَا أَجَلًا فَتَصِحُّ أَنَّهَا فِي التَّعْلِيقِ لَا تَصِحُّ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ وَحِينَئِذٍ فَكَوْنُ الْأَنْسَبِ أَنْ تُقْرَأَ بِالْفَوْقِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّعْلِيقِ عُدُولٌ عَنْ الظَّاهِرِ بِمَا لَا دَاعِيَ إلَيْهِ. اهـ.
فَانْظُرْ هَلْ فِي هَذَا شَيْءٌ مِنْ التَّحْرِيرِ سِوَى الْكَلَامِ الْأَخِيرِ هَذَا وَذُكِرَ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّوْجِيهِ لِكَلَامِ الْهِدَايَةِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ ثُمَّ قَالَ فَالظَّاهِرُ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَمَا ذُكِرَ فِي الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ مُوَافِقٌ لِلرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْهِدَايَةِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُمْ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ تُشْبِهُ النَّذْرَ ابْتِدَاءً بِاعْتِبَارِ الِالْتِزَامِ وَتُشْبِهُ الْبَيْعَ بِاعْتِبَارِ الْمُعَاوَضَةِ انْتِهَاءً إذْ الْكَفِيلُ يَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ فَقُلْنَا لَا يَصِحُّ بِمُطْلَقِ الشَّرْطِ كَهُبُوبِ الرِّيحِ وَنَحْوِهِ وَيَصِحُّ بِشَرْطٍ مُلَائِمٍ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ يَقْتَضِي صِحَّةَ الرِّوَايَةِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَأَيْضًا الْكَفِيلُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْكَفَالَةَ إلَّا مُعَلَّقَةً فَلَوْ جَعَلَ كَفِيلًا فِي الْحَالِ يَلْزَمُ أَنْ يُكَلَّفَ بِمَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُتَبَرِّعَ لَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ. اهـ.
مُلَخَّصًا وَيَأْتِي بَعْدَهُ عَنْ الرَّمْلِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ وَلَكِنْ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِأَنْ يَجْعَلَ الشَّرْطَ بِمَعْنَى التَّأْجِيلِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لَوْ كَفَلَ إلَى أَنْ تَهُبَّ الرِّيحُ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي التَّأْجِيلِ لَا فِي التَّعْلِيقِ وَالتَّأْجِيلِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ وَهَكَذَا يُؤَوَّلُ كَلَامُ الْفُصُولَيْنِ بِحَمْلِ قَوْلِهِ لَا تُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ عَلَى مَا إذَا جَعَلَ الشَّرْطَ أَجَلًا وَلِلْعَلَّامَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ رِسَالَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَشْبَعَ فِيهَا الْكَلَامَ سَمَّاهَا " بَسْطُ الْمَقَالَةِ فِي تَحْقِيقِ تَعْلِيقِ الْكَفَالَةِ " فَرَاجِعْهَا إنْ رُمْت الْمَزِيدَ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَأَطَالَ وَنَقَلَ عَنْ كُتُبٍ كَثِيرَةٍ فِي بَعْضِهَا التَّصْرِيحُ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ لِتَعْلِيقِهَا بِالشُّرُوطِ الْغَيْرِ الْمُلَائِمِ كَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَفِي بَعْضِهَا التَّصْرِيحُ بِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ وَلُزُومُ الْمَالِ حَالًّا وَأَيَّدَ هَذَا الْأَخِيرَ وَارْتَضَاهُ وَرَاجِعْ الْأَوَّلَ إلَيْهِ لَكِنْ خَالَفَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ وَأَيَّدَ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ وَالْخَانِيَّةِ مِنْ بُطْلَانِ الْكَفَالَةِ وَعَدَمِ لُزُومِ الْمَالِ وَرَدَّ عَلَى مَنْ جَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ أَقُولُ: وَالْإِنْصَافُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ فَإِنَّ مَنْ اطَّلَعَ عَلَى مَا نَقَلَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ مِنْ النُّقُولِ لَمْ يَشُكَّ فِي أَنَّ الْعِبَارَاتِ مُتَنَاقِضَةٌ بَعْضُهَا مُصَرِّحٌ بِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ وَلُزُومِ الْمَالِ حَالًّا وَبُطْلَانِ التَّعْلِيقِ وَبَعْضُهَا مُصَرِّحٌ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ وَارْتِكَابُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute