فِي الْكَفَالَةِ هَكَذَا قَرَّرَهُ فِي الْبَدَائِعِ، وَلَمْ يُرَجَّحْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْمُصَحَّحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا تُوجِبُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الدَّيْنِ اهـ.
فَالْمَذْهَبُ مَا فِي الْكِتَابِ قَالُوا وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهَا نَقْلُهُمَا، أَوْ الْمُطَالَبَةُ فَقَطْ تَظْهَرُ فِي مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا أَحَالَ الْمُرْتَهِنَ بِالدَّيْنِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَكَذَا لَوْ أَبْرَأهُ عَنْهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَسْتَرِدُّهُ كَمَا لَوْ أَجَّلَ الدَّيْنَ بَعْدَ الرَّهْنِ، وَالثَّانِيَةُ إذَا أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْمُحِيلَ بَعْدَ الْحَوَالَةِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ بَرِئَ بِالْحَوَالَةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ وَبَرِئَ الْمُحِيلُ وَقَدْ أَنْكَرَ هَذَا الْخِلَافَ بَيْنَهُمَا بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ، وَقَالَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ مُحَمَّدٍ نَصٌّ بِنَقْلِ الْمُطَالَبَةِ دُونَ الدَّيْنِ بَلْ ذَكَرَ أَحْكَامًا مُتَشَابِهَةً وَاعْتَبَرَ الْحَوَالَةَ فِي بَعْضِهَا تَأْجِيلًا، وَجَعَلَ الْمُحَوَّلَ بِهَا الْمُطَالَبَةَ لَا الدَّيْنَ وَاعْتَبَرَهَا فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ إبْرَاءً، وَجَعَلَ الْمُحَوَّلَ بِهَا الْمُطَالَبَةَ وَالدَّيْنَ وَإِنَّمَا فَعَلَ هَكَذَا؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ يُوجِبُ نَقْلَ الْمُطَالَبَةِ وَالدَّيْنِ إذْ الْحَوَالَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى النَّقْلِ وَقَدْ أُضِيفَ إلَى الدَّيْنِ، وَاعْتِبَارُ الْمَعْنَى يُوجِبُ تَحْوِيلَ الْمُطَالَبَةِ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ تَأْجِيلٌ مَعْنًى أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحْتَالَ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا يَعُودُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى التَّأْجِيلِ فَاعْتُبِرَ الْمَعْنَى فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَاعْتُبِرَ الْحَقِيقَةُ فِي بَعْضِهَا نَعَمْ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ لَمِّيَّةِ خُصُوصِ الِاعْتِبَارِ فِي كُلِّ مَكَان كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ بِهَا صَارَ عَلَى الْحَوِيلِ مَا كَانَ عَلَى الْمُحِيلِ إذْ نَقْلُ الدَّيْنِ أَوْفَى بِمَعْنَاهَا مِنْ نَقْلِ الطَّلَبِ وَحْدَهُ، وَإِنْ عَكَسَ أَبُو يُوسُفَ حَسْبَ التَّأْثِيرِ فِي عِتْقِ الْمُكَاتَبِ، وَبُطْلَانُ الرَّهْنِ بَعْدَ الْإِحَالَةِ عَلَى الْغَيْرِ وَلِهَذَا جَازَ لِلْمُحَالِ أَنْ يُبْرِئَ الْحَوِيلَ أَوْ يَسْتَرْهِنَ أَوْ يَهَبَ مِنْهُ دُونَ الْمُحِيلِ عَلَى الْمَذْهَبِ عَكْسَ مَا قَبْلَهَا، وَلَمْ يَصِرْ لِلْمُحَالِ مَا كَانَ لِلْمُحِيلِ وَإِنْ قَيَّدَهَا بِالدَّيْنِ حَذَارِ تَمْلِيكِهِ غَيْرَ الْمَدْيُونِ بَلْ يَلْزَمُ الْحَوِيلَ دَيْنَانِ لِهَذَا لَوْ قَبِلَ الْحَالَّ مُؤَجَّلًا لَمْ يَظْهَرْ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْمُحِيلِ حَسْبَ التَّأْثِيرِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْإِبْرَاءِ اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يَرِدُ عَلَى تَعْرِيفِهَا بِالنَّقْلِ الْمَذْكُورِ أَشْيَاءُ الْأَوَّلُ أَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ الْوَدِيعَةِ إذْ لَيْسَ فِيهَا دَيْنٌ انْتَقَلَ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ. ثَانِيهَا عَوْدُ الدَّيْنِ بِالتَّوَى وَلَوْ انْتَقَلَ الدَّيْنُ لَمْ يَعُدْ. ثَالِثُهَا جَبْرُ الْمُحَالِ عَلَى قَبُولِ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحِيلِ بَعْدَهَا، وَلَوْ انْتَقَلَ لَمْ يُجْبَرْ. رَابِعُهَا قِسْمَةُ الدَّيْنِ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ بَعْدَ مَوْتِهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُحْتَالِ، وَلَوْ انْتَقَلَ لَاخْتَصَّ بِهِ الْمُحَالُ. خَامِسُهَا أَنَّ إبْرَاءَ الْمُحْتَالِ الْمُحَالَ عَلَيْهِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَلَوْ انْتَقَلَ إلَيْهِ لَارْتَدَّ. سَادِسُهَا أَنَّ تَوْكِيلَ الْمُحَالِ الْمُحِيلَ بِالْقَبْضِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَوْ انْتَقَلَ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ لَصَحَّ لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا. سَابِعُهَا أَنَّ الْمُحْتَالَ لَوْ وُهِبَ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ وَلَوْ انْتَقَلَ الدَّيْنُ إلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَكَانَتْ الْهِبَةُ إبْرَاءً فَلَا رُجُوعَ. ثَامِنُهَا أَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْفَسْخِ وَلَوْ سَقَطَ الدَّيْنُ لَمْ يَعُدْ تَاسِعُهَا عَدَمَ سُقُوطِ حَقِّ حَبْسِ الْمَبِيعِ فِيمَا إذَا أَحَالَهُ الْمُشْتَرِي.
عَاشِرُهَا كَذَلِكَ الرَّهْنُ وَالْجَوَابُ أَنَّ مُوجِبَهَا نَقْلٌ مُؤَقَّتٌ لَا مُؤَبَّدٌ فَبَرِئَ الْمُحِيلُ بَرَاءَةً مُؤَقَّتَةً إلَى التَّوَى فَالرُّجُوعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ بَرَاءَةً مُؤَبَّدَةً، وَإِنَّمَا بَرِئَ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِلْمُحْتَالِ فَحَيْثُ تَوَى الْمَالَ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، وَصَحَّ أَدَاءُ الْمُحِيلِ لِلْمُحْتَالِ لِيَسْتَفِيدَ الْبَرَاءَةَ الْمُؤَبَّدَةَ الَّتِي لَمْ تَحْصُلْ بِالْحَوَالَةِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا يَضُرُّ فِي نَقْلِ الدَّيْنِ قِسْمَتُهُ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ بَعْدَ مَوْتِهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُحْتَالِ؛ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ لَمْ يَمْلِكْ الدَّيْنَ بِالْحَوَالَةِ إذْ يَلْزَمُهُ عَلَيْهِ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَإِنَّمَا مَلَكَ الْمُطَالَبَةَ فَإِذَا قَبَضَهُ مَلَكَهُ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ دَيْنَانِ دَيْنٌ لِلْمُحِيلِ بِدَلِيلِ قِسْمَتِهِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَدَيْنٌ لِلْمُحْتَالِ؛ لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ أَنْ يَكُونَ لِلدَّيْنِ الْوَاحِدِ مُطَالِبَانِ لَا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَاحِدٍ دَيْنَانِ بِاعْتِبَارَيْنِ لَهُمَا مُطَالِبٌ وَاحِدٌ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ، وَإِنَّمَا لَا يَصْلُحُ الْمُحِيلُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ إحْدَاهُمَا أَنَّ الرَّهْنَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَحَالَ الْغَرِيمُ الْمُرْتَهِنَ بِالْمَالِ عَلَى رَجُلٍ لِلْمُرْتَهِنِ مَنْعُ الرَّهْنِ حَتَّى يَقْبِضَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْمُرْتَهِنُ إنْ أَحَالَ غَرِيمًا لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ الرَّهْنِ، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ هَذَا بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ وَقَالَ الْغَزِّيِّ أَيْضًا قُلْتُ: لَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا أَحَالَ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ الَّذِي بِهِ الرَّهْنُ عَلَى الرَّاهِنِ هَلْ لَهُ اسْتِرْدَادُ الرَّهْنِ أَمْ لَا اهـ.
أَقُولُ: سَيَأْتِي قَرِيبًا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ اهـ. (قَوْلُهُ بِهَا صَارَ عَلَى الْحَوِيلِ مَا كَانَ عَلَى الْمُحِيلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْمُحْتَالِ حَوِيلٌ، وَلَا يَصِحُّ هُنَا إرَادَةُ الْمُحْتَالِ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ إرَادَةُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ فَلَعَلَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَالْجَوَابُ أَنَّ مُوجِبَهَا إلَخْ) أَيْ الْجَوَابَ عَمَّا ذُكِرَ مِنْ الْإِيرَادَاتِ عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ، لَكِنْ تَرَكَ الْجَوَابَ عَنْ الْأَوَّلِ فَأَجَابَ عَنْ الثَّانِي بِقَوْلِهِ إنَّ مُوجِبَهَا نَقْلُ مُؤَقَّتٍ إلَخْ، وَعَنْ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ وَصَحَّ أَدَاءُ الْمُحِيلِ إلَخْ وَعَنْ الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ وَلَا يَضُرُّ فِي نَقْلِ الدَّيْنِ قِسْمَتُهُ إلَخْ، وَعَنْ الْخَامِسِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْمُحْتَالَ لَمْ يَمْلِكْ الدَّيْنَ بِالْحَوَالَةِ إلَخْ وَعَنْ السَّادِسِ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا لَا يَصْلُحُ الْمُحِيلُ إلَخْ وَعَنْ السَّابِعِ بِقَوْلِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ إلَخْ، وَعَنْ الثَّامِنِ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا قَبِلَتْ الْفَسْخَ إلَخْ وَعَنْ التَّاسِعِ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ إلَخْ وَعَنْ الْعَاشِرِ بِقَوْلِهِ كَالْمُرْتَهِنِ إذَا أَحَالَ غَرِيمَهُ إلَخْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute