للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَنْ الْمُحْتَالِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لِكَوْنِ الْمُحِيلِ يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ لِيَسْتَفِيدَ الْإِبْرَاءَ الْمُؤَبَّدَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْإِبْرَاءِ فِي الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ وَالْهِبَةَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ كَالْإِرْثِ، وَإِنَّمَا قَبِلَتْ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمْ يَسْقُطْ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْإِبْرَاءَ الْمُؤَبَّدَ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا أَحَالَ الْمَدْيُونُ الْمُطَالِبَ عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفٍ أَوْ بِجَمِيعِ حَقِّهِ، وَقَبِلَ مِنْهُ ثُمَّ أَحَالَهُ أَيْضًا بِجَمِيعِ حَقِّهِ عَلَى آخَرَ وَقَبِلَ مِنْهُ صَارَ الثَّانِي نَقْضًا لِلْأَوَّلِ، وَبَرِئَ الْأَوَّلُ اهـ.

وَإِنَّمَا لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الْحَبْسِ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بَاقِيَةٌ وَلِذَا لَوْ كَانَ الْمُحِيلُ هُوَ الْبَائِعُ بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ؛ لِأَنَّ مُطَالَبَتَهُ سَقَطَتْ كَالْمُرْتَهِنِ إذَا أَحَالَ غَرِيمَهُ عَلَى الرَّاهِنِ بَطَلَ حَقُّهُ فِي حَبْسِ الرَّهْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَحَالَهُ الرَّاهِنُ، الثَّالِثُ فِي رُكْنِهَا هُوَ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُحِيلِ، وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ وَالْمُحْتَالُ، الرَّابِعُ فِي شَرَائِطِهَا فَفِي الْمُحِيلِ الْعَقْلُ فَلَا تَصِحُّ إحَالَةُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ وَالْبُلُوغُ وَهُوَ شَرْطُ النَّفَاذِ دُونَ الِانْعِقَادِ فَتَنْعَقِدُ حَوَالَةُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ مَوْقُوفَةً عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ كَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، وَأَمَّا حُرِّيَّتُهُ فَلَيْسَتْ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ فَتَصِحُّ حَوَالَةُ الْعَبْدِ مَأْذُونًا أَوْ مَحْجُورًا غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَأْذُونًا رَجَعَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ لِلْحَالِّ وَإِلَّا فَبَعْدَ الْعِتْقِ، وَكَذَا صِحَّتُهُ فَتَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ وَمِنْهَا رِضَى الْمُحِيلِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُكْرَهًا فِي الْحَوَالَةِ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا إبْرَاءٌ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ فَيُفْسِدُهُ الْإِكْرَاهُ وَفِي الْمُحْتَالِ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ عَلَى أَنَّهُ شَرْطُ نَفَاذٍ فَيَنْفُذُ احْتِيَالُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ إنْ كَانَ الثَّانِي أَصْلِيًّا مِنْ الْأَوَّلِ، وَكَذَا الْوَصِيُّ إذَا احْتَالَ بِمَالِ الْيَتِيمِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهَذَا الشَّرْطِ وَمِنْهَا الرِّضَا حَتَّى لَوْ احْتَالَ مُكْرَهًا لَا تَصِحُّ، وَمِنْهَا مَجْلِسُ الْحَوَالَةِ وَهُوَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ فِي قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ شَرْطُ النَّفَاذِ عِنْدَهُ فَلَوْ كَانَ الْمُحْتَالُ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ فَبَلَغَهُ الْخَبَرُ فَأَجَازَ لَمْ يَنْعَقِدْ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا.

وَأَمَّا شَرَائِطُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَالْعَقْلُ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَمْ يَعْقِلْ قَبُولُهَا وَالْبُلُوغُ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ صَبِيٍّ قَبُولُهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ بِأَمْرِ الْمُحِيلِ أَوْ بِدُونِهِ لِكَوْنِهَا مَعَ الْأَمْرِ تَبَرُّعًا ابْتِدَاءً وَبِدُونِهِ تَبَرُّعًا ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، وَلَوْ قَبِلَ عَنْهُ وَلِيُّهُ لَمْ يَصِحَّ لِكَوْنِهِ مِنْ الْمَضَارِّ فَلَا يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ، وَمِنْهَا الرِّضَا فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَبُولِهَا لَمْ يَصِحَّ وَمِنْهَا الْمَجْلِسُ فَإِنَّهُ شَرْطُ الِانْعِقَادِ، وَأَمَّا شَرَائِطُ الْمُحْتَالِ بِهِ فَأَنْ يَكُونَ دَيْنًا لَازِمًا فَلَا تَصِحُّ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ فَمَا لَا تَصِحُّ بِهِ الْكَفَالَةُ لَا تَصِحُّ بِهِ الْحَوَالَةُ فَلَمْ تَصِحَّ إحَالَةُ الْمَوْلَى غَرِيمَهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ إلَّا إذَا قَيَّدَهَا بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَأَمَّا إذَا أَحَالَ الْمُكَاتَبُ مَوْلَاهُ عَلَى رَجُلٍ فَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ أَوْ عَيْنٌ وَقُيِّدَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمُحْتَالَ يَكُونُ نَائِبًا عَنْ الْمُكَاتَبِ فِي الْقَبْضِ، فَيَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَوْ كَانَ لَهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِهِ لَا يَجُوزُ وَلَكِنْ إذَا أَحَالَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ رَجُلًا لَمْ يُعْتَقْ حَتَّى يُؤَدِّيَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَإِذَا أَحَالَ مَوْلَاهُ عَلَى رَجُلٍ عَتَقَ كَمَا ثَبَتَتْ الْحَوَالَةُ عَكْسَ الْبَائِعِ كَمَا أَوْضَحَهُ الشَّارِحُ وَتَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَتْ بَرَاءَةُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي قُيِّدَتْ الْحَوَالَةُ بِهِ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ ثَمَنَ مَبِيعٍ فَاسْتَحَقَّ الْمَبِيعُ تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ، وَلَوْ سَقَطَ عَنْهُ الدَّيْنُ لِمَعْنًى عَارِضٍ بِأَنْ هَلَكَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بَعْدَ الْحَوَالَةِ حَتَّى سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْهُ لَمْ تَبْطُلْ الْحَوَالَةُ لَكِنْ إذَا أَدَّى الدَّيْنَ بَعْدَ سُقُوطِ الثَّمَنِ يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى عَلَى الْمُحِيلِ، وَلَوْ ظَهَرَ ذَلِكَ فِي الْحَوَالَةِ الْمُطْلَقَةِ لَمْ تَبْطُلْ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا.

الْخَامِسُ فِي حُكْمِهَا فَلَهَا أَحْكَامٌ مِنْهَا بَرَاءَةُ الْمُحِيلِ وَمِنْهَا ثُبُوتُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَتَنْعَقِدُ حَوَالَةُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ) قَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي كِتَابِهِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ الصَّبِيُّ التَّاجِرُ فِي الْحَوَالَةِ مِثْلُ الْبَالِغِ وَفِي فَوَائِدِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ بُرْهَانِ الدِّينِ صَبِيٌّ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَقَرَّ بِمَالٍ، وَأَحَالَ بِهِ عَلَى الْآخَرِ وَقَبِلَ الْآخَرُ الْحَوَالَةَ فَالْمُقَرُّ لَهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ أَمْ لَا أَجَابَ نَعَمْ، كَمَا فِي الْكَفَالَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ رَجَعَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ لِلْحَالِ) حَذَفَ صِلَةَ رَجَعَ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِ الْمَذْكُورَةُ لِتَغَيُّرِ الْمَعْنَى بَلْ هِيَ صِلَةُ الْمُحَالِ وَالتَّقْدِيرُ رَجَعَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى الْعَبْدِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْوَصِيُّ إذَا احْتَالَ بِمَالِ الْيَتِيمِ إلَخْ) قَالَ فِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ بَعْدَ هَذَا، وَذَكَرَ فَخْرُ الدِّينِ فِي بُيُوعِ فَتَاوَاهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ إذَا قَبِلَ الْحَوَالَةَ عَلَى شَخْصٍ دُونَ الْمُحِيلِ فِي الْمُلَاءَةِ إنْ وَجَبَ بِعَقْدِهِمَا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِعَقْدِهِمَا لَا يَصِحُّ فِي قَوْلِهِمْ، وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْيُسْرِ فِي بَابِ الْخُلْعِ مِنْ الْمَبْسُوطِ فِي حِيلَةِ هِبَةِ صَدَاقِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْأَبَ يَحْتَالُ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا فَيَبْرَأُ ذِمَّةُ الزَّوْجِ عَنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ مِثْلَ الزَّوْجِ فِي الْمُلَاءَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ أَيْضًا اهـ.

(قَوْلُهُ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ صَبِيٍّ قَبُولُهَا مُطْلَقًا إلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ الصَّبِيُّ مَدْيُونًا لِلْمُحِيلِ وَبِهِ يَظْهَرُ التَّعْلِيلُ تَأَمَّلْ وَرَاجِعْ. (قَوْلُهُ مِنْهَا بَرَاءَةُ الْمُحِيلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْكَفِيلَ لَوْ أَحَالَ الْمَكْفُولَ لَهُ عَلَى الْمَدْيُونِ بِالدَّيْنِ الْمَكْفُولِ بِهِ وَقَبِلَهُ بَرِئَ، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى وَصُورَتُهَا أَحَالَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ بِالدَّيْنِ الَّذِي كَفَلَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَتَرَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ، وَيُؤْخَذُ الْحُكْمُ وَهُوَ الْبَرَاءَةُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْحَوَالَةُ نَقْلُ الدَّيْنِ وَأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّحْوِيلِ، وَالشَّيْءُ إذَا حُوِّلَ عَنْ مَكَانِهِ بَقِيَ خَالِيًا مِنْهُ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>