للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وِلَايَةِ الْمُطَالَبَةِ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ وَمِنْهَا ثُبُوتُ الْمُلَازَمَةِ لِلْمُحَالِ عَلَيْهِ عَلَى الْمُحِيلِ إذَا لَازَمَهُ الْمُحْتَالُ فَكُلَّمَا لَازَمَهُ لَازَمَهُ، وَإِذَا حَبَسَهُ حَبَسَهُ إنْ كَانَتْ بِأَمْرِ الْمُحِيلِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فِي هَذِهِ الْعُهْدَةِ فَعَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ كَانَ مَدْيُونُهُ، وَقَدْ قُيِّدَتْ بِهِ فَلَا مُلَازَمَةَ وَلَا حَبْسَ.

السَّادِسُ فِي صِفَتِهَا ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: لَازِمَةٍ وَجَائِزَةٍ وَفَاسِدَةٍ. فَاللَّازِمَةُ أَنْ يُحِيلَ الطَّالِبَ عَلَى رَجُلٍ وَيَقْبَلَ الْحَوَالَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ مُقَيَّدَةً أَوْ مُطْلَقَةً. وَالْجَائِزَةُ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِأَنْ يُعْطِي الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْحَوَالَةَ مِنْ ثَمَنِ دَارِ نَفْسِهِ أَوْ ثَمَنِ عَبْدِهِ فَلَا يُجْبَرُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى الْبَيْعِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَبِلَ الْحَوَالَةَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ عِنْدَ الْحَصَادِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى أَدَاءِ الْمَالِ قَبْلَ الْأَجَلِ، وَالْفَاسِدَةُ أَنْ يُقَيِّدَ بِإِعْطَائِهِ مِنْ ثَمَنِ دَارِ الْمُحِيلِ أَوْ ثَمَنِ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّهَا حَوَالَةٌ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ، وَهُوَ بَيْعُ الدَّارِ وَالْعَبْدِ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ بِهَذَا الشَّرْطِ لَا يَكُونُ تَوْكِيلًا بِبَيْعِ دَارِ الْمُحِيلِ اهـ.

السَّابِعُ فِي دَلِيلِهَا رَوَى أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ» وَفِي لَفْظِ الطَّبَرَانِيِّ مَرْفُوعًا «مَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ» وَرَوَاهُ أَحْمَدُ «وَمَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَحْتَلْ» ، ثُمَّ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ وَعَنْ أَحْمَدَ لِلْوُجُوبِ، وَالْحَقُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمْرُ إبَاحَةٍ فَهُوَ دَلِيلُ جَوَازِ نَقْلِ الدَّيْنِ شَرْعًا أَوْ الْمُطَالَبَةُ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهَا دَفْعًا لِلْحَاجَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. الثَّامِنُ فِي أَنْوَاعِهَا سَيَأْتِي أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ وَمُطْلَقَةٌ. التَّاسِعُ فِي سَبَبِهَا. الْعَاشِرُ فِي مَحَاسِنِهَا وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْكَفَالَةِ.

(قَوْلُهُ وَتَصِحُّ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ) ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ نَقْلٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأَعْيَانِ بَلْ الْمُتَصَوَّرُ فِيهَا النَّقْلُ الْحِسِّيُّ فَكَانَتْ نَقْلَ الْوَصْفِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الدَّيْنُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِلْمُحْتَالِ دَيْنٌ عَلَى الْمُحِيلِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَبُّ الدَّيْنِ إذَا أَحَالَ رَجُلًا عَلَى رَجُلٍ وَلَيْسَ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحِيلِ دَيْنٌ فَهَذِهِ وَكَالَةٌ، وَلَيْسَتْ بِحَوَالَةٍ اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ أَحَالَ عَلَيْهِ مِائَةً مِنْ الْحِنْطَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَا لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحِيلِ فَقَبِلَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ.

وَأَمَّا الدَّيْنُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِالْأَعْيَانِ وَالْحُقُوقِ اهـ. وَلَمْ يُمَثِّلُوهُمَا.

(قَوْلُهُ بِرِضَا الْمُحْتَالِ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْمُحْتَالَ هُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ وَتَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الذِّمَمُ فَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْإِيفَاءِ، وَأَمَّا الْمُحَالُ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ وَيَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ وَالنَّاسُ مُتَفَاوِتُونَ قُيِّدَ بِرِضَاهُمَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ مَعَ إكْرَاهِ أَحَدِهِمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَرَادَ مِنْ الرِّضَا الْقَبُولَ فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ قَبُولَهُمَا فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ شَرْطُ الِانْعِقَادِ، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَلَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ أَحَالَ عَلَى غَائِبٍ فَقَبِلَ بَعْدَمَا عَلِمَ صَحَّتْ وَلَا تَصِحُّ فِي غَيْبَةِ الْمُحْتَالِ كَالْكَفَالَةِ إلَّا أَنْ يَقْبَلَ

ــ

[منحة الخالق]

نَقْلًا عَنْ الْخُجَنْدِيِّ أَنَّهَا مُبَرِّئَةٌ وَالْكَفَالَةُ غَيْرُ مُبَرِّئَةٍ، وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ الْمُحَالَ عَلَيْهِ إذَا أَحَالَ الْمُحَالَ عَلَى الْمُحِيلِ بَرِئَ، وَإِنْ نَوَى الْمَالَ الَّذِي عَلَى الْأَصِيلِ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ، وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ كُلَّ دَيْنٍ جَازَتْ بِهِ الْكَفَالَةُ جَازَتْ بِهِ الْحَوَالَةُ اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْكَفَالَةُ مَتَى حَصَلَتْ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ انْعَقَدَتْ لِوُجُوبِ دَيْنَيْنِ دَيْنٍ لِلطَّالِبِ عَلَى الْكَفِيلِ وَدَيْنٍ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ إلَّا أَنَّ مَا لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ مُؤَجَّلٌ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ. اهـ.

وَيُفْهَمُ مِنْهُ صِحَّةُ الْحَوَالَةِ وَصِحَّةُ الْحَوَالَةِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْمُحِيلِ، وَهُوَ الْكَفِيلُ وَمُقْتَضَى مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ بِالتَّوَى، وَكَذَا مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي هَذَا الشَّرْحِ فِي الْجَوَابِ عَمَّا نُقِضَ بِهِ الْحَدُّ أَنَّهُ يَبْرَأُ الْمُحِيلُ بَرَاءَةً مُؤَقَّتَةً إلَى التَّوَى. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ فِي الْجَامِعِ: رَجُلٌ كَفَلَ عَنْ رَجُلٍ بِمِائَةٍ، وَأَحَالَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ بِهَا عَلَى رَجُلٍ فَقَدْ بَرِئَ الْكَفِيلُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ فَإِنْ تَوَتْ الْمِائَةُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ مُفْلِسًا عَادَ الْأَمْرُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ وَعَلَى الْكَفِيلِ جَمِيعًا يَأْخُذُ الطَّالِبُ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَلَوْ كَانَ الْكَفِيلُ أَحَالَ الطَّالِبَ بِالْمِائَةِ عَلَى إبْرَائِهِ مِنْهَا يُرِيدُ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ مِنْ الْمِائَةِ فَلِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلَ وَالْمُحْتَالَ عَلَيْهِ، فَإِنْ مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَ الْكَفِيلَ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ وَقَدْ قُيِّدَتْ بِهِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَدْيُونُهُ وَلَمْ تُقَيَّدْ الْحَوَالَةُ بِالدَّيْنِ أَنَّهُ لَهُ مُلَازَمَتُهُ وَحَبْسُهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ أَحَالَهُ بِمَالِهِ عِنْدَ زَيْدٍ وَدِيعَةً.

(قَوْلُهُ وَلَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ أَحَالَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْخَانِيَّةِ مَا يُوَافِقُهُ حَيْثُ قَالَ صِحَّةُ الْإِحَالَةِ تَعْتَمِدُ قَبُولَ الْمُحْتَالِ لَهُ وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلَا تَصِحُّ فِي غَيْبَةِ الْمُحْتَالِ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ كَمَا قُلْنَا فِي الْكَفَالَةِ إلَّا أَنْ يَقْبَلَ رَجُلٌ الْحَوَالَةَ لِلْغَائِبِ، وَلَا تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لِصِحَّةِ الْحَوَالَةِ حَتَّى لَوْ أَحَالَهُ عَلَى رَجُلٍ غَائِبٍ، ثُمَّ عَلِمَ الْغَائِبُ فَقَبِلَ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ اهـ ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ اهـ.

قُلْت: وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَقَدْ مَرَّ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى شَرَائِطِهَا أَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُهُمَا بِعَدَمِ صِحَّتِهَا فِي غَيْبَةِ الْمُحْتَالِ فَلَمْ تَبْقَ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا مَرَّ إلَّا فِي اشْتِرَاطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>