للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِحَبْسِ الْخَصْمِ حُكْمٌ كَأَمْرِهِ بِالْأَخْذِ مِنْهُ.

قَالَ فِي الْقُنْيَةِ وَأَمْرُ الْقَاضِي بِحَبْسِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَضَاءٌ بِالْحَقِّ اهـ.

وَفَائِدَتُهُ لَوْ حَبَسَهُ حَنَفِيٌّ فِي مُعَامَلَةٍ بِفَائِدَةٍ لَيْسَ لِلْمَالِكِيِّ إبْطَالُهَا، كَذَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَأَمَّا فِعْلُهُ فَعَلَى وَجْهَيْنِ فَمَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعًا لِلْحُكْمِ فَلَيْسَ بِحُكْمٍ قَطْعًا، وَمِنْهُ مَا إذَا أَذِنَتْ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ فِي تَزْوِيجِ نَفْسِهَا فَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهَا فَفِعْلُهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ كَمَا فِي الْقَاسِمِيَّةِ وَمَا كَانَ مِنْهَا مَوْضِعًا لَهُ أَيْ مَحَلًّا فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَلَهُ صُوَرٌ مِنْهَا تَزْوِيجُ الصِّغَارِ الَّذِينَ لَا وَلِيَّ لَهُمْ، وَمِنْهَا شِرَاؤُهُ وَبَيْعُهُ مَالَ الْيَتِيمِ وَمِنْهَا قِسْمَةُ الْقَاضِي الْعَقَارَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَجَزَمَ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّهُ حُكْمٌ وَلِذَا لَوْ زَوَّجَ الْيَتِيمَةَ مِنْ ابْنِهِ لَمْ يَجُزْ، وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ قَالَ وَالْإِلْحَاقُ بِالْوَكِيلِ يَكْفِي لِلْمَنْعِ يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ بِالنِّكَاحِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُزَوِّجَ مِنْ ابْنِهِ فَكَذَا الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ، أَقُولُ: وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي التَّتِمَّةِ مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ بَيْعَ الْقَاضِي يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ، وَحُكْمُهُ لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ اهـ.

خِلَافُ الْأَوْجَهِ وَالْإِلْحَاقُ بِالْوَكِيلِ لِلْمَنْعِ مُغْنٍ عَنْ كَوْنِهِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْوَكِيلِ مِنْ نَفْسِهِ بَاطِلٌ.

وَكَذَا مَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ لِلْغَانِمِينَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يَبِيعُ الْغَنَائِمَ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلِهَذَا لَا تَلْزَمُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ فَلَوْ جَازَ بَيْعُهُ مِنْ نَفْسِهِ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا مِنْ نَفْسِهِ، وَحُكْمُ الْإِمَامِ وَالْقَاضِي لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ اهـ خِلَافُ الْأَوْجَهِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحُكْمَ الْقَوْلِيَّ يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى وَالْفِعْلِيَّ لَا كَالْقَضَاءِ الضِّمْنِيِّ لَا يَحْتَاجُ إلَى الدَّعْوَى لَهُ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ الْقَصْدِيُّ فَيَدْخُلُ الضِّمْنِيُّ تَبَعًا تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِمْ فَمَنْ نَقَلَ أَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي حُكْمٌ صَاحِبُ التَّجْنِيسِ وَالتَّتِمَّةِ وَالذَّخِيرَةِ كَمَا أَسْلَفْنَاهُ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي بُيُوعِ الْمُحِيطِ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَفِي بُيُوعِ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَصَرَّحَ بِهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ قَالَ إذَا حَضَرَ الْوَرَثَةُ إلَى الْقَاضِي فَطَلَبُوا الْقِسْمَةَ وَبَيْنَهُمْ وَارِثٌ غَائِبٌ أَوْ صَغِيرٌ، وَالتَّرِكَةُ عَقَارٌ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا أَقْسِمُ بَيْنَهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ حَتَّى يُقِيمُوا بَيِّنَةً عَلَى الْمَوْتِ وَالْمَوَارِيثِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: أُقَسِّمُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِمْ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا أُقَسِّمُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ وَلَا أَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ بِقَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْقَاضِي قَضَاءٌ مِنْهُ اهـ.

وَمَا فِي الْأَصْلِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْقَاضِي قَضَاءٌ مِنْهُ قَاطِعٌ لِلشُّبْهَةِ كُلِّهَا فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ.

وَأَمَّا شَرَائِطُهُ وَهُوَ الرَّابِعُ فَفِي الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَقَدُّمِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ فَإِنْ فُقِدَ هَذَا الشَّرْطُ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا، وَإِنَّمَا هُوَ إفْتَاءٌ صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ قَالَ وَهَذَا شَرْطٌ لِنَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ ذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ فِي فُصُولِهِ وَالْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوَاهُ، وَنَقَلَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوِيهِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ إنَّمَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ عِنْدَ شَرَائِطِ الْقَضَاءِ مِنْ الْخُصُومَةِ وَغَيْرِهَا فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَنْفُذْ اهـ.

فَإِذَا حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجِبِ بَيْعِ عَقَارٍ

ــ

[منحة الخالق]

تَكُونُ حُكْمًا (قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ) أَيْ شَرْطِ الْحُكْمِ، وَهُوَ الدَّعْوَى الصَّحِيحَةُ سَيُجِيبُ عَنْهُ الْمُؤَلِّفُ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ) بَلْ قَالَ ابْنُ الْغَرْسِ إنَّهُ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ قَاطِعٌ لِلشُّبْهَةِ كُلِّهَا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ إنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْوَكِيلِ فَتَعَيَّنَ كَوْنُ عِلَّةِ الْمَنْعِ هِيَ كَوْنُ فِعْلِهِ حُكْمًا. (قَوْلُهُ وَذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ وَذَكَرَهُ أَيْضًا الْعِمَادِيُّ إلَخْ فَإِسْقَاطُ لَفْظِ ذَكَرَهُ الثَّانِي مِنْ سَهْوِ الْكَاتِبِ (قَوْلُهُ فَإِذَا حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجِبِ بَيْعِ عَقَارٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجِبِ مِمَّا تُعُورِفَ بَيْنَ الْمُتَشَرِّعِينَ وَالْمُوَثِّقِينَ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُقْتَضَى؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الصِّحَّةَ وَالْبُطْلَانَ كَالْحُكْمِ بِمُوجِبِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ مَعْنَاهُ بُطْلَانُهُ لَوْ الْقَاضِي حَنَفِيًّا وَصِحَّتُهُ لَوْ شَافِعِيًّا، وَالْمُقْتَضِي لَا يَشْمَلُ الْبُطْلَانَ فَإِنَّ الشَّيْءَ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ نَفْسِهِ فَيَجْتَمِعَانِ فِي الصِّحَّةِ وَيَنْفَرِدُ الْمُوجِبُ فِي الْبُطْلَانِ، ثُمَّ إنَّ الْمُوجِبَ قَدْ يَكُونُ أَمْرًا وَاحِدًا أَوْ أُمُورًا يَسْتَلْزِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي الثُّبُوتِ أَوْ لَا يَسْتَلْزِمُ فَالْأَوَّلُ كَالْقَضَاءِ بِالْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذْ لَا مُوجِبَ لِهَذَا سِوَى ثُبُوتِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ لِلْعَيْنِ، وَالْحُرِّيَّةِ وَانْحِلَالِ قَيْدِ الْعِصْمَةِ، وَهَذَا الْقِسْمُ لَا كَلَامَ فِيهِ إذْ ذِكْرُ الْمُوجِبِ فِيهِ.

وَأَصَحُّ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ وَالثَّانِي كَمَا إذَا ادَّعَى رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْكَفِيلِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَطَالَبَهُ بِهِ فَأَنْكَرَ الدَّيْنَ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الدَّيْنِ وَالْكَفَالَةِ، يُحْكَمُ بِمُوجِبِ ذَلِكَ فَالْمُوجِبُ هُنَا أَمْرَانِ لُزُومُ الدَّيْنِ لِلْغَائِبِ وَلُزُومُ أَدَائِهِ عَلَى الْكَفِيلِ، وَالثَّانِي يَسْتَلْزِمُ الْأَوَّلَ فِي الثُّبُوتِ فَإِذَا قَضَى بِالْمُوجِبِ فِي مِثْلِهِ فَقَدْ قَضَى بِجَمِيعِهِ، وَالثَّالِثُ كَمَا إذَا حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجِبِ بَيْعِ عَقَارٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فَالْمُوجِبُ هُنَا مُجْمَلٌ تُفَسِّرُهُ الطَّرِيقُ الْمُوصِلَةُ إلَى الْقَضَاءِ فَإِنْ أَدَّتْ إلَى جَمِيعِ تِلْكَ الْأُمُورِ بِأَنْ كَانَتْ مُدَّعَى بِهَا كُلِّهَا حُمِلَ الْمُوجِبُ عَلَيْهَا وَإِنْ إلَى بَعْضٍ مُعَيَّنٍ مِنْهَا تَعَيَّنَ أَنَّهُ الْمَقْضِيُّ بِهِ دُونَ الْآخَرِ فَلِلْمُخَالِفِ الْحُكْمُ بِهِ بِرَأْيِهِ، وَلَا يَكُونُ حُكْمُ الْأَوَّلِ بِذَلِكَ الْفَرْدِ الْمُعَيَّنِ مَانِعًا عَنْ الْحُكْمِ بِالْآخِرِ، وَمُثُلُهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا مَا إذَا قَضَى الْحَنَفِيُّ بِمُوجِبِ التَّوَاجِرِ بَيْنَ أَصِيلَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا لَا يَكُونُ حُكْمًا بَعْدَ انْفِسَاخِهَا ثُمَّ الِاسْتِلْزَامُ السَّابِقُ قَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>