للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفَاذُ قَضَائِهِ صَحِيحٌ لَكِنْ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِي أَمْثَالِ هَذَا كَالْحُكْمِ فِي الطَّلَاقِ الْمُضَافِ مُخْتَلَفٌ نَفَاذُ قَضَائِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ هُوَ النَّفَاذَ إذَا حَكَّمَاهُ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِمَا يَرَى وَإِذَا كَانَ التَّحْكِيمُ لِيَحْكُمَ عَلَى خِلَافِ مَا يَرَاهُ الْمُحَكَّمُ كَانَ الصَّحِيحُ عَدَمَ نَفَاذِ قَضَائِهِ، تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ زَنَى بِهَا ابْنُهُ ثُمَّ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِ نَفَقَةً وَسُكْنَى فَحَكَمَ بِالْحِلِّ بَيْنَهُمَا حَاكِمٌ أَوْ حَكَمَ تَحِلُّ وَلَكِنْ لَا يُكْتَبُ أَيْ لَا يُفْتَى بِهِ اهـ.

وَالْفَرْعُ الْأَخِيرُ ضَعِيفٌ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَنْفُذُ فِيهَا قَضَاءُ الْقَاضِي فَعَلَى هَذَا الْمُحَكَّمِ يَسْتَحْلِفُ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ وَصِيًّا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ غَرِيمَ الْمَيِّتِ

(قَوْلُهُ وَأَمْضَى الْقَاضِي حُكْمَهُ إنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ) يَعْنِي إذَا رَفَعَا حُكْمَهُ إلَى الْقَاضِي وَتَدَاعَيَا عِنْدَهُ عَمِلَ الْقَاضِي بِمُوجِبِهِ إنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ ثُمَّ إبْرَامِهِ وَفَائِدَةُ هَذَا الْإِمْضَاءِ أَنْ لَا يَكُونَ لِقَاضٍ آخَرَ يَرَى خِلَافَهُ نَقْضُهُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ إمْضَاءَهُ بِمَنْزِلَةِ قَضَائِهِ ابْتِدَاءً وَاسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِمْ هُنَا وَفِي مَوَاضِعَ أَنَّ التَّنَافِيذَ الْوَاقِعَةَ فِي زَمَانِنَا لَا اعْتِبَارَ بِهَا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الْمُحَكَّمُ إذَا حَلَفَ لَا يَمْلِكُ الْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ ثَانِيًا عِنْدَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ عَلَى التَّمَامِ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ حَكَّمَ رَجُلًا فَأَجَازَ الْقَاضِي حُكُومَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ ثُمَّ حَكَمَ بِخِلَافِ رَأْيِ الْقَاضِي لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَجَازَ الْمَعْدُومَ وَإِجَازَةُ الشَّيْءِ قَبْلَ وُجُودِهِ بَاطِلٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُجِزْ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَإِلَّا أَبْطَلَهُ) أَيْ إنْ لَمْ يُوَافِقْ مَذْهَبَهُ لَمْ يُمْضِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِإِبْطَالِهِ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ وِلَايَةٍ عَامَّةٍ فَلَمْ يَلْزَمْ الْقَاضِي إذَا خَالَفَ رَأْيَهُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَجِبُ إبْطَالُهُ أَيْ عَدَمُ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَهُ لَوْ رُفِعَ إلَى حَكَمٍ آخَرَ حَكَّمَاهُ بَعْدَ حُكْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الثَّانِيَ كَالْقَاضِي يُمْضِيهِ إنْ كَانَ يُوَافِقُ رَأْيَهُ وَإِلَّا أَبْطَلَهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِيهِ لَوْ رَجَعَ الْمُحَكَّمُ عَنْ حُكْمِهِ فَقَضَى لِلْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا تَمَّتْ الْحُكُومَةُ بِالْقَضَاءِ الْأَوَّلِ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا إنَّ حُكْمَ الْحَكَمِ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْعَاقِلَةِ بِخِلَافِ حُكْمِ الْقَاضِي يُفِيدُ أَنَّ دَعْوَى الْقَتْلِ خَطَأً عَلَى الْقَاتِلِ وَإِثْبَاتَهُ بِغَيْبَةِ الْعَاقِلَةِ صَحِيحٌ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْخِزَانَةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ يُخَالِفُ حُكْمَ الْقَاضِي فِي مَسَائِلَ: الْأُولَى هَذِهِ. الثَّانِيَةُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَرَاضِيهِمَا عَلَى كَوْنِهِ حَكَمًا بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْقَاضِي. الثَّالِثَةُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ وَإِضَافَتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي الْمُحِيطِ بَعْدَهُ وَلَوْ حَكَّمَاهُ عَلَى أَنْ يَسْتَفْتِيَ فُلَانًا ثُمَّ يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا بِمَا قَالَ جَازَ كَالْقَضَاءِ وَلَوْ حَكَّمَاهُ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا فِي يَوْمِهِ أَوْ فِي مَجْلِسِهِ تَوَقَّتَ بِهِ.

الرَّابِعَةُ لَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.

الْخَامِسَةُ لَا يُفْتَى بِجَوَازِهِ فِي فَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. السَّادِسَةُ أَنَّ حُكْمَهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْغَائِبِ لَوْ كَانَ مَا يَدَّعِي عَلَيْهِ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ وَكَذَا قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَشَرْحِهِ لَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ بِعِتْقِ الشُّهُودِ مِنْ التَّعْدِيلِ إلَى الْمَوْلَى الْمَالِكِ وَصُورَتُهُ رَجُلَانِ شَهِدَا عِنْدَ مُحَكَّمٍ عَلَى حَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُمَا عَبْدَانِ فَقَالَا كُنَّا عَبْدَيْنِ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ إلَّا أَنَّهُ أَعْتَقَنَا وَبَرْهَنَا عَلَى ذَلِكَ فَحَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا لِثُبُوتِ عَدَالَتِهِمَا عِنْدَهُ جَازَ وَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ بِالْعِتْقِ مِنْ التَّعْدِيلِ الثَّابِتِ عِنْدَهُ إلَى حَقِّ الْمَوْلَى الْغَائِبِ لَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ الْإِعْتَاقَ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِالتَّحْكِيمِ اهـ.

وَقَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَنَازَعَهُ فِي ذَلِكَ فَادَّعَى أَنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ ضَمِنَهَا لَهُ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا رَجُلًا وَالْكَفِيلُ غَائِبٌ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ عَلَى الْمَالِ وَعَلَى الْكَفَالَةِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَحَكَمَ الْمُحَكَّمُ بِالْمَالِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبِالْكَفَالَةِ عَنْهُ فَحُكْمُهُ جَائِزٌ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دُونَ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَضِيَ بِحُكْمِهِ وَالْكَفِيلُ لَمْ يَرْضَ فَصَحَّ التَّحْكِيمُ فِي حَقِّهِمَا دُونَ الْكَفِيلِ، وَكَذَلِكَ إنْ حَضَرَ الْكَفِيلُ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ غَائِبٌ فَتَرَاضَيَا الطَّالِبُ وَالْكَفِيلُ عَلَى رَجُلٍ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا فَأَقَامَ الطَّالِبُ شَاهِدَيْنِ بِالْمَالِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَعَلَى كَفَالَةِ الْكَفِيلِ لَهُ بِذَلِكَ بِأَمْرِ الْمَطْلُوبِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَحَكَمَ الْمُحَكَّمُ بِذَلِكَ كَانَ حُكْمُهُ جَائِزًا عَلَى الْكَفِيلِ دُونَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ اهـ.

السَّابِعَةُ كِتَابُ الْمُحَكَّمِ إلَى الْقَاضِي لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَيْهِ. الثَّامِنَةُ لَا يَحْكُمُ الْمُحَكَّمُ بِكِتَابِ قَاضٍ

ــ

[منحة الخالق]

نَفَاذُ قَضَائِهِ صَحِيحٌ) الَّذِي فِي الْقُنْيَةِ قَالَ أُسْتَاذُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلُهُ بِعَدَمِ نَفَاذِ قَضَائِهِ صَحِيحٌ إلَخْ.

(قَوْلُهُ الْخَامِسَةُ لَا يُفْتَى بِجَوَازِهِ فِي فَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ) يَعْنِي لَا يُفْتَى الْمُفْتِي بِهِ إذَا سُئِلَ عَنْهُ أَمَّا حُكْمُ الْمُحَكَّمِ بِهِ فَنَافِذٌ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَزَادَ أَنَّهُ الظَّاهِرُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>