للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُكُولٍ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ وَدِيَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ صَحَّ لَوْ صَلَحَ الْمُحَكَّمُ قَاضِيًا) لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الدَّلَائِلِ وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ بِحُجَّةٍ مِنْ الثَّلَاثِ لِيُوَافِقَ حُكْمَ الشَّرْعِ وَإِلَّا يَقَعُ بَاطِلًا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِعِلْمِهِ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَلَمْ يَصِحَّ حُكْمُهُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ تَحْكِيمَهُمَا بِمَنْزِلَةِ صُلْحِهِمَا وَلَا يَمْلِكَانِ دَمَهُمَا وَلِذَا لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ وَكَذَا إلَّا وِلَايَةً لَهُمَا عَلَى الْعَاقِلَةِ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى الْقَاتِلِ بِالدِّيَةِ وَحْدَهُ لِمُخَالَفَةِ النَّصَّ فَكَانَ بَاطِلًا وَلَمْ أَرَ حُكْمَ التَّحْكِيمِ فِي اللِّعَانِ مَعَ أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَدِّ وَلِهَذَا قَالُوا لَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَلَا التَّوْكِيلُ.

وَقَيَّدَ بِكَوْنِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَلَى الْقَاتِلِ بِأَنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ ثَبَتَتْ جِرَاحَةٌ بِبَيِّنَةٍ وَأَرْشُهَا أَقَلُّ مِمَّا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ خَطَأً كَانَتْ الْجِرَاحَةُ أَوْ عَمْدًا أَوْ كَانَتْ قَدْرَ مَا تَتَحَمَّلُهُ وَلَكِنْ الْجِرَاحَةُ كَانَتْ عَمْدًا لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ نَفَذَ حُكْمُهُ وَمَا فِي الْكِتَابِ مِنْ مَنْعِهِ فِي الْقِصَاصِ هُوَ قَوْلُ الْخَصَّافِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ جَوَازِهِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ ضَعِيفٌ رِوَايَةً وَدِرَايَةً الْقِصَاصُ لَمْ يَتَمَحَّضْ حَقَّ الْعَبْدِ بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْحَقَّانِ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ حَقَّ الْعَبْدِ بِدَلِيلِ مَنْعِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيهِ وَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ أَنَّهُ كَالْحُدُودِ إلَّا فِي مَسَائِلَ مِنْهَا أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِهِ بِعِلْمِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ لَوْ صَلَحَ قَاضِيًا جَوَازَ تَحْكِيمِ الْمَرْأَةِ وَالْفَاسِقِ لِصَلَاحِيَّتِهِمَا لِلْقَضَاءِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُحَكِّمَا فَاسِقًا وَلَوْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ فَحَكَمَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْمَحْكُومِ بِهِ فَلَوْ اخْتَلَفَا لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ.

وَفِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ دُونَ الثَّلَاثِ فَحَكَّمَا رَجُلَيْنِ فَحَكَمَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهَا بَائِنٌ وَحَكَمَ الْآخَرُ بِأَنَّهَا بَائِنٌ بِالثَّلَاثِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجْتَمِعَا عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ اهـ.

فَقَوْلُهُ رَجُلًا مِثَالٌ وَالْمُرَادُ إنْسَانًا مَعْلُومًا فَلَوْ حَكَّمَا أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا لِجَهَالَةِ الصُّلْحِ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَأَشَارَ بِصَلَاحِيَّتِهِ لِلْقَضَاءِ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ وَكَّلَ الْحُكْمَ فِي الْخُصُومَةِ وَقَبِلَ خَرَجَ عَنْ الْحُكُومَةِ لِتَعَيُّنِهِ خَصْمًا فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ فَخَرَجَ عَنْ الشَّهَادَةِ فِيهَا وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا ابْنَ الْحَكَمِ أَوْ مَنْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لَهُ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدَّمْنَا شَرَائِطَهُ وَكَذَا مَا اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ مِنْ جَوَازِهِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ ضَعِيفٌ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْأَصَحِّ وَالْحُكْمُ قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا وَشَمِلَ قَوْلُهُ فِي غَيْرِ حَدٍّ إلَخْ سَائِرَ الْمُجْتَهَدَاتِ مِنْ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ الْمُضَافَةِ كَمَا سَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَكَمَيْنِ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ حُكْمِهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَقَلَّدَ مِنْ جِهَتِهِمَا فَكَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَزْلُهُ وَهُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْجَائِزَةِ فَيَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِنَقْضِهِ كَالْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ حَكَمَ لَزِمَهُمَا) لِصُدُورِهِ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُهُ بِعَزْلِهِمَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لَزِمَهُمَا إلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِمَا فَلَوْ حَكَّمَاهُ فِي عَيْبِ مَبِيعٍ فَقَضَى بِرَدِّهِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالْمُشْتَرِي عَلَى تَحْكِيمِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِي فَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا بَيْنَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي الْمُوَلَّى وَإِنْ كَانَا يَفْتَرِقَانِ فِي شَيْءٍ آخَرَ لَكِنْ هَذَا شَيْءٌ يُعْلَمُ وَلَا يُفْتَى بِهِ اهـ.

وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا امْتَنَعُوا مِنْ هَذِهِ الْفَتْوَى وَقَالُوا لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ حُكْمِ الْمَوْلَى كَالْحُدُودِ كَيْ لَا يَتَجَاسَرَ الْعَوَامُّ. اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا يُفْتَى بِهِ لَا يُكْتَبُ عَلَى الْفَتْوَى وَلَا يُجَابُ بِاللِّسَانِ بِالْحِلِّ وَإِنَّمَا يَسْكُتُ الْمُفْتِي كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى بِقَوْلِهِ نَكْتُمُ هَذَا الْفَصْلَ وَلَا نُفْتِي بِهِ وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُفْتِيَ يُجِيبُ بِقَوْلِهِ لَا يَحِلُّ فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ وَفِي الْقُنْيَةِ لَيْسَ لِلْمُحَكَّمِ أَنْ يَحْكُمَ بِشَيْءٍ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الصَّغِيرِ يَعْنِي إذَا ادَّعَى عَلَى وَصِيِّهِ ثُمَّ رَقَمَ لِآخَرَ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ.

وَقَالَ حِمْيَرُ الْوَبَرِيُّ إنْ كَانَ فِي حُكْمِ الْمُحَكَّمِ نَظَرٌ لِلصَّبِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ وَيَنْفُذَ حُكْمُهُ وَيَكُونَ بِمَنْزِلَةِ صُلْحِ الْوَصِيِّ وَلَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُ الْمُحَكَّمِ غُرَمَاءَ الصَّبِيِّ مَسَّ صَهَرْته بِشَهْوَةٍ فَانْتَشَرَ لَهَا فَحَكَّمَ الزَّوْجَانِ رَجُلًا لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِالْحِلِّ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يَصِيرُ حَكَمًا بَيْنَهُمَا لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ حُكْمَ الْحَكَمِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يَنْفُذُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ لَمْ أَرَ حُكْمَ التَّحْكِيمِ فِي اللِّعَانِ) قَالَ أَبُو السُّعُودِ نَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ أَنَّ الْمُحَكَّمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ (قَوْلُهُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>