للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدَّمْنَاهُ فَإِنْ هَدَمَهُ أُجْبِرَ عَلَى بِنَائِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى عَلَى صَاحِبِ الْعُلْوِ بِهَدْمِ مَا هُوَ قَرَارُ الْعُلْوِ كَالرَّاهِنِ إذَا قَتَلَ الْمَرْهُونَ وَالْمَوْلَى إذَا قَتَلَ عَبْدَهُ الْمَدْيُونَ فَرْقٌ بَيْنَ حَقِّ التَّعَلِّي وَبَيْنَ حَقِّ التَّسْيِيلِ حَيْثُ لَوْ هَدَمَ فِي الْأَوَّلِ يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ وَلَوْ هَدَمَ فِي الثَّانِي لَا يُجْبَرُ وَفِي الذَّخِيرَةِ السُّفْلُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ وَعُلْوٌ لِآخَرَ فَسَقْفُ السُّفْلِ وَجُذُوعُهُ وَهَرَادِيهِ وَبِوَارِيهِ وَطِينُهُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْعُلْوِ مَسْكَنُهُ فِي ذَلِكَ اهـ.

وَذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ أَنَّ الْهَرَادِيَّ مَا يُوضَعُ فَوْقَ السَّقْفِ إمَّا مِنْ قَصَبٍ أَوْ مِنْ عَرِيشٍ وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ أَنَّهُ الْمُكَعَّبُ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لِكُلٍّ مِنْ صَاحِبِ السُّفْلِ وَالْعُلْوِ حَقٌّ فِي مِلْكِ الْآخَرِ لِذِي الْعُلْوِ حَقُّ قَرَارِهِ وَلِذِي السُّفْلِ حَقُّ دَفْعِ الْمَطَرِ وَالشَّمْسِ عَنْ السُّفْلِ فَالْمِلْكُ مُطْلَقٌ وَالْحَقُّ مَانِعٌ وَقَدْ اجْتَمَعَا فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا وَتَمَامُهُ فِيهِ وَفِي الْحَائِطِ بَيْنَ اثْنَيْنِ لَوْ كَانَ لَهُمَا عَلَيْهِ خَشَبٌ فَبَنَى أَحَدُهُمَا لَلَبَّانِي أَنْ يَمْنَعَ الْآخَرَ مِنْ وَضْعِ الْخَشَبِ حَتَّى يُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ مَبْنِيًّا وَفِي الْأَقْضِيَةِ حَائِطٌ مُشْتَرَكٌ أَرَادَ أَحَدُهُمَا نَقْضَهُ وَأَبَى الشَّرِيكُ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يُخَافُ سُقُوطُهُ لَا يُجْبَرُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُخَافُ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ يُجْبَرُ وَإِنْ هَدَمَاهُ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الْبِنَاءَ وَأَبِي الْآخَرَانِ كَانَ أَسَاسُ الْحَائِطِ عَرِيضًا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْنِيَ حَائِطًا فِي نَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لَا يُجْبَرُ الشَّرِيكُ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ يُجْبَرُ كَذَا عَنْ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَتَفْسِيرُ الْجَبْرِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِقْهُ الشَّرِيكُ أَنْفَقَ عَلَى الْعِمَارَةِ وَرَجَعَ عَلَى الشَّرِيكِ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقَ وَفِي شَهَادَاتِ الْفَضْلَيْ لَوْ هَدَمَاهُ وَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ وَلَوْ انْهَدَمَ لَا يُجْبَرُ وَلَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ فِيهِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ بِلَا قَضَاءٍ فَبِنِصْفِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ هَدَمَ ذُو السُّفْلِ سُفْلَهُ وَذُو الْعُلْوِ عُلْوَهُ أُخِذَ ذُو السُّفْلِ بِبِنَاءِ سُفْلِهِ إذْ فَوَّتَ عَلَيْهِ حَقًّا أُلْحِقَ بِالْمِلْكِ فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ فَوَّتَ عَلَيْهِ مِلْكًا. اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا جَبْرَ عَلَى ذِي الْعُلْوِ وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ خِلَافُهُ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي وَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا بَنَى صَاحِبُ السُّفْلِ سُفْلَهُ وَطَلَبَ مِنْ ذِي الْعُلْوِ بِنَاءَ عُلْوِهِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ وَلَوْ انْهَدَمَ السُّفْلُ بِغَيْرِ صُنْعِ صَاحِبِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي وَلِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ إنْ شَاءَ وَيَبْنِي عَلَيْهِ عُلْوَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ وَيَمْنَعُهُ مِنْ السُّكْنَى حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُضْطَرًّا كَمُسْتَعِيرِ الرَّهْنِ إذَا قَضَى الدَّيْنَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَلَوْ انْهَدَمَ الْعُلْوُ وَالسُّفْلُ فَكَذَلِكَ ثُمَّ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ أَوْ بِمَا أَنْفَقَ قِيلَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الْعُلْوِ مُضْطَرًّا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِ السُّفْلِ بِقِيمَةِ السُّفْلِ مَبْنِيًّا لَا بِمَا أَنْفَقَ وَقِيلَ إنْ بَنَى بِأَمْرِ الْقَاضِي رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ وَإِلَّا رَجَعَ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَبِهِ يُفْتَى كَذَا فِي قِسْمَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَإِذْنُ الشَّرِيكِ كَإِذْنِ الْقَاضِي فَيَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ كَمَا حَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ.

وَإِذَا قُلْنَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ فَهَلْ الْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْبِنَاءِ أَوْ وَقْتَ الرُّجُوعِ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ وَقْتَ الْبِنَاءِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَبْنَى يُبْنَى عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ أَوْ عَلَى مِلْكِ الْبَانِي ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْهُ أَيْضًا وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ جِدَارٌ بَيْنَهُمَا وَلِكُلٍّ -

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَإِنْ هَدَمَهُ أُجْبِرَ عَلَى بِنَائِهِ إلَخْ) قَيَّدَ بِهَدْمِهِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْهَدَمَ لَا يُجْبَرُ بِدَلِيلِ مَا سَيَذْكُرُهُ قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ انْهَدَمَ السُّفْلُ بِغَيْرِ صُنْعِ صَاحِبِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي إلَخْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ هَدْمُهُ فَلَوْ هَدَمَهُ يُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدٍّ عَلَى صَاحِبِ الْعُلْوِ وَهَذَا أَصْلٌ كُلِّيٌّ كُلُّ مَنْ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ مَعَ شَرِيكِهِ فَإِذَا فَعَلَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِ شَرِيكِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ؛ لِأَنَّ لَهُ طَرِيقًا وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ بِالْمُشَارَكَةِ فِي الْفِعْلِ كَنَهْرٍ بَيْنَهُمَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ كَرْيِهِ وَكَرَى الْآخَرُ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي فِي آخِرِ الْقَوْلَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ كَانَ لَا يُجْبَرُ لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا كَعُلْوٍ لِرَجُلٍ وَسُفْلٍ لِآخَرَ سَقَطَ السُّفْلُ فَبَنَاهُ الْآخَرُ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ صَاحِبُ السُّفْلِ عَلَى بِنَائِهِ فَكَانَ فِي بِنَائِهِ إيَّاهُ مُضْطَرًّا لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ إلَخْ فَثَبَتَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْهَدْمِ وَالِانْهِدَامِ فَتَنَبَّهْ.

(قَوْلُهُ فَسَقْفُ السُّفْلِ وَجُذُوعُهُ وَهَرَادِيهِ إلَخْ) قَالَ مُنْلَا عَلِيٌّ التُّرْكُمَانِيُّ فِي مَجْمُوعَتِهِ الْفِقْهِيَّة وَتَطْيِينُهُ لَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَّا ذُو الْعُلْوِ فَلِعَدَمِ وُجُوبِ إصْلَاحِ مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا ذُو السُّفْلِ فَلِعَدَمِ إجْبَارِهِ عَلَى إصْلَاحِ مِلْكِهِ وَإِنْ زَالَ الطِّينُ عَنْهُ بِتَعَدِّي السَّاكِنِ وَجَبَ الضَّمَانُ وَإِلَّا لَا كَذَا أَفْتَى الْعَلَّامَةُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي فَتَاوِيهِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى مَوْلَانَا حَامِدٌ أَفَنْدِي وَفِيهَا أَيْضًا وَأَجَابَ الشَّيْخُ اللُّطْفِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ سَقْفُ السُّفْلِ لِصَاحِبِ السُّفْلِ غَيْرَ أَنَّ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ حَقُّ السُّكْنَى وَالْمَقَامُ عَلَيْهِ وَمَرَمَّةُ ذَلِكَ السَّقْفِ مِنْ تَطْيِينٍ وَغَيْرِهِ تَلْزَمُهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي) أَرَادَ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لِذِكْرِهِ بَعْدَ كَلَامِ الْفَتْحِ السَّابِقِ وَقَوْلُهُ وَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا بَنَى إلَخْ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ هَدَمَاهُ وَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ وَيُخَالِفُ هَذَا الْحَمْلُ مَا قَدَّمَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ سَقْفَ السُّفْلِ وَجُذُوعَهُ وَهَرَادِيهُ وَبِوَارِيهِ وَطِينَهُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَعَلَيْهِ فَلَا يُجْبَرُ صَاحِبُ الْعُلْوِ عَلَى الْبِنَاءِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ فِي تَرْكِهِ بَلْ فِيهِ نَفْعُ التَّخْفِيفِ عَنْ سَقْفِهِ تَأَمَّلْ ثُمَّ ظَهَرَ لِي عَدَمُ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ مَا فِي الْفَتْحِ وَبَيْنَ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ فِي الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ وَمَا فِي الْجَامِعِ فِي السُّفْلِ وَالْعُلْوِ وَالْفَرْقُ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>