وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ كَفَلَ بِثَمَنٍ أَوْ مَهْرٍ ثُمَّ الْكَفِيلُ بَرْهَنَ عَلَى فَسَادِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْتِزَامِ الْمَالِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِصِحَّةِ سَبَبِ وُجُوبِ الْمَالِ فَلَا تُسْمَعُ مِنْهُ بَعْدَهُ دَعْوَى الْفَسَادِ وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى إيفَاءِ الْأَصِيلِ أَوْ عَلَى إبْرَائِهِ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ تَقْرِيرٌ لِلْوُجُوبِ السَّابِقِ كَفَلَ عَنْهُ بِأَلْفٍ لِرَجُلٍ يَدَّعِيهِ فَبَرْهَنَ الْكَفِيلُ أَنَّ الْأَلْفَ الْمُدَّعَاةَ ثَمَنُ خَمْرٍ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ قَالَ الْكَفِيلُ الْأَلْفُ الْمُدَّعَاةُ قِمَارٌ أَوْ ثَمَنُ خَمْرٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا لَا يَجِبُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمَكْفُولِ لَهُ وَهُوَ يَجْحَدُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الطَّالِبَ وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ الطَّالِبُ عِنْدَ الْقَاضِي بَرِئَ الْأَصِيلُ وَالْكَفِيلُ جَمِيعًا اهـ.
أَقُولُ: لَا يُقَالُ لَمَّا بَرِئَا بِإِقْرَارِهِ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَةُ إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تُسْمَعُ عِنْدَ صِحَّةِ الدَّعْوَى وَقَدْ بَطَلَتْ هُنَا لِلتَّنَاقُضِ؛ لِأَنَّ كَفَالَتَهُ إقْرَارٌ بِصِحَّتِهَا اهـ.
وَفِي الِاخْتِيَارِ كُلُّ قَوْلَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ صَدَرَا مِنْ الْمُدَّعِي عِنْدَ الْحَاكِمِ فَإِنْ أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ قُبِلَ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ كَمَا إذَا صَدَرَ مِنْ الشُّهُودِ وَكُلُّ مَا أَثَّرَ فِي قَدْحِ الشَّهَادَةِ أَثَّرَ فِي مَنْعِ اسْتِمَاعِ الدَّعْوَى اهـ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ بَاعَهُ أَمَتَهُ فَقَالَ لَمْ أَبِعْهَا مِنْك قَطُّ فَبَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ أَنَّهُ بَرِئَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ تُقْبَلْ) لِلتَّنَاقُضِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَرَاءَةِ تَغْيِيرٌ لِلْعَقْدِ مِنْ اقْتِضَاءِ وَصْفِ السَّلَامَةِ إلَى غَيْرِهِ فَيَقْتَضِي وُجُودَ الْعَقْدِ وَقَدْ أَنْكَرَهُ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ قَدْ يُقْضَى وَيُبْرَأُ مِنْهُ دَفْعًا لِلدَّعْوَى الْبَاطِلَةِ وَمَا فِي الْكِتَابِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْكُلِّ وَحَكَى الْخَصَّافُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْبَلُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِأَنْ بَاعَهَا وَكِيلُهُ وَأَبْرَأَهُ عَنْ الْعَيْبِ وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ شَخْصٍ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ فَأَقَامَ الْمُنْكِرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ رَدَّ الْمَبِيعَ عَلَيَّ تُقْبَلُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إمْكَانِ التَّوْفِيقِ.
هَكَذَا عَزَا هَذَا الْفَرْعَ الشَّارِحُ إلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ عَلَى أَنَّهُ نَقْلُ الْمَذْهَبِ فَقَالَ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْكَرَ الشِّرَاءَ فَلَمَّا أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ ادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ رَدَّهَا عَلَيْهِ يَعْنِي أَقَالَهَا يُسْمَعُ هَذَا الدَّفْعُ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الْإِقَالَةَ وَلَكِنْ يَدَّعِي إيفَاءَ الثَّمَنِ أَوْ الْإِبْرَاءَ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ صَارَتْ وَاقِعَةٌ بِسَمَرْقَنْدَ صُورَتُهَا ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى كَذَا مِنْ الْمَهْرِ وَطَالَبَتْهُ بِالْمَهْرِ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ النِّكَاحَ أَصْلًا فَلَمَّا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّكَاحِ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ خَالَعَهَا عَلَى الْمَهْرِ تُسْمَعُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ زَوَّجَهَا مِنْهُ أَبُوهُ وَهُوَ صَغِيرٌ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَلْفًا وَدِيعَةً فَأَنْكَرَ فَلَمَّا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِيدَاعِ ادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ إنْ قَالَ أَوَّلًا لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ يُسْمَعُ وَإِنْ قَالَ مَا أَوْدَعْتنِي أَصْلًا لَا يُسْمَعُ. اهـ.
وَاسْتَشْكَلَ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ الْبَيِّنَةُ فِيهَا وِفَاقًا خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُكَذِّبًا شَرْعًا بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي فَلَحِقَ إنْكَارُهُ بِالْعَدَمِ فَصَارَ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ مِنْ أَنَّ رَجُلًا لَوْ بَرْهَنَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ أَلْفًا وَهَذَا كَفِيلُهُ بِأَمْرِهِ يَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْغَائِبِ وَلَوْ أَنْكَرَ الْكَفَالَةَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُكَذِّبًا شَرْعًا فِي إنْكَارِهِ فَلَحِقَ بِالْعَدَمِ قَالَ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِأَدَائِهِ ثَمَّةَ حُكْمٌ بِالرُّجُوعِ أَيْضًا فَلَا حَاجَةَ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ثَانِيًا عَلَى كَفَالَتِهِ لِثُبُوتِهَا أَوَّلًا وَهُنَا الْحُكْمُ بِالشِّرَاءِ لَيْسَ بِحُكْمٍ بِالْبَرَاءَةِ وَالْإِيفَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَى فَيُبْطِلُهُ التَّنَاقُضُ فَافْتَرَقَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَدَّ بِأَنَّ إنْكَارَهُ لَمَّا لَحِقَ بِالْعَدَمِ لِمَا مَرَّ لَا يَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ لِعَدَمِ إنْكَارِهِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ الدَّعْوَى عَلَى أَصْلٍ مِنْ الْعُدَّةِ أَنْكَرَ الْبَيْعَ فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي فَادَّعَى الْبَائِعُ إقَالَةً يُسْمَعُ هَذَا الدَّفْعُ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الْإِقَالَةَ وَلَكِنْ ادَّعَى إيفَاءَ الثَّمَنِ أَوْ الْإِبْرَاءَ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ. اهـ.
وَقَدْ أَجَبْنَا عَنْهُ فِي حَاشِيَتِنَا عَلَيْهِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُقِرَّ إنَّمَا يَصِيرُ مُكَذَّبًا شَرْعًا إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِمَا يُخَالِفُ إقْرَارَهُ وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالْبَيْعِ حَتَّى تَنَاقَضَ الْخَصْمُ فَلَمْ يَكُنْ مُكَذِّبًا شَرْعًا كَمَا لَا يَخْفَى وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُؤَلِّفِ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ بِدَعْوَى الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْإِنْكَارِ لِأَصْلِ الْبَيْعِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ دَعْوَى الْإِقَالَةِ وَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِيمَا -
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ مِنْ الْعُدَّةِ) لَفْظُ الْعُدَّةِ رَمْزُ كِتَابٍ وَمَا بَعْدَهُ نَقْلٌ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَقَدْ أَجَبْنَا عَنْهُ فِي حَاشِيَتِنَا عَلَيْهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَعَلَيْك أَنْ تَتَأَمَّلَ فِي هَذَا الْجَوَابِ اهـ.
أَيْ فَإِنَّ الْقَضَاءَ بِالشِّرَاءِ قَضَاءٌ بِالْبَيْعِ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِالْبَيْعِ وَأَقُولُ: الْجَوَابُ النَّافِعُ إنْ شَاءَ اللَّهُ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ كِتَابِ نُورِ الْعَيْنِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ الْكَفِيلَ لَمَّا الْتَحَقَ زَعْمُهُ بِالْعَدَمِ وَثَبَتَ خِلَافُهُ وَهُوَ كَوْنُهُ كَفِيلًا لَمْ يَسْعَ فِي إعَادَةِ زَعْمِهِ وَلَمْ يُرِدْ نَقْضَ الْبَيِّنَةِ بَلْ رَضِيَ بِمُوجَبِهَا حَتَّى جَعَلَهُ مَبْنًى لِدَعْوَاهُ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَصِيلِ، وَأَمَّا الْبَائِعُ فِي مَسْأَلَتِنَا فَقَدْ سَعَى فِي إعَادَةِ مَا آلَ زَعْمُهُ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ بَعْدَ الْتِحَاقِهِ بِالْعَدَمِ بِثُبُوتِ خِلَافِهِ وَأَرَادَ نَقْضَ مَا أَثْبَتَهُ الْبَيِّنَةُ وَهُوَ عَدَمُ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ فَهَذَا فَرْقٌ وَاضِحٌ حَقٌّ وَكَذَا يُقَالُ فِي دَعْوَى الْإِقَالَةِ؛ لِأَنَّهَا فَسْخٌ لِلْعَقْدِ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْخَصْمُ بِالْبَيِّنَةِ فَفِيهِ تَقْرِيرٌ لِمُوجَبِهَا وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي مَسْأَلَةِ الْبَزَّازِيَّةِ الْأَخِيرَةِ فَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ يَنْفَعُك فِي كَثِيرٍ مِنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ