للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى عَلَيْهِ شِرَاءَ عَبْدِهِ فَأَنْكَرَ فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ فَادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ تُسْمَعُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا فِي إنْكَارِ الْبَيْعِ فَارْتَفَعَ التَّنَاقُضُ بِتَكْذِيبِ الشَّرْعِ كَمَا ارْتَفَعَ بِتَصْدِيقِ الْخَصْمِ اهـ.

وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَلَوْ قَالَ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك فَلَمَّا بَرْهَنَتْ عَلَى النِّكَاحِ بَرْهَنَ هُوَ عَلَى الْخُلْعِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَلَوْ قَالَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا نِكَاحٌ قَطُّ أَوْ قَالَ لَمْ أَتَزَوَّجْهَا قَطُّ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا وَمَسْأَلَةُ الْعَيْبِ سَوَاءً وَثَمَّةَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْعَيْبِ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْعَيْبِ إقْرَارٌ بِالْبَيْعِ فَكَذَا الْخُلْعُ يَقْتَضِي سَابِقَةَ النِّكَاحِ فَيَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ. اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّنَاقُضَ بَيْنَ الدَّعْوَتَيْنِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْقَاضِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْأَجْنَاسِ وَالصُّغْرَى ادَّعَى مَحْدُودًا بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ مِلْكًا مُطْلَقًا لَا يُسْمَعُ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى الْأُولَى عِنْدَ الْقَاضِي فَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ عِنْدَ الْقَاضِي فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ قَالَ الْبَزَّازِيُّ وَهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرُوا أَنَّ التَّنَاقُضَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ كِلَا الدَّعْوَتَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي فَأَمَّا مَنْ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي عِنْدَ الْقَاضِي يَكْفِي فِي تَحْقِيقِ التَّنَاقُضِ كَوْنُ الثَّانِي عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ قَالَ فِي فَصْلِ الدَّفْعِ وَفِي الْمُحِيطِ ادَّعَى عَلَى آخَرَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ بِالشِّرَاءِ أَوْ الْإِرْثِ ثُمَّ ادَّعَاهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ مُطْلَقًا إنْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ مَعْرُوفٍ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ ادَّعَاهُ مِنْ مَجْهُولٍ ثُمَّ الْمُطْلَقُ عِنْدَ الْحَاكِمِ تُقْبَلُ دَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّنَاقُضِ كَوْنُ الْمُتَدَافِعَيْنِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بَلْ يَكْتَفِي بِكَوْنِ الثَّانِي فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ. اهـ.

وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُتَنَاقِضَيْنِ إذَا قَالَ تَرَكْت الْكَلَامَ الْأَوَّلَ وَاسْتَقَرَّ عَلَى الثَّانِي يُقْبَلُ مِنْهُ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي الذَّخِيرَةِ ادَّعَاهُ مُطْلَقًا فَدَفَعَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّك كُنْت ادَّعَيْته قَبْلَ هَذَا مُقَيَّدًا وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُدَّعِي أَدَّعِيهِ الْآنَ بِهَذَا السَّبَبِ وَتَرَكْت الْمُطْلَقَ يُقْبَلُ وَيَبْطُلُ الدَّفْعُ اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّنَاقُضَ الْمَانِعَ إمَّا أَنْ يَسْمَعَ الْحَاكِمُ الْكَلَامَيْنِ أَوْ يَسْمَعَ الثَّانِيَ فَيَدْفَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا كَذَا يُرِيدُ دَفْعَهُ فَيُنْكِرَ فَيُبَرْهِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ فَيَثْبُتَ التَّنَاقُضُ وَهَذَا هُوَ طَرِيقُ دَفْعِ الدَّعْوَى وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُخَمَّسَةِ مِنْ الدَّعْوَى وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ أَبَاك أَوْصَى لِي بِثُلُثِ مَالِهِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْوَصِيَّةَ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّ أَبِي رَجَعَ عَنْ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ قِيلَ لَا يَصِحُّ هَذَا الدَّفْعُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ صَحِيحٌ وَكَذَا لَوْ بَرْهَنَ عَلَى جُحُودِ أَبِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجُحُودَ رُجُوعٌ اهـ.

وَفِيهَا ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى وَرَثَةِ زَوْجِهَا الْمَهْرَ فَأَنْكَرُوا نِكَاحَهَا فَبَرْهَنَتْ فَدَفَعُوا بِأَنَّهَا كَانَتْ أَبْرَأَتْ أَبَانَا فِي حَيَاتِهِ إنْ قَالُوا أَبْرَأَتْهُ عَنْ الْمَهْرِ لَا يَصِحُّ لِلتَّنَاقُضِ وَإِنْ قَالُوا أَبْرَأَتْهُ عَنْ دَعْوَى الْمَهْرِ صَحَّ اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ ثَمَنَ جَارِيَةٍ بِشَرَائِطَ وَعَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهَا فَقَالَ كَانَتْ الْأَلْفُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ ادَّعَى كَوْنَهَا وَدِيعَةً فَعَجَزَ فَادَّعَى كَوْنَهَا قَرْضًا تُقْبَلُ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ الصَّكُّ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) أَيْ يَبْطُلُ مَكْتُوبُ الشِّرَاءِ أَوْ الْإِقْرَارِ وَنَحْوِهِمَا إذَا كُتِبَ فِي آخِرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ لِكَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مُبْطِلًا وَفِي الصِّحَاحِ الصَّكُّ كِتَابٌ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَالْجَمْعُ أَصُكٌّ وَصِكَاكٌ وَصُكُوكٌ اهـ.

أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا اشْتَمَلَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَأَشْيَاءَ وَفِي الثَّانِي الِاخْتِلَافُ قَالَ الْإِمَامُ إذَا كُتِبَ بَيْعٌ وَإِقْرَارٌ وَإِجَارَةٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ ثُمَّ كُتِبَ فِي آخِرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَطَلَ الْكُلُّ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ الْكُلَّ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ بِحُكْمِ الْعَطْفِ وَبَطَلَ الْأَخِيرُ عِنْدَهُمَا فَقَطْ اسْتِحْسَانًا لِانْصِرَافِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى مَا يَلِيهِ؛ لِأَنَّ الصَّكَّ لِلِاسْتِيثَاقِ وَكَذَا الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الِاسْتِيثَاقُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ كَالنُّطْقِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ اتِّصَالِ الْمَشِيئَةِ فَلَوْ تَرَكَ فُرْجَةً فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ اتِّفَاقًا كَالسُّكُوتِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَشِيئَةَ إذَا ذُكِرَتْ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ بِالْوَاوِ كَقَوْلِهِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ فَيَبْطُلُ الْكُلُّ فَمَشَى أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى حُكْمِهِ وَهُمَا أَخْرَجَا صُورَةَ كَتْبِ الصَّكِّ مِنْ عُمُومِهِ بِعَارِضٍ اقْتَضَى تَخْصِيصَ الصَّكِّ مِنْ عُمُومِ حُكْمِ الشَّرْطِ الْمُتَعَقِّبِ جُمَلًا مُتَعَاطِفَةً لِلْعَادَةِ وَعَلَيْهَا يُحْمَلُ الْحَادِثُ وَلِذَا كَانَ قَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانًا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْقَاضِي) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُتَنَاقِضَ إذَا قَالَ تَرَكْت الْكَلَامَ الْأَوَّلَ إلَخْ) قَدَّمَ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ إلَخْ وَالْأَوْلَى مَا عَبَّرَ بِهِ فِي فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُتَنَاقِضَ الَّذِي لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إذَا قَالَ تَرَكْت أَحَدَ الْكَلَامَيْنِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ اهـ.

لِأَنَّ قَوْلَهُ هُنَا إذَا قَالَ تَرَكْت الْكَلَامَ الْأَوَّلَ إلَخْ لَا يُوَافِقُهُ كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ إنَّ كَلَامَ الْبَزَّازِيَّةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ بَلْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْجُزْئِيَّةِ وَفِي الْحَقِيقَةِ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِطْلَاقِ إلَى التَّقْيِيدِ مِنْ قَبِيلِ التَّوْفِيقِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْخَانِيَّةِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَرَدْت بِهَذَا الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ الْمِلْكَ بِذَلِكَ السَّبَبِ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>