وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَالَ تَعَمَّدْت النَّظَرَ أَمَّا إذَا شَهِدَ بِالْوِلَادَةِ وَقَالَ فَاجَأْتُهَا فَاتَّفَقَ نَظَرِي عَلَيْهَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ وَإِنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ.
(قَوْلُهُ وَلِغَيْرِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) لِلْآيَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَالَ وَغَيْرَهُ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّسَبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ الْقَبُولُ لِوُجُودِ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ أَهْلِيَّةُ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الْمُشَاهَدَةُ وَالضَّبْطُ وَالْأَدَاءُ وَنُقْصَانُ الضَّبْطِ بِزِيَادَةِ النِّسْيَانِ انْجَبَرَ بِضَمِّ الْأُخْرَى إلَيْهَا فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الشُّبْهَةُ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَهَذِهِ الْحُقُوقُ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ وَإِنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَرْبَعِ مِنْ غَيْرِ رَجُلٍ كَيْ لَا يَكْثُرَ خُرُوجُهُنَّ وَحُكِيَ أَنَّ أُمَّ بِشْرٍ شَهِدَتْ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَقَالَ الْحَاكِمُ فَرِّقُوا بَيْنَهُمَا فَقَالَتْ لَيْسَ لَك ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: ٢٨٢] فَسَكَتَ الْحَاكِمُ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَقَدْ حَقَّقَ الْأَكْمَلُ فِي الْعِنَايَةِ هُنَا تَحْقِيقًا حَسَنًا كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فَقَالَ لَا نُقْصَانَ فِي عَقْلِهِنَّ فِيمَا هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ وَبَيَانُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لِلنَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ أَرْبَعَ مَرَاتِبَ: الْأُولَى اسْتِعْدَادُ الْعَقْلِ وَيُسَمَّى الْعَقْلُ الْهَيُولَانِيُّ وَهُوَ حَاصِلٌ لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَبْدَأِ فِطْرَتِهِمْ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ يُحَصِّلَ الْبَدِيهِيَّاتِ بِاسْتِعْمَالِ الْحَوَاسِّ فِي الْجُزْئِيَّاتِ فَتَتَهَيَّأَ لِاكْتِسَابِ الْفِكْرِيَّاتِ وَيُسَمَّى الْعَقْلَ بِالْمَلَكَةِ وَهُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ، وَالثَّالِثَةُ أَنْ تُحَصِّلَ النَّظَرِيَّاتِ الْمَفْرُوغَ عَنْهَا مَتَى شَاءَ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إلَى اكْتِسَابٍ بِالْفِكْرَةِ وَيُسَمَّى الْعَقْلَ بِالْفِعْلِ، وَالرَّابِعَةُ هُوَ أَنْ يَسْتَحْضِرَهَا وَيَلْتَفِتَ إلَيْهَا مُشَاهَدَةً وَيُسَمَّى الْعَقْلَ الْمُسْتَفَادَ وَلَيْسَ فِيمَا هُوَ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ مِنْهَا وَهُوَ الْعَقْلُ بِالْمَلَكَةِ فِيهِنَّ نُقْصَانٌ بِمُشَاهَدَةِ حَالِهِنَّ فِي تَحْصِيلِ الْبَدِيهِيَّاتِ بِاسْتِعْمَالِ الْحَوَاسِّ فِي الْجُزْئِيَّاتِ وَبِالنِّسْبَةِ إنْ ثَبَتَتْ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ نُقْصَانٌ لَكَانَ تَكْلِيفُهُنَّ دُونَ تَكْلِيفِ الرِّجَالِ فِي الْأَرْكَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَاقِصَاتُ عَقْلٍ» الْمُرَادُ بِهِ الْعَقْلُ بِالْفِعْلِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَصْلُحْنَ لِلْوِلَايَةِ وَالْخِلَافَةِ وَالْإِمَارَةِ اهـ.
وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ التَّوْضِيحِ وَمِثْلُ الْأَوَّلِ فِي التَّلْوِيحِ بِقُوَّةِ الطِّفْلِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالثَّانِي بِاسْتِعْدَادِ الرَّجُلِ الْأُمِّيِّ لِلْكِتَابَةِ وَالثَّالِثُ بِاسْتِعْدَادِ الْقَادِرِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالرَّابِعُ بِقُدْرَتِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ حَالَةَ الْكِتَابَةِ أُورِدَتْ عَلَى قَوْلِهِ وَلِغَيْرِهَا الشَّهَادَةُ بِإِسْلَامِ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ وَكَأَنَّهُ لِكَوْنِهَا تَجُرُّ إلَى قَتْلِهِ إذَا أَصَرَّ عَلَى كُفْرِهِ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ وَقَيَّدَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِالرَّجُلِ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ امْرَأَةً فَإِنَّهَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ بِإِسْلَامِهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ إذَا كَانَ رَجُلًا لَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَلَا الْكُفَّارِ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِرِدَّةِ الْمُسْلِمِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْعِنَايَةِ مِنْ السِّيَرِ.
(قَوْلُهُ لِلْكُلِّ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَالْعَدَالَةِ) أَيْ وَشَرَطَ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا لَفْظَ أَشْهَدُ بِالْمُضَارِعِ فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَهَا وَقَدَّمْنَا أَنَّ لَفْظَهَا رُكْنٌ فَالْمُرَادُ بِالشَّرْطِ هُنَا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِيَشْمَلَ الرُّكْنَ وَالشَّرْطَ وَقَدْ أَفَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظِهَا فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ أَيْضًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِلْعِرَاقِيِّينَ لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَهَا مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ لَا الشَّهَادَةِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ يُشْتَرَطُ لَهَا الْحُرِّيَّةُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطٍ آخَرَ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا وَهُوَ التَّفْسِيرُ حَتَّى لَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِمِثْلِ شَهَادَتِهِ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ مِثْلَ شَهَادَةِ صَاحِبِي لَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْخَصَّافِ وَعِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا تُقْبَلُ وَقَيَّدَهُ الْأُوزْجَنْدِيُّ بِمَا إذَا قَالَ لِهَذَا الْمُدَّعِي عَلَى هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبِهِ يُفْتَى كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ إنْ كَانَ فَصِيحًا لَا يُقْبَلُ مِنْهُ الْإِجْمَالُ وَإِنْ كَانَ عَجَمِيًّا يُقْبَلُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ إنْ اُسْتُفْسِرَ بَيَّنَ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ إنْ أَحَسَّ الْقَاضِي بِخِيَانَتِهِ كَلَّفَهُ التَّفْسِيرَ وَإِلَّا لَا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ لَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي أَوْ وَكِيلُهُ فَقَالَ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ بِمَا ادَّعَاهُ هَذَا الْمُدَّعِي عَلَى هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ قَالَ الْمُدَّعِي فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ يَصِحُّ عِنْدَنَا اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَبِعَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرَهُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ كَلَفْظِ الشَّهَادَةِ تَسْوِيَةً مِنْهُمْ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الشَّهَادَةِ شَرْطٌ
ــ
[منحة الخالق]
ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ.
(قَوْلُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَالَ وَغَيْرَهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَالشَّهَادَةُ عَلَى قَتْلِ الْخَطَأِ وَمَا لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ مِنْ قَبِيلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَالِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِقَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ بِقَتْلٍ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ تُقْبَلُ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute