فِي السِّرِّ أَنْ يَبْعَثَ الْمَسْتُورَةَ إلَى الْمُعَدِّلِ فِيهَا النَّسَبُ وَالْحُلِيُّ وَالْمُصَلِّي وَيَرُدُّهَا الْمُعَدِّلُ كُلُّ ذَلِكَ فِي السِّرِّ كَيْ لَا يَظْهَرَ فَيُخْدَعَ أَوْ يَقْصِدَ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُعَدِّلِ وَالشَّاهِدِ لِتَنْتَفِي شُبْهَةُ تَعْدِيلِ غَيْرِهِ وَقَدْ كَانَتْ الْعَلَانِيَةُ وَحْدَهَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَوَقَعَ الِاكْتِفَاءُ بِالسِّرِّ فِي زَمَانِنَا تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ وَيُرْوَى عَنْ مُحَمَّدٍ تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ ثُمَّ قِيلَ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْمُعَدِّلُ هُوَ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يُعَدَّلُ وَقِيلَ يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ ثَابِتَةٌ بِأَصْلِ الدَّارِ وَهَذَا أَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَسْأَلُ فِي السِّرِّ وَقَدْ تُرِكَتْ التَّزْكِيَةُ فِي الْعَلَانِيَةِ فِي زَمَانِنَا كَيْ لَا يَخْدَعَ الْمُزَكِّي وَلَا يَخُونَ اهـ.
فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ عَلَى خِلَافِ الْمُفْتَى بِهِ وَهُوَ الِاقْتِصَارُ عَلَى السِّرِّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْهِدَايَةِ أَيْضًا وَالْمَسْتُورَةُ اسْمُ الرُّقْعَةِ الَّتِي كَتَبَهَا الْقَاضِي وَيَبْعَثُهَا سِرًّا بِيَدِ أَمِينِهِ إلَى الْمُزَكِّي سُمِّيَتْ الْمَسْتُورَةُ؛ لِأَنَّهَا تُسْتَرُ عَنْ نَظَرِ الْعَوَامّ.
كَذَا فِي النِّهَايَةِ فَمَنْ عَرَفَ الشَّاهِدَ بِالْعَدَالَةِ كَتَبَ تَحْتَ اسْمِهِ هُوَ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ بِشَيْءٍ كَتَبَ هُوَ مَسْتُورٌ وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ لَمْ يُصَرِّحْ بَلْ يَسْكُتُ احْتِرَازًا عَنْ هَتْكِ السَّتْرِ أَوْ يَكْتُبُ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ إلَّا إذَا عَدَّلَهُ غَيْرُهُ وَخَافَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ يَقْضِي الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُصَرِّحُ بِذَلِكَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ وَيَسْأَلُ عَنْ الشُّهُودِ أَيْ عَنْ عَدَالَتِهِمْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَإِنَّمَا قَدَّرْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْأَلُ عَنْ حُرِّيَّةِ الشَّاهِدِ وَإِسْلَامِهِ مَا لَمْ يُنَازِعْهُ الْخَصْمُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ مِنْ أَنَّ النَّاسَ أَحْرَارٌ إلَّا فِي الشَّهَادَةِ وَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَالْعَقْلِ فَإِنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِظَاهِرِ الْحُرِّيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بَلْ يُسْأَلُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ بِالرِّقِّ كَمَا قَيَّدَهُ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَثُبُوتُ حُرِّيَّةِ الشَّاهِدِ إمَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا أَوْ بِالْإِخْبَارِ لِلْقَاضِي كَالْعَدَالَةِ وَالْأَوَّلُ أَحَبُّ وَأَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ لِلشَّهَادَةِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْحُرِّيَّةِ وَتَثْبُتُ بِدُونِ الْعَدَالَةِ وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالرِّقَّ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ تَجْرِي فِيهَا الْخُصُومَةُ وَطَرِيقُ الْإِثْبَاتِ فِي مِثْلِهَا لِلْبَيِّنَةِ فَأَمَّا الْعَدَالَةُ فَلَا تَجْرِي فِيهَا الْخُصُومَةُ فَيُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا بِالسُّؤَالِ عَنْ حَالِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الشَّاهِدِ أَنَّهُ كَافِرٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ الْإِيمَانِ إنْ اتَّهَمَهُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يَشْهَدُ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ وَلَسْت بِكَافِرٍ وَلَوْ سَأَلَهُ الْحَاكِمُ فَذَكَرَ فِي خِلَالِ سُؤَالِهِ مَا لَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ لِلتَّجْرِبَةِ فَهَذَا جَهْلٌ مِنْ الْقَاضِي وَحُمْقٌ وَقَدْ أَسَاءَ فِيمَا فَعَلَ وَلَوْ جُوِّزَ هَذَا كَانَ وَبَالًا عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ خُصُوصًا فِي قُضَاةِ أَهْلِ الرَّسَاتِيقِ فَلَوْ أَنَّهُ تَحَمَّقَ وَفَعَلَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ. اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي السُّؤَالِ عَنْ الشُّهُودِ فَشَمِلَ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ فَيَسْأَلُ عَنْ النَّصْرَانِيِّ إذَا شَهِدَ عَلَى مِثْلِهِ وَفِي فَتَاوَى عُمَرَ قَارِئِ الْهِدَايَةِ تَزْكِيَةُ الذِّمِّيِّ أَنْ يُزَكِّيَهُ بِالْأَمَانَةِ فِي دِينِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَأَنَّهُ صَاحِبُ يَقَظَةٍ اهـ.
وَقَدْ أَخَذَهُ مِنْ فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ وَفِي الْمُلْتَقَطِ نَصْرَانِيٌّ عَدْلٌ ثُمَّ أَسْلَمَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ اهـ. وَفِيهِ إذَا سَكِرَ الذِّمِّيُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ.
وَشَمِلَ السُّؤَالُ عَنْهُ إذَا شَهِدَ حِينَ بَلَغَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْخَانِيَّةِ وَفِي الْمُلْتَقَطِ صَبِيٌّ احْتَلَمَ لَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ مَا لَمْ أَسْأَلْ عَنْهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَتَأَتَّى بَعْدَ الْبُلُوغِ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ فِي قُلُوبِ أَهْلِ مَسْجِدِهِ وَمَحَلَّتِهِ كَمَا فِي الْغَرِيبِ أَنَّهُ صَالِحٌ أَوْ غَيْرُهُ اهـ.
وَفَرَّقَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ كَانَ لَهُ شَهَادَةٌ مَقْبُولَةٌ قَبْلَ إسْلَامِهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَدَالَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ مَا يَقُولُهُ الْمُزَكِّي إذَا سُئِلَ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَقُولُ هُوَ عَدْلٌ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَدِّلَ قَطْعًا وَلَا يَقُولَ هُمْ عُدُولٌ عِنْدِي لِإِخْبَارِ الثِّقَاتِ بِهِ وَلَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُ مِنْهُمْ إلَّا خَيْرًا فَهُوَ تَعْدِيلٌ فِي الْأَصَحِّ وَفِي النَّوَازِلِ التَّعْدِيلُ أَنْ يَقُولَ هُمْ عُدُولٌ عِنْدِي جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا قَالَ الْمُزَكِّي لَا أَعْلَمُ فِيهِ إلَّا خَيْرًا يَكْفِي وَإِذَا جَرَحَ الْجَارِحُ الشُّهُودَ يَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي زِدْنِي شُهُودًا أَوْ يَقُولَ لَمْ تَحْمَدْ شُهُودَك وَيَكْتُبُ الْقَاضِي أَسْمَاءَ الشُّهُودِ أَوَّلًا ثُمَّ اسْمَ مَنْ عُدِّلَ. اهـ.
وَفِي الْمُلْتَقَطِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ التَّزْكِيَةُ أَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ مِنْهُ إلَّا خَيْرًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَسْأَلُ فِي السِّرِّ) قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ تَزْكِيَةَ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ وَتَزْكِيَةُ السِّرِّ أَحْدَثَهَا شُرَيْحٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَغَيْرِهِ وَيَشْكُلُ مَا فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ يَسْأَلُ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ قُلْتُ: يُمْكِنُ إرْجَاعُهُ إلَى قَوْلِهِ يَسْأَلُ أَيْ لَا يَكْتَفِي بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ فَهُوَ تَرْجِيحٌ لِقَوْلِهِمَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قَدَّرْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْأَلُ عَنْ حُرِّيَّةِ الشَّاهِدِ وَإِسْلَامِهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمْنَا أَنَّ سُؤَالَهُ عَنْ الْعَدَالَةِ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ فَنَفَى سُؤَالَهُ عَنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ يَنْفِي الْوُجُوبَ أَيْضًا حَتَّى لَوْ سَأَلَهُ عَنْهُمَا كَانَ حَسَنًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفَرَّقَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَيْنَهُمَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ بَيْنَ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَ وَكَانَ عَدْلًا حَيْثُ تُقْبَلُ وَبَيْنَ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُ وَيَتَأَتَّى بِقَدْرِ مَا يَقَعُ فِي قُلُوبِ أَهْلِ مَسْجِدِهِ وَمَحَلَّتِهِ أَنَّهُ صَالِحٌ