للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمِ الْقَاضِي بِرَدِّ شَهَادَتِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَأَطْلَقَ فِي تَحَمُّلِ الْعَبْدِ فَشَمِلَ مَا إذَا تَحَمَّلَهَا لِمَوْلَاهُ ثُمَّ أَدَّاهَا بَعْدَ عِتْقِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَرَادَ بِالْحُرِّيَّةِ الْحُرِّيَّةَ النَّافِذَةَ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ثُمَّ شَهِدَ هَذَا لَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ مَوْقُوفٌ اهـ.

وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إذَا طَعَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الشُّهُودِ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ فَعَلَى الْمُدَّعِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى حُرِّيَّتِهِمْ وَلَوْ قَالَ هُمَا مَحْدُودَانِ فِي الْقَذْفِ فَعَلَى الطَّاعِنِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ.

(قَوْلُهُ وَالْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ وَلَوْ تَابَ) لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: ٤] وَلِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ لِكَوْنِهِ مَانِعًا فَيَبْقَى بَعْدَ التَّوْبَةِ كَأَصْلِهِ بِخِلَافِ الْمَحْدُودِ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ الرَّدَّ لِلْفِسْقِ وَقَدْ ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْآيَةِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٤] أَوْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى لَكِنْ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي التَّحْرِيرِ الْأَوْجَهُ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ وَقَرَّرَهُ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّ الْمَعْنَى أُولَئِكَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ مَحْكُومٌ عَلَيْهِمْ بِالْفِسْقِ إلَّا التَّائِبِينَ، وَأَمَّا رُجُوعُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْكُلِّ فِي آيَةِ الْمُحَارَبِينَ فَلِدَلِيلٍ اقْتَضَاهُ وَهُوَ قَوْلُهُ {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٣٤] فَإِنَّهُ لَوْ عَادَ إلَى الْأَخِيرِ أَعْنِي قَوْلَهُ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ لَمْ يَبْقَ لَهُ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُهُ مُطْلَقًا فَفَائِدَتُهُ سُقُوطُ الْحَدِّ وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْبَدَائِعِ كُلُّ فَاسِقٍ تَابَ عَنْ فِسْقِهِ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَشَهَادَتُهُ إلَّا اثْنَيْنِ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ وَالْمَعْرُوفَ بِالْكَذِبِ؛ لِأَنَّ مَنْ صَارَ مَعْرُوفًا بِالْكَذِبِ وَاشْتُهِرَ بِهِ لَا يُعْرَفُ صِدْقُهُ مِنْ تَوْبَتِهِ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ إذَا تَابَ عَنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْفِسْقِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ اهـ.

وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تَسْقُطُ مَا لَمْ يُضْرَبْ تَمَامَ الْحَدِّ وَهُوَ صَرِيحُ الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ مَنْ ضُرِبَ الْحَدَّ أَيْ تَمَامًا؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ يَكُونُ تَعْزِيرًا غَيْرَ مُسْقِطٍ لَهَا وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ إنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى صِدْقِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَ أَرْبَعَةً بَعْدَمَا حُدَّ عَلَى أَنَّهُ زَنَى قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَهَا قَبْلَهُ لَمْ يُحَدَّ فَكَذَا لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَتَمَامُهُ فِي الْعَتَّابِيَّةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنَّهُ زَنَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِ الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا أَرْبَعَةً لِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ شَهِدَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى إقْرَارِ الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا يُدْرَأُ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ إلَى آخِرِهِ فَكَذَا إذَا أَقَامَ رَجُلَيْنِ بَعْدَ حَدِّهِ عَلَى إقْرَارِهِ بِالزِّنَا تَعُودُ شَهَادَتُهُ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ لَهُمْ عِنْدَنَا عَائِدٌ إلَى الْمَحْدُودِينَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَى الْقَاذِفِينَ الْعَاجِزِينَ عَنْ الْإِثْبَاتِ كَمَا ذَكَرَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيّ فَلَوْ لَمْ يُحَدَّ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا قَالَهُ وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا ثُمَّ شَهِدَ مَعَ ثَلَاثَةٍ عَلَى أَنَّهُ زَنَى فَإِذَا كَانَ حُدَّ لَمْ يُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ حُدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ

(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُحَدَّ الْكَافِرُ فِي قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ) يَعْنِي فَتُقْبَلَ وَلَوْ كَانَ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ؛ لِأَنَّ لِلْكَافِرِ شَهَادَةً فَكَانَ رَدُّهَا مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ وَبِالْإِسْلَامِ حَدَثَتْ شَهَادَةٌ أُخْرَى وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تُقْبَلُ بَعْدَ إسْلَامِهِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَقَطْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْكَافِي فَإِنْ أَسْلَمَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ ضَرُورَةً وَتَمَامُهُ فِي الْعَتَّابِيَّةِ قَيَّدَ بِالْكَافِرِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا حُدَّ حَدَّ الْقَذْفِ ثُمَّ عَتَقَ حَيْثُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا فِي حَالِ رِقِّهِ فَيَتَوَقَّفُ الرَّدُّ عَلَى حُدُوثِهَا فَإِذَا حَدَثَ كَانَ رَدُّ شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَمَا ضُرِبَ تَمَامَ الْحَدِّ فَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَمَا ضُرِبَ بَعْضَهُ فَضُرِبَ الْبَاقِي بَعْدَ إسْلَامِهِ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ فَإِذَا تَابَ قُبِلَتْ وَفِي رِوَايَةٍ تَبْطُلُ إنْ ضُرِبَ الْأَكْثَرُ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَفِي رِوَايَةٍ وَلَوْ سَوْطًا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَوَضْعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَام لَا يُسْقِطُ حَدَّ الْقَذْفِ وَهَلْ يُسْقِطُ شَيْئًا مِنْ الْحُدُودِ قَالَ الشَّيْخُ عُمَرُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ إذَا سَرَقَ الذِّمِّيُّ أَوْ زَنَى ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُدْرَأُ عَنْهُ وَإِنْ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَأَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَذَلِكَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَفِي الْيَتِيمَةِ مِنْ كِتَابِ السَّيْرِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الصَّبِيِّ إذَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ عَلَيْهِ لِلتَّأْدِيبِ فَبَلَغَ وَنَقَلَ

ــ

[منحة الخالق]

الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْكَافِرِ إذْ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ أَصْلًا اهـ.

كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَفِيهَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى لَوْ شَهِدَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ بِالنِّكَاحِ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ كَانَ شَهَادَةً ثُمَّ قَالَ وَالصَّبِيُّ أَوْ الْمُكَاتَبُ إذَا شَهِدَ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ لَمْ يَكُنْ شَهَادَةً بِدَلِيلِ أَنَّ قَاضِيًا لَوْ قَضَى بِهِ لَا يَجُوزُ فَإِذَا عَرَفْت يَسْهُلُ عَلَيْك تَخْرِيجُ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمَرْدُودَ لَوْ كَانَ شَهَادَةً لَا تَجُوزُ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَهَادَةً تُقْبَلُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الشَّرَائِطِ اهـ.

وَلَكِنْ يَشْكُلُ عَلَيْهِ شَهَادَةُ الْأَعْمَى إذْ لَوْ قَضَى بِهَا جَازَ فَهِيَ شَهَادَةٌ وَقَدْ حَكَمَ بِقَبُولِهَا بِزَوَالِ الْعَمَى. اهـ.

(قَوْلُهُ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إذَا طَعَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الشُّهُودِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي عَنْ الْخُلَاصَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ يُقَالُ لِلشَّاهِدَيْنِ أَقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَهُوَ صَرِيحُ مَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالْمَمْلُوكُ وَمَا هُنَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُدَّعِي وَهُوَ قَوْلُهُ فَعَلَى الْمُدَّعِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى حُرِّيَّتِهِمْ فَتَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>