فَأَطْلَقَ اللَّهْوَ عَلَى الْمَشْرُوبِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِدْمَانِ فِي حَقِّ الْخَمْرِ أَيْضًا وَفِي الْخَانِيَّةِ إنَّمَا شَرَطَ الْإِدْمَانَ لِيَظْهَرَ ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ فَإِنَّ مَنْ اُتُّهِمَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فِي بَيْتِهِ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَإِنَّمَا تَبْطُلُ إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ أَوْ يَخْرُجُ سَكْرَانَ يَسْخَرُ مِنْهُ الصِّبْيَانُ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَحْتَرِزُ عَنْ الْكَذِبِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَفِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ لَا يَجُوزُ بِشَهَادَةِ مُدْمِنِ الْخَمْرِ ثُمَّ قَالَ بِشَرْطِ الْإِدْمَانِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْإِدْمَانَ فِي الشُّرْبِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْإِدْمَانَ فِي النِّيَّةِ يَعْنِي يَشْرَبُ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا وَجَدَهُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مُدْمِنِ السُّكْرِ وَأَرَادَ بِهِ السُّكْرَ بِسَائِرِ الْأَشْرِبَةِ سِوَى الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ السُّكْرُ فَشَرْطُ الْإِدْمَانِ عَلَى السُّكْرِ وَالْمُحَرَّمِ فِي الْخَمْرِ نَفْسُ الشُّرْبِ فَشَرْطُ الْإِدْمَانِ عَلَى الشُّرْبِ اهـ.
وَالتَّحْقِيقُ خِلَافُ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَأَنَّ الْإِدْمَانَ بِالْفِعْلِ أَوْ النِّيَّةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ شُرْبَ قَطْرَةٍ كَبِيرَةٍ مِنْهَا وَهِيَ مُسْقِطَةٌ لِلْعَدَالَةِ مِنْ غَيْرِ إصْرَارٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَشَايِخُ الْإِدْمَانَ لِيَظْهَرَ شُرْبُهُ عِنْدَ الْقَاضِي لَا أَنَّهُ شَرْطٌ كَقَوْلِهِمْ إنَّ النَّائِحَةَ لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهَا إلَّا إذَا كَانَتْ نَائِحَةً فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا مَعَ أَنَّ النِّيَاحَةَ كَبِيرَةٌ لِلتَّوَعُّدِ عَلَيْهَا لَكِنْ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا غَالِبًا وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْخَمْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِدْمَانِ لِأَنَّ شُرْبَهُ صَغِيرَةٌ وَالْقَوْلَانِ فِي تَفْسِيرِ الْإِدْمَانِ مَحْكِيَّانِ فِي تَفْسِيرِ الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا وَذَكَرَ ابْنُ الْكَمَالِ أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ فَلَا تَسْقُطُ الْعَدَالَةُ إلَّا بِالْإِصْرَارِ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَلَا تَسْقُطُ عَدَالَةُ شَارِبِ الْخَمْرِ بِنَفْسِ الشُّرْبِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدَّ لَمْ يَثْبُتْ بِنَصٍّ قَاطِعٍ إلَّا إذَا دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ. اهـ.
وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ ابْنِ الْكَمَالِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمَشَايِخِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ شُرْبَهَا كَبِيرَةٌ وَلِمُخَالَفَتِهِ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي الْكَبَائِرِ أَنَّهَا سَبْعٌ وَذَكَرَ مِنْهَا شُرْبَ الْخَمْرِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الصُّغْرَى أَنَّهَا صَغِيرَةٌ كَمَا لَا يَخْفَى لَكِنْ فِي تَعْلِيلِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا لَا فِي الْحَدِّ وَحُرْمَتُهَا ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَلِذَا قَالُوا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا وَسُقُوطُ الْعَدَالَةِ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ شُرْبِهَا لَا بِسَبَبِ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّ الْخَصَّافَ أَسْقَطَ الْعَدَالَةَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ مِنْ غَيْرِ إدْمَانٍ وَمُحَمَّدٌ شَرَطَ الْإِدْمَانَ لِسُقُوطِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.
وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ لَا تَسْقُطُ عَدَالَةُ أَصْحَابِ الْمُرُوءَاتِ بِالشُّرْبِ مَا لَمْ يَشْتَهِرْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مَنْ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ بَطَلَتْ عَدَالَتُهُ فِي قَوْلِ الْخَصَّافِ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ حَرَامٌ عِنْدَ الْكُلِّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ إلَّا إنْ اعْتَادَ ذَلِكَ اهـ.
وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بِحُرْمَةِ قَلِيلِهِ وَلَمْ يُسْقِطْهَا بِكَثِيرِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقُولُ بِأَنَّ السُّكْرَ مِنْهُ صَغِيرَةٌ فَشَرَطَ الِاعْتِيَادَ فَإِنْ قُلْت هَلْ لِشَارِبِ الْخَمْرِ أَنْ يَشْهَدَ إذَا لَمْ يُطَّلَعْ عَلَيْهِ قُلْت نَعَمْ لِمَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَإِذَا كَانَ فِي الظَّاهِرِ عَدْلًا وَفِي السِّرِّ فَاسِقًا فَأَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَتِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَذْكُرَ فِسْقَهُ؛ لِأَنَّهُ هَتْكُ السِّرِّ وَإِبْطَالُ حَقِّ الْمُدَّعِي اهـ.
وَلَا فَرْقَ فِي السُّكْرِ الْمُسْقِطِ لَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لِمَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَإِذَا سَكِرَ الذِّمِّيُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَفِي الْمِصْبَاحِ اللَّهْوُ مَعْرُوفٌ وَأَصْلُهُ تَرْوِيحُ النَّفْسِ بِمَا لَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ اهـ.
وَذَكَرَ الشَّارِحُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَجْلِسُ مَجَالِسَ الْفُجُورِ وَالشُّرْبِ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِهِمْ وَلَا يُحْتَرَزُ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ مَا يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْ شَهَادَةِ الزُّورِ اهـ.
وَفِي قَوْلِهِ عَلَى اللَّهْوِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ شَرِبَهَا لِلتَّدَاوِي لَمْ تَسْقُطْ عَدَالَتُهُ؛ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ
(قَوْلُهُ وَمَنْ يَلْعَبُ بِالطُّنْبُورِ) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَفَسَّرَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِالْمُغَنِّي وَفِي نُسْخَةٍ أُخْرَى بِالطُّيُورِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَأَطْلَقَ اللَّهْوَ عَلَى الْمَشْرُوبِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ هُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ الْعِبَارَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا أَنَّ مَعْنَى مُدْمِنِ الشُّرْبِ أَيْ مُدَاوِمِ شُرْبِ الْخَمْرِ عَلَى اللَّهْوِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَيْ مُدَاوِمُ شُرْبِ الْخَمْرِ لِأَجْلِ اللَّهْوِ؛ لِأَنَّ شُرْبَهَا كَبِيرَةٌ وَقَالَ مُلَّا خُسْرو وَمُدْمِنُ الشُّرْبِ أَيْ شُرْبِ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَإِنَّ إدْمَانَ شُرْبِ غَيْرِهَا لَا يُسْقِطُ الشَّهَادَةَ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى اللَّهْوِ اهـ.
فَأَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ الشُّرْبَ عَلَى اللَّهْوِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ أَمَّا فِيهَا فَلَا يُشْتَرَطُ وَهَذَا يُوَافِقُ كَلَامَ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي أَحْوَجُهُ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَمْلِ اللَّهْوِ فِي كَلَامِ الْكَنْزِ عَلَى الْمَشْرُوبِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ شَرْطًا فِي الْخَمْرِ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ كَبِيرَةٌ تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِهَا سَوَاءٌ شُرِبَتْ عَلَى اللَّهْوِ أَمْ لَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِدْمَانِ فِي حَقِّ الْخَمْرِ أَيْضًا. اهـ.
(قَوْلُهُ وَالتَّحْقِيقُ خِلَافُ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ لَا يَخْفَى حُسْنُ مَا فِي النِّهَايَةِ مَعْزُوًّا إلَى الذَّخِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى أَنْ يَشْرَبَ ذَلِكَ فَهُوَ فَاسِقٌ لَمْ يَتُبْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ عَنْهُ فَإِنَّهُ فَاسِقٌ تَابَ وَمِثْلُهُ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ وَبِهِ يَنْحَلُّ الْإِشْكَالُ تَأَمَّلْ اهـ.
لَكِنْ فِي هَوَامِشِ ابْنِ الْكَمَالِ الْمَعْزُوَّةِ إلَيْهِ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَدَارًا لِعَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْ مُحَمَّدٍ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمَهُ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ مِنْ أَنَّ الْإِدْمَانَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ شَرْطٌ لِسُقُوطِ الْعَدَالَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَنَّهُ مِمَّنْ يَقُولُ بِأَنَّ مُجَرَّدَ شُرْبِ الْخَمْرِ حَرَامٌ وَلَوْ بِدُونِ إدْمَانٍ وَإِسْكَارٍ وَلِهَذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي حَيْثُ اشْتَرَطَ الِاعْتِيَادَ عَلَى السُّكْرِ مِنْ النَّبِيذِ لِلِاحْتِيَاطِ فَمَنَعَ الْقَلِيلَ يَعْنِي مِنْ الْمُسْكِرِ وَلَمْ يُسْقِطْ الْعَدَالَةَ إلَّا إذَا اعْتَادَ وَلَمْ يَكْتَفِ بِالْكَثْرَةِ اهـ.
فَإِنْ قُلْت لِمَ اشْتَرَطَ الْإِدْمَانَ فِي الشُّرْبِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ قُلْت ذَكَرَ الْبُرْجَنْدِيُّ أَنَّ الْوُقُوعَ فِي الشُّرْبِ أَكْثَرُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي غَيْرِهِ فَلَوْ جَعَلَ مُجَرَّدَ الشُّرْبِ مُسْقِطًا لِلْعَدَالَةِ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ. اهـ. أَبُو السُّعُودِ.