لِأَنَّهُ يُورِثُ غَفْلَةً وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَقِفُ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ لِصُعُودِهِ سَطْحَهُ لِيُطَيِّرَ طَيْرَهُ فَأَمَّا إمْسَاكُ الْحَمَامِ فِي بَيْتِهِ لِلِاسْتِئْنَاسِ لَا يُسْقِطُهَا؛ لِأَنَّ إمْسَاكَهَا فِي الْبُيُوتِ مُبَاحٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَزَادَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ إمْسَاكَهَا لِحَمْلِ الْكُتُبِ كَمَا فِي دِيَارِ مِصْرَ وَالشَّامِ مُبَاحٌ إلَّا إنْ كَانَتْ تَجُرُّ حَمَامَاتٍ أُخَرَ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِهِ فَتُفَرِّخُ فِي وَكْرِهَا فَيَأْكُلُ وَيَبِيعُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ فَسَقَطَتْ عَدَالَتُهُ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْعَوْرَاتِ بِصُعُودِ السَّطْحِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَأَرَادَ الْمُؤَلِّفُ بِالطُّنْبُورِ كُلَّ لَهْوٍ كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ النَّاسِ احْتِرَازًا عَمَّا لَمْ يَكُنْ شَنِيعًا كَضَرْبِ الْقَضِيبِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ قَبُولَهَا إلَّا أَنْ يُتَفَاحَشَ بِأَنْ يَرْقُصُوا بِهِ فَيَدْخُلُ فِي حَدِّ الْكَبَائِرِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمَشَايِخُ هُنَا حَدِيثًا مَرْفُوعًا «مَا أَنَا مِنْ دَدٍ وَلَا الدَّدُ مِنِّي» قَالَ فِي الصِّحَاحِ الدَّدُ اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ تَقُولُ هَذَا دَدٌ وَدَدًا مِثْلَ نَقًا وَدَدَنٌ اهـ.
وَذَكَرَ الْقُطْبُ فِي حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ الدَّدُ اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ وَالتَّنْكِيرُ فِي دَدٍ لِلشُّيُوعِ أَيْ مَا أَنَا فِي شَيْءٍ مِنْ اللَّهْوِ وَالتَّعْرِيفُ فِي الدَّدِ لِلْعَهْدِ كَأَنَّهُ قَالَ وَلَا ذَلِكَ النَّوْعُ مِنِّي اهـ.
وَذَكَرَ الْكَرْمَانِيُّ مِنْ شَرِكَاتِ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ مِنْ فِي الْحَدِيثِ تُسَمَّى اتِّصَالِيَّةٌ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ اللَّاعِبُ بِالصَّوْلَجَانِ يُرِيدُ بِهِ الْفُرُوسِيَّةَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْظُورٍ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ لَعِبَ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَلَاهِي وَلَمْ يَشْغَلْهُ ذَلِكَ عَنْ الْفَرَائِضِ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ وَالْمُلَاعَبَةُ بِالْأَهْلِ وَالْفَرَسِ لَا تُبْطِلُ الْعَدَالَةَ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ عَنْ الْفَرَائِضِ فَإِنْ كَانَ اللَّعِبُ بِالْمَلَاهِي لَا يَشْغَلُهُ عَنْهَا إلَّا أَنَّهُ شَنِيعٌ بَيْنَ النَّاسِ كَالْمَزَامِيرِ وَالطَّنَابِيرِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَنِيعًا نَحْوَ الْحِدَاءِ وَضَرْبِ الْقَضِيبِ لَا إلَّا إذَا فَحُشَ بِأَنْ كَانُوا يَرْقُصُونَ عِنْدَ ذَلِكَ. اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ يُغَنِّي لِلنَّاسِ) ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ عَلَى ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْغِنَاءَ كَبِيرَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ بَلْ لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ دَفْعًا لِلْوَحْشَةِ وَهُوَ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ قَالَ بِعُمُومِ الْمَنْعِ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ إنَّمَا مَنَعَ مَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ اللَّهْوِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ لِلنَّاسِ فِي عُرْسٍ أَوْ وَلِيمَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ دَفْعًا لِلْوَحْشَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ لِيَسْتَقِيدَ بِهِ نَظْمَ الْقَوَافِي وَفَصَاحَةَ اللِّسَانِ وَالْعَجَبُ مِنْ الْمُصَنِّفِ فِي الْكَافِي أَنَّهُ عَلَّلَ بِمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَجَوَّزَهُ إذَا كَانَ لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ إزَالَةً لِلْوَحْشَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ التَّغَنِّي الْمُحَرَّمُ هُوَ مَا كَانَ فِي اللَّفْظِ مَا لَا يَحِلُّ كَصِفَةِ الذَّكَرِ وَالْمَرْأَةِ الْمُعَيَّنَةِ الْحَيَّةِ وَوَصْفِ الْخَمْرِ الْمُهَيِّجِ إلَيْهَا وَالدِّيرِيَّاتِ وَالْحَانَاتِ وَالْهِجَاءِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ إذَا أَرَادَ الْمُتَكَلِّمُ هِجَاءَهُ لَا إذَا أَرَادَ إنْشَاءَ الشِّعْرِ لِلِاسْتِشْهَادِ بِهِ أَوْ لِتَعَلُّمِ فَصَاحَةٍ وَبَلَاغَةٍ إلَى أَنْ قَالَ وَفِي الْأَجْنَاسِ سُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ عَنْ الَّذِي يَتَرَنَّمُ مَعَ نَفْسِهِ قَالَ لَا يَقْدَحُ فِي شَهَادَتِهِ، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ فَأَبَاحَهَا قَوْمٌ وَحَظَرَهَا قَوْمٌ وَالْمُخْتَارُ إنْ كَانَتْ الْأَلْحَانُ لَا تُخْرِجُ الْحُرُوفَ عَنْ نَظْمِهَا وَقُدُورَاتِهَا فَمُبَاحٌ وَإِلَّا فَغَيْرُ مُبَاحٍ كَذَا ذَكَرَ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الْآذَانِ مَا يُفِيدُ أَنَّ التَّلْحِينَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ تَغْيِيرِ مُقْتَضَيَاتِ الْحُرُوفِ فَلَا مَعْنَى لِهَذَا التَّفْصِيلِ اهـ.
وَفِي الْمِعْرَاجِ الْمَلَاهِي نَوْعَانِ مُحَرَّمٌ وَهُوَ الْآلَاتُ الْمُطْرِبَةُ مِنْ غَيْرِ الْغِنَاءِ كَالْمِزْمَارِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ عُودٍ أَوْ قَصَبٍ كَالشَّبَّابَةِ أَوْ غَيْرِهِ كَالْعُودِ وَالطُّنْبُورِ لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَأَمَرَنِي بِمَحْقِ الْمَعَازِفِ وَالْمَزَامِيرِ» وَلِأَنَّهُ مُطْرِبٌ مُصِدٌّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّوْعُ الثَّانِي مُبَاحٌ وَهُوَ الدُّفُّ فِي النِّكَاحِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا كَانَ مِنْ حَادِثِ سُرُورٍ وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ صَوْتَ الدُّفِّ بَعَثَ فَنَظَرَ فَإِنْ كَانَ فِي وَلِيمَةٍ سَكَتَ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ عَمَدَهُ بِالدِّرَّةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلرِّجَالِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِلتَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ اهـ.
وَنَقَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَنَقَلَ الْبَزَّازِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ الْإِجْمَاعَ عَلَى حُرْمَةِ الْغِنَاءِ إذَا كَانَ عَلَى آلَةٍ كَالْعُودِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِهَا فَقَدْ عَلِمْت الِاخْتِلَافَ وَلَمْ يُصَرِّحْ الشَّارِحُونَ بِالْمَذْهَبِ وَفِي الْبِنَايَةِ وَالْعِنَايَةِ التَّغَنِّي لِلَّهْوِ مَعْصِيَةٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَذَكَرَ مِنْهَا الْوَصِيَّةَ لِلْمُغَنِّيِينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ خُصُوصًا إذَا كَانَ مِنْ الْمَرْأَةِ اهـ.
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْغِنَاءَ كَبِيرَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْغِنَاءَ الَّذِي جُمِعَ النَّاسُ عَلَيْهِ كَبِيرَةً وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ بِأَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً بِسَبَبِ الِاجْتِمَاعِ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْكَافِي وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ لَفْظِ يُغَنِّي لِلنَّاسِ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي فِي الْهَامِشِ عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ وَالْعَيْنِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِنَفْسِهِ لِيُزِيلَ الْوَحْشَةَ عَنْهَا لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ فِي الصَّحِيحِ فَهَذَا التَّصْحِيحُ مُوَافِقٌ لِهَذَا الْمَتْنِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتُونِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ فَلَا تَغْفُلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute