للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا يَشْكُلُ فِيمَا إذَا شَهِدَ لِأَخِيهِ وَالْأَبُ حَيٌّ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَمْلَاكِ بَيْنَ أَخِيهِ وَأَبِيهِ مُتَّصِلَةٌ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِأَبِيهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ شَهَادَةَ الْإِنْسَانِ لِأَبِيهِ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَمْلَاكِ بَيْنَ الْأَبِ وَابْنِهِ مُتَّصِلَةٌ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ لِلْأَبِ شَهَادَةً لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ تُقْبَلْ، وَأَمَّا شَهَادَتُهُ لِأَخِيهِ فَلَيْسَتْ لِنَفْسِهِ أَصْلًا لِتَبَايُنِ الْأَمْلَاكِ اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ امْتَدَّتْ الْخُصُومَةُ سِنِينَ وَمَعَ الْمُدَّعِي أَخٌ وَابْنُ عَمٍّ يُخَاصِمَانِ لَهُ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ شَهِدَا لَهُ فِي هَذِهِ الْخُصُومَةِ بَعْدَ هَذِهِ الْخُصُومَاتِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا اهـ.

وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يَطَّرِدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ قَرَابَةٍ وَصَاحِبِ تَرَدُّدٍ مَعَ قَرَابَتِهِ أَوْ صَاحِبِهِ إلَى الْمُدَّعِي فِي الْخُصُومَةِ سِنِينَ وَيُخَاصِمُ لَهُ وَمَعَهُ عَلَى الْمُدَّعِي ثُمَّ يَشْهَدُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا طَالَ التَّرَدُّدُ مَعَ الْمُخَاصِمِ وَالْمُخَاصَمَةُ لَهُ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْخَصْمِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ.

وَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى إذَا تَخَاصَمَ الشُّهُودُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ تُقْبَلُ إنْ كَانُوا عُدُولًا اهـ.

وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُسَاعِدُوا الْمُدَّعِيَ فِي الْخُصُومَةِ أَوْ لَمْ يَكْثُرْ ذَلِكَ مِنْهُمْ تَوْفِيقًا

(قَوْلُهُ وَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَابِيَّةَ) أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ فِسْقَهُمْ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ وَمَا أَوْقَعَهُ فِيهِ إلَّا تَدَيُّنُهُ بِهِ وَصَارَ كَمَنْ يَشْرَبُ الْمُثَلَّثَ أَوْ يَأْكُلُ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا مُسْتَبِيحًا لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْفِسْقِ مِنْ حَيْثُ التَّعَاطِي وَالْهَوَى مَقْصُورًا مَيْلُ النَّفْسِ إلَى مَا تَسْتَلِذُّ بِهِ مِنْ الشَّهَوَاتِ مِنْ غَيْرِ دَاعِيَةِ الشَّرْعِ كَذَا فِي التَّقْرِيرِ وَفِي الْمِصْبَاحِ الْهَوَى مَقْصُورًا مَصْدَرُ هَوِيَّتُهُ مِنْ بَابِ تَعِبَ إذَا أَحْبَبْته وَعَلَقْت بِهِ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى مَيْلِ النَّفْسِ وَانْحِرَافِهَا نَحْوَ الشَّيْءِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي مَيْلٍ مَذْمُومٍ فَيُقَالُ اتَّبَعَ هَوَاهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْهَوَاءُ مَمْدُودًا الْمُسَخَّرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْجَمْعُ أَهْوِيَةٌ اهـ.

أَطْلَقَهُ وَقَيَّدَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِهَوًى لَا يَكْفُرُ بِهِ صَاحِبُهُ وَزَادَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنْ لَا يَكُونَ مَاجِنًا وَيَكُونَ عَدْلًا فِي تَعَاطِيهِ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ.

وَلَيْسَ هَذَا الْقَيْدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ فِي الْكَافِي قَالَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى شَهَادَةُ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ جَائِزَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ اخْتَلَفُوا وَاقْتَتَلُوا وَشَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ كَانَتْ جَائِزَةً فَلَيْسَ بَيْنَ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ مِنْ الِاخْتِلَافِ أَشَدُّ مِمَّا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْقِتَالِ اهـ.

وَفِي التَّقْرِيرِ أَنَّ مَنْ وَجَبَ إكْفَارُهُ مِنْهُمْ فَالْأَكْثَرُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ أُصُولَ الْهَوَى سِتَّةٌ الْجَبْرُ وَالْقَدْرُ وَالرَّفْضُ وَالْخُرُوجُ وَالتَّشْبِيهُ وَالتَّعْطِيلُ ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ يَصِيرُ اثْنَيْ عَشَرَ فِرْقَةً اهـ.

وَفِي الْحَدِيثِ «إنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً قِيلَ مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ كَانَ عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» . اهـ.

وَالْخَطَّابِيَّةُ قَوْمٌ مِنْ الرَّوَافِضِ يُنْسَبُونَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ يَدِينُونَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ لِمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى مُخَالِفِيهِمْ وَقِيلَ يَشْهَدُونَ لِمَنْ حَلَفَ لَهُمْ أَنَّهُ مُحِقٌّ وَيَقُولُونَ الْمُسْلِمُ لَا يَحْلِفُ كَاذِبًا فَتَمَكَّنَتْ شُبْهَةُ الْكَذِبِ فِيهَا وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ هُمْ قَوْمٌ مِنْ الرَّوَافِضِ يُكَفِّرُونَ بِالصَّغَائِرِ وَفِي الْيَنَابِيعِ أَنَّ الْخَطَّابِيَّةِ انْقَرَضُوا وَفَنُوا لِلْآيَةِ الشَّرِيفَةِ {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] وَفِي التَّقْرِيرِ وَيَلْحَقُ بِهِمْ صَاحِبُ الْإِلْهَامِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَأَمَّا رِوَايَتُهُ فَالْمُخْتَارُ فِي الْمَذْهَبِ عَدَمُ قَبُولِهَا؛ لِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى الْمُحَاجَّةِ فَيَحْتَاجُونَ إلَى التَّقَوُّلِ وَالْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ اهـ.

وَالْمَنْقُولُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَةِ الْخَطَابِيَّةِ إلَّا مَنْ صَرَّحَ مِنْهُمْ بِالْمُشَاهَدَةِ وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا.

(قَوْلُهُ وَالذِّمِّيُّ عَلَى مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَجَازَ شَهَادَةَ النَّصَارَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ عَلَى جِنْسِهِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى إذَا تَخَاصَمَ الشُّهُودُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ تُقْبَلُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مَفْهُومُهُ أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا مَسْتُورِينَ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ تَمْتَدَّ الْخُصُومَةُ لِلتُّهْمَةِ بِالْمُخَاصَمَةِ وَإِذَا كَانُوا عُدُولًا تُقْبَلُ وَإِنْ امْتَدَّتْ لِارْتِفَاعِ التُّهْمَةِ مَعَ الْعَدَالَةِ فَيُحْمَلُ مَا فِي الْقُنْيَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُونُوا عُدُولًا؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ وَمَا فِي الْخِزَانَةِ مُقَيَّدٌ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ تَوْفِيقًا وَمَا قُلْنَاهُ أَشْبَهُ، لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ الْعَدَالَةُ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَلَيْسَ هَذَا الْقَيْدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمُقَيَّدَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ فَلَا مَعْنَى لِرَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ سَيَنْقُلُ تَصْحِيحَهُ وَأَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ مَا زَادَهُ فِي السِّرَاجِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَمَا ظَنُّك فِي غَيْرِهِمْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ مُحَمَّدٌ بِقَبُولِ شَهَادَةِ الْخَوَارِجِ إذَا اعْتَقَدُوا وَلَمْ يُقَاتِلُوا فَإِذَا قَاتَلُوا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لِإِظْهَارِ الْفِسْقِ بِالْفِعْلِ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالذِّمِّيِّ عَلَى مِثْلِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مَقْبُولَةٌ وَفِي التَّجْرِيدِ إذَا كَانُوا عُدُولًا فِي دِينِهِمْ اتَّفَقَتْ مِلَلُهُمْ أَوْ اخْتَلَفَتْ وَفِي التَّفْرِيدِ وَعِنْدَ مَالِكٍ تُقْبَلُ إذَا اتَّفَقَتْ مِلَلُهُمْ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تُقْبَلُ أَصْلًا اهـ.

وَكَتَبَ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا وَإِنْ اخْتَلَفَا مِلَّةً كَالْيَهُودِ مَعَ النَّصَارَى كَذَا فِي شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ وَمِثْلُهُ فِي لِسَانِ الْحُكَّامِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَشَرْحَيْ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ وَابْنِ مَلَكٍ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ كَالْغِيَاثِيَّةِ وَالْكِفَايَةِ وَدَارَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ اهـ.

قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى دِينِيَّةٌ وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ فَتَأَمَّلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>