للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ فَيُتَّهَمُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ عَلَى الطَّرِيقِ كَذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالْأَكْلِ عَلَى الطَّرِيقِ وَالْبَوْلِ بِأَنْ يَكُونَ بِمَرْأَى مِنْ النَّاسِ وَمِثْلُهُ الَّذِي يَكْشِفُ عَوْرَتَهُ لِيَسْتَنْجِيَ مِنْ جَانِبِ الْبِرْكَةِ وَالنَّاسُ حُضُورٌ وَقَدْ كَثُرَ فِي زَمَانِنَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِمَا ذَكَرَهُ إلَى أَنَّ مَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ يَمْنَعُ قَبُولَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَفْعَلُ الْأَفْعَالَ الْمُسْتَحْقَرَةَ مِثْلَ الْبَوْلِ وَالْأَكْلِ عَلَى الطَّرِيقِ وَالْمُرُوءَةُ أَنْ لَا يَأْتِيَ الْإِنْسَانُ بِمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ مِمَّا يَبْخَسُهُ عَنْ مَرْتَبَتِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْفَضْلِ وَقِيلَ السَّمْتُ الْحَسَنُ وَحِفْظُ اللِّسَانِ وَتَجَنُّبُ السُّخْفِ وَالْمُجُونِ وَالِارْتِفَاعُ عَنْ كُلِّ خُلُقٍ دَنِيءٍ وَالسُّخْفُ رِقَّةُ الْعَقْلِ مِنْ قَوْلِهِمْ ثَوْبٌ سَخِيفٌ إذَا كَانَ قَلِيلَ الْغَزْلِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمِعْرَاجِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ فَصْلِ التَّعْزِيرِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَعِنْدِي الْمُرُوءَةُ الدِّينُ وَالصَّلَاحُ وَقَدْ ذَكَرَ مَشَايِخُنَا مِمَّا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ أَشْيَاءَ نَذْكُرُهَا فَمِنْهَا الْأُمُورُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ وَمِنْهَا مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَخْذًا مِنْ الْمِعْرَاجِ الْمَشْيُ بِسَرَاوِيلَ فَقَطْ وَمَدُّ رِجْلِهِ عِنْدَ النَّاسِ وَكَشْفُ رَأْسِهِ فِي مَوْضِعٍ يُعَدُّ فِعْلُهُ خِفَّةً وَسُوءَ أَدَبٍ وَقِلَّةَ مُرُوءَةٍ وَحَيَاءٍ وَمُصَارَعَةُ الشَّيْخِ الْأَحْدَاثَ فِي الْجَامِعِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا حُكِيَ أَنَّ الْفَضْلَ بْنَ الرَّبِيعِ شَهِدَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَرَدَّ شَهَادَتَهُ فَشَكَاهُ إلَى الْخَلِيفَةِ فَقَالَ الْخَلِيفَةُ إنَّ وَزِيرِي رَجُلُ دِينٍ لَا يَشْهَدُ بِالزُّورِ فَلِمَ رَدَدْت شَهَادَتَهُ قَالَ لِأَنِّي سَمِعْته يَوْمًا قَالَ لِلْخَلِيفَةِ أَنَا عَبْدُك فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَكَذَلِكَ فَعَذَرَهُ الْخَلِيفَةُ زَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَهُ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ رَدَّ أَبِي يُوسُفَ شَهَادَتَهُ لَيْسَ لِلْكِذْبَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْحُرِّ لِلْغَيْرِ أَنَا عَبْدُك إنَّمَا هُوَ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْقِيَامِ بِخِدْمَتِك وَكَوْنِي تَحْتَ أَمْرِكَ مُمْتَثِلًا لَهُ عَلَى إهَانَةِ نَفْسِي فِي ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ وَلَيْسَ مِنْهَا الصِّنَاعَةُ الدَّنِيَّةُ كَالْقَنَوَاتِيِّ وَالزَّبَّالِ وَالْحَائِكِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ الْقَبُولُ إذَا كَانَ عَدْلًا وَمِثْلُهُ النَّخَّاسُونَ وَالدَّلَّالُونَ وَالْعَامَّةُ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْأَعْرَابِيِّ وَالْقَرَوِيِّ إذَا كَانَ عَدْلًا. اهـ.

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ أَنَّ مِنْهَا سَرِقَةَ لُقْمَةٍ وَالْإِفْرَاطَ فِي الْمَزْحِ الْمُفْضِي إلَى الِاسْتِخْفَافِ وَصُحْبَةَ الْأَرَاذِلِ وَالِاسْتِخْفَافَ بِالنَّاسِ وَلُبْسَ الْفَقِيهِ قَبَاءً وَلَعِبَ الْحَمَامِ اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ شَرَطُوا فِي الصَّغِيرَةِ الْإِدْمَانَ وَمَا شَرَطُوهُ فِي فِعْلِ مَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ فِيمَا رَأَيْت وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُهُ بِالْأَوْلَى وَإِذَا فَعَلَ مَا يُخِلُّ بِهَا فَقَدْ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاسِقًا بِهِ حَيْثُ كَانَ مُبَاحًا فَفَاعِلُ الْمُخِلِّ بِهَا لَيْسَ بِعَدْلٍ وَلَا فَاسِقٍ فَالْعَدْلُ مَنْ اجْتَنَبَ الثَّلَاثَةَ وَالْفَاسِقُ مَنْ فَعَلَ كَبِيرَةً أَوْ أَصَرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَعْتَادُ الصِّيَاحَ فِي الْأَسْوَاقِ

(قَوْلُهُ أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ) لِظُهُورِ فِسْقِهِ قَيَّدَ بِالظُّهُورِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَتَمَهُ تُقْبَلُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ تَبَرَّأَ مِنْ الصَّحَابَةِ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَالسَّبُّ الشَّتْمُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالسَّلَفُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعُونَ وَأَبُو حَنِيفَةَ اهـ.

وَزَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَذَا الْعُلَمَاءُ وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ كَغَيْرِهِ أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ مُسْلِمٍ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ تَسْقُطُ بِسَبِّ مُسْلِمٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّلَفِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا وَقَوْلُهُمْ هُنَا بِعَدَمِ الْقَبُولِ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ السَّبُّ فِسْقًا أَوْ كُفْرًا فَيَشْمَلُ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ سَبَّهُمَا لِكَوْنِهِ كَافِرًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الرِّدَّةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ مِنْ التَّابِعِينَ وَالْخَلَفَ بِفَتْحِ اللَّامِ مَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْخَيْرِ وَالسُّكُونِ فِي الشَّرِّ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ وَعَطْفُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى التَّابِعِينَ إمَّا عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمْ كَمَا فِي مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ أَوْ لَيْسَ مِنْهُمْ بِنَاءً عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ الطَّبَقَةِ السَّادِسَةِ مِمَّنْ عَاصَرَ صِغَارَ التَّابِعِينَ وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ لِقَاءُ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ذَكَرَهُ فِي تَقْرِيبِ التَّهْذِيبِ

(قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَأَبَوَيْهِ رَضَاعًا وَأُمِّ امْرَأَتِهِ وَبِنْتِهَا وَزَوْجِ بِنْتِهِ وَامْرَأَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ) لِانْعِدَامِ التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ وَمَنَافِعَهَا مُتَبَايِنَةٌ وَلَا بِسَوْطَةٍ لِبَعْضِهِمْ فِي مَالِ بَعْضٍ وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَهَذَا الْجَوَابُ لَا يَشْكُلُ فِيمَا إذَا شَهِدَ لِأَخِيهِ وَالْأَبُ مَيِّتٌ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ زَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَمَامُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّكَلُّمُ بِالْمَجَازِ عَلَى اعْتِبَارِ الْجَامِعِ فَإِنَّ وَجْهَ الشَّبَهِ لَيْسَ كَذِبًا مَحْظُورًا شَرْعًا وَلِذَا وَقَعَ الْمَجَازُ فِي الْقُرْآنِ وَلَكِنَّهُ رَدَّهُ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ خُصُوصُ هَذَا الْمَجَازِ مِنْ إذْلَالِ نَفْسِهِ وَطَاعَتِهِ لِأَجْلِ الدُّنْيَا فَرُبَّمَا يَضُرُّ هَذَا الْكَلَامُ إذَا قِيلَ لِلْخَلِيفَةِ فَعَدَلَ إلَى الِاعْتِذَارِ بِأَمْرٍ يَقْرَبُ مِنْ خَاطِرِهِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْهَا الصِّنَاعَةُ الدَّنِيَّةُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَتَحَرَّرَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْعَدَالَةِ لَا لِلْحِرْفَةِ وَهَذَا الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ وَيُفْتَى بِهِ فَأَنَّا نَرَى بَعْضَ أَصْحَابِ الْحِرَفِ الدَّنِيَّةِ عِنْدَهُ مِنْ الدِّينِ وَالتَّقْوَى مَا لَيْسَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَرْبَابِ الْوَجَاهَةِ وَأَصْحَابِ الْمَنَاصِبِ وَذَوِي الْمَرَاتِبِ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] .

<<  <  ج: ص:  >  >>