للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنَّ الْأَصْلَ إذَا كَانَتْ امْرَأَةً مُخَدَّرَةً يَجُوزُ إشْهَادُهَا عَلَى شَهَادَتِهِمَا وَهِيَ الَّتِي لَا تُخَالِطُ الرِّجَالَ وَلَوْ خَرَجَتْ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ أَوْ لِلْحَمَّامِ. اهـ.

وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إذَا كَانَ شَاهِدُ الْأَصْلِ مَحْبُوسًا فِي الْمِصْرِ فَأَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ هَلْ يَجُوزُ لِلْفَرْعِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِذَا شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي هَلْ يَحْكُمُ بِهَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: اخْتَلَفَ فِيهِ مَشَايِخُ زَمَانِنَا قَالَ: بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي سِجْنِ هَذَا الْقَاضِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُهُ مِنْ سِجْنِهِ حَتَّى يَشْهَدَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إلَى السِّجْنِ وَإِنْ كَانَ فِي سِجْنِ الْوَالِي وَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ لِلشَّهَادَةِ يَجُوزُ اهـ.

وَأَطْلَقَ فِي التَّهْذِيبِ جَوَازَهَا بِحَبْسِ الْأَصْلِ وَقَيَّدَ شَهَادَةَ الْفَرْعِ أَيْ عِنْدَ الْقَاضِي لِأَنَّ وَقْتَ التَّحَمُّلِ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ أَنْ يَكُونَ بِالْأُصُولِ عُذْرٌ لِمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَالْإِشْهَادُ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْأُصُولِ عُذْرٌ حَتَّى لَوْ حَلَّ بِهِمْ الْعُذْرُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ مَوْتٍ يَشْهَدُ الْفُرُوعُ اهـ.

وَأَطْلَقَ فِي مَرَضِهِ وَقَيَّدَ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنْ لَا يَسْتَطِيعَ الْحُضُورَ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ الْمَرَضُ الَّذِي لَا يُتَعَذَّرُ مَعَهُ الْحُضُورُ لَا يَكُونُ عُذْرًا. اهـ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَوْ سَفَرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ بِمُجَرَّدِ سَفَرِ الْأَصْلِ بِأَنْ يُجَاوِزَ بُيُوتَ مِصْرِهِ قَاصِدًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا وَإِنْ لَمْ يُسَافِرْ ثَلَاثًا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ غَيْبَةِ الْأَصْلِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ عَدَّلَهُمْ الْفُرُوعُ صَحَّ) أَيْ قَبْلَ تَعْدِيلِهِمْ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِهِ وَفِي الصُّغْرَى وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْفَرْعَ نَائِبٌ نَاقِلٌ عِبَارَةَ الْأَصْلِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَبِالنَّقْلِ يَنْتَهِي حُكْمُ النِّيَابَةِ فَيَصِيرُ أَجْنَبِيًّا فَيَصِحُّ تَعْدِيلُهُ. اهـ.

وَالْمُرَادُ أَنَّ الْفُرُوعَ مَعْرُوفُونَ بِالْعَدَالَةِ عِنْدَ الْقَاضِي فَعَدَّلُوا الْأُصُولَ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ بِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْدِيلِهِمْ وَتَعْدِيلِ أُصُولِهِمْ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّ أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ لَوْ عَدَّلَ صَاحِبَهُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالْعَدَالَةِ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَنَقَلَ فِيهِ قَوْلَيْنِ فِي النِّهَايَةِ.

وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ عَرَفَ الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ بِالْعَدَالَةِ قَضَى بِشَهَادَتِهِمْ وَإِنْ عَرَفَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ سَأَلَ عَمَّنْ لَمْ يَعْرِفْهُ وَإِذَا شَهِدَ الْفُرُوعُ عَلَى شَهَادَةِ أَصْلٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِفِسْقِ الْأَصْلِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ اهـ.

(قَوْلُهُ وَإِلَّا عُدِّلُوا) أَيْ إنْ لَمْ يُعَدِّلْهُمْ الْفُرُوعُ وَلَمْ يَعْرِفْهُمْ الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ سَأَلَ عَنْهُمْ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ إلَّا بِالْعَدَالَةِ فَإِذَا لَمْ يَعْرِفُوهَا لَمْ يَنْقُلُوا الشَّهَادَةَ فَلَا تُقْبَلُ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ النَّقْلُ دُونَ التَّعْدِيلِ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ وَإِذَا نَقَلُوا يَتَعَرَّفُ الْقَاضِي الْعَدَالَةَ كَمَا إذَا حَضَرُوا بِأَنْفُسِهِمْ وَشَهِدُوا كَذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْفَرْعِ التَّحَمُّلُ وَالْأَدَاءُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَدَالَةَ الْأَصْلِ وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ الْفَرْعُ إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْأَصْلَ بِعَدَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا فَهُوَ مُسِيئٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَتِهِ بِتَرْكِهِ الِاحْتِيَاطَ. اهـ.

وَقَالُوا الْإِسَاءَةُ أَفْحَشُ مِنْ الْكَرَاهَةِ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا صَادِقٌ بِصُوَرٍ الْأُولَى أَنْ يَسْكُتُوا وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ الثَّانِيَةُ أَنْ يَقُولَ الْفُرُوعُ لِلْقَاضِي بَعْدَ السُّؤَالِ لَا نُخْبِرُك فَجَعَلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ فَقَوْلُهُمَا لَا نُخْبِرُك بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمَا لَا نَعْرِفُ الْأَصْلَ أَعَدْلٌ أَمْ لَا وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمَا وَيَسْأَلُ عَنْ الْأَصْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقِيَ مَسْتُورًا وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ قَوْلَهُمَا لَا نُخْبِرُك جَرْحٌ لِلْأُصُولِ وَاسْتَشْهَدَ الْخَصَّافُ فَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ وَقَالَا لِلْقَاضِي: إنَّا نَتَّهِمُهُ فِي الشَّهَادَةِ فَلَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي شَهَادَتَهُمَا عَلَى شَهَادَتِهِ فَكَذَا إذَا قَالَ: لَا نُخْبِرُك وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَرْحًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَوَقُّفًا فَلَا يَثْبُتُ الْجَرْحُ بِالشَّكِّ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَوْ سَفَرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ بِمُجَرَّدِ سَفَرِ الْأَصْلِ إلَخْ) فِي كَوْنِهِ ظَاهِرَ كَلَامِهِ ذَلِكَ نَظَرٌ حَيْثُ كَانَتْ الْعِلَّةُ الْعَجْزَ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمَرَضُ الَّذِي لَا يُتَعَذَّرُ مَعَهُ الْحُضُورُ عُذْرًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْمُتَبَادَرُ غَيْبَةُ مُدَّةِ السَّفَرِ وَلِذَا أَتَى فِي الْهِدَايَةِ بِرَدِيفِهِ فَقَالَ أَوْ يَغِيبُوا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا فَصَاعِدًا (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ) فِيهِ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَكَذَا إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ فَعَدَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ يَجُوزُ لِمَا قُلْنَا أَيْ مِنْ أَنَّهُ أَهْلُ التَّزْكِيَةِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً مِنْ حَيْثُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ وَلَكِنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ كَمَا لَا يُتَّهَمُ فِي شَهَادَةِ نَفْسِهِ كَيْفَ وَإِنَّ قَوْلَهُ مَقْبُولٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَةُ صَاحِبِهِ فَلَا تُهْمَةَ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ غَايَةُ الْأَمْرِ أَيْ غَايَةُ مَا يَرِدُ أَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِسَبَبِ أَنَّ فِي تَعْدِيلِهِ مَنْفَعَةً لَهُ مِنْ حَيْثُ تَنْفِيذُ الْقَاضِي قَوْلَهُ عَلَى مُوجِبِ مَا يَشْهَدُ بِهِ قُلْنَا: الْعَدْلُ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِ مَا ذَكَرْت مِنْ الشُّبْهَةِ فَإِنَّ مِثْلَهَا ثَابِتٌ فِي شَهَادَةِ نَفْسِهِ فَإِنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْقَضَاءَ بِهَا فَكَمَا أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَعْتَبِرْ مَعَ عَدَالَتِهِ ذَلِكَ مَانِعًا كَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ وَإِلَّا لَانْسَدَّ بَابُ الشَّهَادَةِ اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ النِّهَايَةِ وَالْفَتْحِ.

وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ الضَّمِيرَ لَيْسَ عَائِدًا لِلْعَدْلِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ (قَوْلُهُ الْإِسَاءَةُ أَفْحَشَ مِنْ الْكَرَاهَةِ) أَقُولُ: هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمَنَارِ وَلَكِنَّ الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي التَّقْرِيرِ شَرْحِ أُصُولِ الْبَزْدَوِيِّ وَالتَّحْقِيقِ شَرْحِ الْأَخْسِيكَثِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْإِسَاءَةَ دُونَ الْكَرَاهَةِ وَلَعَلَّ مُرَادَ مَنْ قَالَ دُونَ الْكَرَاهَةِ أَرَادَ بِهَا التَّحْرِيمِيَّةَ وَمَنْ قَالَ: أَفْحَشُ أَرَادَ بِهَا التَّنْزِيهِيَّةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>