للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الثَّالِثَةُ أَنْ يَقُولَ الْفَرْعُ لِلْقَاضِي: إنَّا نَتَّهِمُهُ فِي الشَّهَادَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ شَاهِدِ الْخَصَّافِ.

(قَوْلُهُ وَتَبْطُلُ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ بِإِنْكَارِ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ) أَيْ الْإِشْهَادَ بِأَنْ قَالُوا: لَمْ نُشْهِدْهُمْ عَلَى شَهَادَتِنَا فَمَاتُوا وَغَابُوا ثُمَّ شَهِدَ الْفُرُوعُ لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ لَمْ يَثْبُتْ لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ وَهُوَ شَرْطٌ قُيِّدَ بِالْإِنْكَارِ لِأَنَّهُمْ لَوْ سُئِلُوا فَسَكَتُوا لَمْ يَبْطُلْ الْإِشْهَادُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِيهَا مَعْزُوًّا إلَى الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إذَا شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَلَمْ يَقْضِ بِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى حَضَرَ الْأَصْلَانِ وَنَهَيَا الْفُرُوعَ عَنْ الشَّهَادَةِ صَحَّ النَّهْيُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَصِحُّ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ اهـ.

وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْهُ إذَا أَنْكَرَ الرِّوَايَةَ بَطَلَتْ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْأُصُولِ وَاسْتَشْكَلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَمَلَ الْمَشَايِخِ بِالْمَسَائِلِ الَّتِي أَنْكَرَهَا أَبُو يُوسُفَ عَلَى مُحَمَّدٍ حِينَ عَرَضَ عَلَيْهِ الْجَامِعَ الصَّغِيرَ وَقَدَّمْنَاهُ فِي الصَّلَاةِ وَذَكَرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ نَهَاهُ عَنْ الرِّوَايَةِ وَسِعَهُ الرِّوَايَةُ عَنْهُ اهـ.

فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ وَمِمَّا يُبْطِلُ الْإِشْهَادَ خُرُوجُ الْأَصْلِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ لِمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَإِذَا خَرِسَ الْأَصْلَانِ أَوْ فَسَقَا أَوْ عَمِيَا وَارْتَدَّا أَوْ جُنَّا لَهُمْ لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ اهـ.

وَمِمَّا يُبْطِلُهُ أَيْضًا حُضُورُ الْأَصْلِ قَبْلَ الْقَضَاءِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ أَنَّ فُرُوعًا شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ ثُمَّ حَضَرَ الْأُصُولُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا يُقْضَى بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ اهـ.

وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا يُقْضَى دُونَ أَنْ يَقُولَ: بَطَلَ الْإِشْهَادُ أَنَّ الْأُصُولَ لَوْ غَابُوا بَعْدَ ذَلِكَ قُضِيَ بِشَهَادَتِهِمْ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي إذَا كَتَبَ لِلْمُدَّعِي كِتَابًا ثُمَّ حَضَرَ بَلَدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِكِتَابِهِ لَا يَقْضِي بِكِتَابِهِ كَمَا لَوْ حَضَرَ شَاهِدُ الْأَصْلِ اهـ.

وَفِي الْيَتِيمَةِ سُئِلَ الْخُجَنْدِيُّ عَنْ قَاضٍ قَضَى لِرَجُلٍ بِمِلْكِ الْأَرْضِ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ ثُمَّ جَاءَ الْأُصُولُ هَلْ يَبْطُلُ الْفُرُوعُ؟ فَقَالَ: هَذَا مُخْتَلَفٌ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فَمَنْ قَالَ: إنَّ الْقَضَاءَ يَقَعُ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ يُبْطِلُ وَمَنْ قَالَ: الْقَضَاءُ يَقَعُ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ لَا يُبْطِلُ اهـ.

وَهَذَا الِاخْتِلَافُ عَجِيبٌ فَإِنَّ الْقَضَاءَ كَيْفَ يَبْطُلُ بِحُضُورِهِمْ فَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَلَى فُلَانَةِ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ بِأَلْفٍ وَقَالَا: أَخْبَرَانَا أَنَّهُمَا يَعْرِفَانِهَا فَجَاءَ بِامْرَأَةٍ فَقَالَا لَا نَدْرِي أَهِيَ هَذِهِ أَمْ لَا؟ قِيلَ لِلْمُدَّعِي: هَاتِ شَاهِدَيْنِ أَنَّهَا فُلَانَةُ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمُعَرَّفَةِ بِالنِّسْبَةِ قَدْ تَحَقَّقَتْ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْحَقَّ عَلَى الْحَاضِرَةِ فَلَعَلَّهَا غَيْرُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهَا بِتِلْكَ النِّسْبَةِ نَظِيرُ هَذَا إذَا تَحَمَّلُوا الشَّهَادَةَ بِبَيْعٍ مَحْدُودٍ بِذِكْرِ حُدُودِهَا وَشَهِدُوا عَلَى الْمُشْتَرِي لَا بُدَّ مِنْ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى أَنَّ الْمَحْدُودَ بِهَا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَذَا إنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْحُدُودَ الْمَذْكُورَةَ فِي الشَّهَادَةِ حُدُودُ مَا فِي يَدَيْهِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ عَلَى فُلَانَةِ إلَى آخِرِهِ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْإِشْهَادِ الْإِعْلَامُ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ أَشْهَدَ رَجُلًا عَلَى شَهَادَتِهِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي لَهُ الْمَالُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ حَاضِرَيْنِ عِنْدَ الْإِشْهَادِ بِقَوْلِهِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ أَيْ الْإِشْهَادُ بِأَنْ قَالُوا إلَخْ) هَكَذَا فَسَّرَ الزَّيْلَعِيُّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ قَالَ فِي الدُّرَرِ: أَقُولُ: قَدْ وَقَعَتْ الْعِبَارَةُ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهِ وَسَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ هَكَذَا وَإِنْ أَنْكَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ مُوَافَقَةً لِمَا فِي الْكَافِي وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مُغَايَرَةُ الْإِشْهَادِ لِلشَّهَادَةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ تَفْسِيرُهَا بِهِ وَلَعَلَّ مَنْشَأَ غَلَطِهِ قَوْلُهُمْ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ لَمْ يَثْبُتْ لِلتَّعَارُضِ فَإِنَّ مَعْنَى التَّحْمِيلِ هُوَ الْإِشْهَادُ وَخَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ التَّحْمِيلَ لَا يَثْبُتُ أَيْضًا إذَا أَنْكَرَ أَصْلَ الشَّهَادَةِ بَلْ هَذَا أَبْلَغُ مِنْ إنْكَارِ الْإِشْهَادِ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ التَّصْرِيحِ اهـ.

وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة قَالَ الْفَاضِلُ الْمَرْحُومُ جَوَى زَادَهْ: أَقُولُ: لَمْ يُرِدْ الزَّيْلَعِيُّ تَفْسِيرَ لَفْظِ الشَّهَادَةِ بِالْإِشْهَادِ بَلْ أَرَادَ أَنَّ مَدَارَ بُطْلَانِ شَهَادَةِ الْفَرْعِ عَلَى إنْكَارِ الْأَصْلِ لِلْإِشْهَادِ حَتَّى يَبْطُلُ وَلَوْ قَالَ: لِي شَهَادَةٌ عَلَى هَذِهِ الْحَادِثَةِ لَكِنْ لَمْ أَشْهَدْ وَالْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ تَصَوُّرُ الْمَسْأَلَةِ فِي صُورَةٍ مِنْ صُورَتِي إنْكَارِ الْإِشْهَادِ وَهِيَ صُورَةُ إنْكَارِ الشَّهَادَةِ رَأْسًا إذْ لَا شَكَّ فِي فَوَاتِ الْإِشْهَادِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِمَا فِي الْمَتْنِ حَصْرَ الْبُطْلَانِ بِصُورَةِ إنْكَارِ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ أَنَّ التَّحْمِيلَ لَا يَثْبُتُ أَيْضًا مَعَ إنْكَارِ أَصْلِ الشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ خَافِيًا عَلَيْهِ لَوْ تَوَهَّمَ عَدَمَ بُطْلَانِ شَهَادَةِ الْفَرْعِ حِينَئِذٍ وَحَاشَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَإِذْ قَدْ عَرَفْت أَنَّ الْبُطْلَانَ يَعُمُّ صُورَةَ إنْكَارِ الشَّهَادَةِ رَأْسًا وَصُورَةَ الْإِقْرَارِ بِهَا وَإِنْكَارَ الْإِشْهَادِ تَحَقَّقْت أَنَّ كَوْنَ التَّرْكِيبِ أَبْلَغَ فِي الْإِنْكَارِ غَيْرُ مُرَادٍ اهـ.

مَا قَالَهُ الْفَاضِل وَصُورَةُ إنْكَارِ الشَّهَادَةِ مَا قَالَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَإِنْ أَنْكَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ بِأَنْ قَالُوا: لَيْسَ لَنَا شَهَادَةٌ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَغَابُوا أَوْ مَاتُوا ثُمَّ جَاءَ الْفُرُوعُ وَيَشْهَدُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَقَالُوا: لَمْ نُشْهِدْ الْفُرُوعَ عَلَى شَهَادَتِنَا فَإِنَّ شَهَادَةَ الْفُرُوعِ لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ لَمْ يَثْبُتْ وَهُوَ شَرْطٌ اهـ.

(قَوْلُهُ صَحَّ النَّهْيُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ) يَعْنِي فَلَوْ غَابَ الْأُصُولُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى شَهَادَتِهِمْ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ قَدْ بَطَلَ بِنَهْيِهِمْ فَلَا يُنَافِي مَا سَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا حَضَرَ الْأُصُولُ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا يُقْضَى بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ فَلَا يُقَالُ: لَا حَاجَةَ إلَى النَّهْيِ هُنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا يُقْضَى إلَخْ) عَلَى هَذَا مَا كَانَ يَنْبَغِي عَدُّهُ الْحُضُورَ مِنْ مُبْطِلَاتِ الْإِشْهَادِ

<<  <  ج: ص:  >  >>