للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُقْتَضَى الْمُضَارَبَةِ الْعُمُومُ فَالْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِيهَا وَالتَّخْصِيصُ عَارِضٌ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِذَا اتَّفَقَا أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ خَاصًّا وَاخْتَلَفَا فِيمَا خُصَّ الْعَقْدُ فِيهِ فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْعُدُولِ عَنْ الظَّاهِرِ وَالْإِذْنُ يُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِهِ فَيُعْتَبَرُ قَوْلُهُ أَمَرْتُكَ بِالِاتِّجَارِ فِي الْبُرِّ وَادَّعَى الْإِطْلَاقَ فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ لِادِّعَائِهِ عُمُومَهُ وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْهُ وَإِنْ بَرْهَنَا فَإِنَّ نَصَّ شُهُودُ الْعَامِلِ أَنَّهُ أَعْطَاهُ مُضَارَبَةً فِي كُلِّ تِجَارَةٍ فَهِيَ أَوْلَى لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ لَفْظًا وَمَعْنًى وَإِنْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى هَذَا الْحَرْفِ فَلِرَبِّ الْمَالِ وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَنْعِ مِنْ السَّفَرِ لِاقْتِضَاءِ الْمُضَارَبَةِ إطْلَاقَهَا عَلَى الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ قَالَ الْمُضَارِبُ هُوَ فِي الطَّعَامِ وَرَبُّ الْمَالِ قَالَ فِي الْكِرْبَاسِ فَالْقَوْلُ لَهُ وَإِنْ بَرْهَنَا وَلِلْجِمَالِ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِثْبَاتِ وَالْمُضَارِبُ مُحْتَاجٌ إلَى إثْبَاتِهِ لِدَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ وَقَّتَا فَالْوَقْتُ الْأَخِيرُ أَوْلَى اهـ.

وَالْبِضَاعَةُ كَالْمُضَارَبَةِ إلَّا أَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ الْبَيْعَ وَالْمُسْتَبْضِعُ لَا إلَّا إذَا كَانَ فِي لَفْظِهِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ قَصَدَ الِاسْتِرْبَاحَ أَوْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كَذَا فِي وَكَالَةِ الْبَزَّازِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَالْوَكَالَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَصْلَ فِيهَا التَّقْيِيدُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِبْضَاعَ وَالْإِيدَاعَ وَبَيْعَ مَا اشْتَرَاهُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ بِخِلَافِ الْمُضَارِبِ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ أَخَذَ الْوَكِيلُ بِالثَّمَنِ رَهْنًا فَضَاعَ أَوْ كَفِيلًا فَتَوِيَ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهَا وَالْكَفَالَةُ تَوْثِيقٌ بِهِ وَالِارْتِهَانُ وَثِيقَةٌ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ فَيَمْلِكُهَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ نِيَابَةً وَقَدْ أَنَابَهُ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ دُونَ الْكَفَالَةِ وَأَخْذِ الرَّهْنِ وَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ يَقْبِضُ أَصَالَةً وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ حَجْرَهُ عَنْهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا مُخَالِفًا لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَهُ أَخْذُ الْكَفِيلِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْهِدَايَةِ عَلَى أَخْذِ الْكَفِيلِ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ حَوَالَةٌ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ أَخَذَ بِهِ كَفِيلًا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ فَهُوَ حَوَالَةٌ لَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ قَبُولُهَا اهـ.

وَمِنْ هُنَا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: الْمُرَادُ بِالْكَفَالَةِ هُنَا الْحَوَالَةُ لِأَنَّ التَّوَى لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْكَفَالَةِ وَقِيلَ: الْكَفَالَةُ عَلَى حَقِيقَتِهَا لِأَنَّ التَّوَى يَتَحَقَّقُ فِيهَا بِأَنْ مَاتَ الْكَفِيلُ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ مُفْلِسَيْنِ قَالَ الشَّارِحُ أَخْذًا مِنْ الْكَافِي: وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا تَوًى مُضَافٌ إلَى أَخْذِهِ الْكَفِيلَ بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ كَفِيلًا لَمْ يَتْوَ دَيْنُهُ كَمَا فِي الرَّهْنِ وَالتَّوَى الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَى أَخْذِهِ الْكَفِيلَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ كَفِيلًا أَيْضًا لَتَوِيَ بِمَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَحَمْلُهُ عَلَى الْحَوَالَةِ فَاسِدٌ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتْوَى فِيهِ بِمَوْتِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مُفْلِسًا بَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُحِيلِ وَإِنَّمَا يَتْوَى بِمَوْتِهِمَا مُفْلِسَيْنِ فَصَارَ كَالْكَفَالَةِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالتَّوَى تَوًى مُضَافٌ إلَى أَخْذِ الْكَفِيلِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْمُرَافَعَةِ إلَى حَاكِمٍ يَرَى بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ عَنْ الدَّيْنِ بِالْكَفَالَةِ وَلَا يَرَى الرُّجُوعَ عَلَى الْأَصِيلِ بِمَوْتِهِ مُفْلِسًا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي مَالِكِيًّا وَيَحْكُمُ بِهِ ثُمَّ يَمُوتُ الْكَفِيلُ مُفْلِسًا اهـ.

وَدَلَّ وَضْعُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَنَّ أَخْذَهُ الرَّهْنَ يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ لَكِنْ لَوْ رَدَّهُ الْوَكِيلُ جَازَ وَيَضْمَنُ لِلْمُوَكِّلِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الثَّمَنِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَصِحُّ رَدُّهُ كَذَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْمَحْبُوبِيُّ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا يَضْمَنُ عَدَمَهُ لِلْمُوَكِّلِ وَإِلَّا فَالدَّيْنُ قَدْ سَقَطَ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ إذَا كَانَ مِثْلَ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا أَخَذَ رَهْنًا فَضَاعَ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِ الْمُوَكِّلِ شَيْءٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَتَصَرَّفُ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ وَحْدَهُ) لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لَا بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا وَالْبَدَلُ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا وَلَكِنْ التَّقْدِيرُ لَا يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا بَالِغًا عَاقِلًا وَالْآخَرُ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ وَكَّلَهُمَا بِكَلَامٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا كَانَ تَوْكِيلُهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ وَقْتَ تَوْكِيلِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَصِيَّيْنِ فَإِنَّهُ إذَا أَوْصَى إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِكَلَامٍ عَلَى حِدَةٍ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمَوْتِ صَارَا وَصِيَّيْنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَفِي الْوَكَالَةِ يَثْبُتُ حُكْمُهَا بِنَفْسِ التَّوْكِيلِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَالْوَكَالَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَصْلَ فِيهَا التَّقْيِيدُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَمِثْلُ الْمُضَارَبَةِ الشَّرِكَةُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْإِطْلَاقُ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا وَمَا عَلَّلَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ كَالصَّرِيحِ فِيهِ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ إلَخْ) مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ نَصَّ عَلَيْهِ النَّسَفِيُّ فِي الْكَافِي بِقَوْلِهِ أَوْ أَخَذَ بِثَمَنِهِ كَفِيلًا فَتَوِيَ الْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ بِأَنْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى قَاضٍ يَرَى بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ بِنَفْسِ الْكَفَالَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَيَحْكُمُ بِبَرَاءَةِ الْأَصِيلِ فَيَتْوَى الْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اهـ.

كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ أَيْضًا سَابِقًا وَعَلَى هَذَا مَشَى ابْنُ الْكَمَالِ فِي الْإِيضَاحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>