فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِهِمَا لِلشُّبْهَةِ وَقَيَّدَ بِالْخُصُومَةِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِغَيْرِهَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ مُطْلَقًا وَمِنْهُ الْوَكِيلُ بِالصُّلْحِ كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ وَالصُّلْحُ عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ فَالْوَكِيلُ بِعَقْدٍ لَا يُبَاشِرُ عَقْدًا آخَرَ وَقَيَّدَ بِالتَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِهَا إلَّا الْإِقْرَارَ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَصِحُّ وَصَحَّحَهُ مُحَمَّدٌ وَعَنْهُ أَنَّهُ فَصَّلَ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ فَلَمْ يُصَحِّحْهُ فِي الثَّانِي كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي النِّهَايَةِ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ غَيْرُ جَائِزِ الْإِقْرَارِ صَحَّ وَلَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ فِي الظَّاهِرِ لَوْ مَوْصُولًا وَفِي الْأَقْضِيَةِ وَمَفْصُولًا أَيْضًا وَلَوْ وَكَّلَهُ غَيْرُ جَائِزِ الْإِنْكَارِ يَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَوْ غَيْرَ جَائِزِ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ قِيلَ: لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ لِعَدَمِ بَقَاءِ فَرْدٍ تَحْتَهُ وَقِيلَ: يَصِحُّ لِبَقَاءِ السُّكُوتِ اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّهَا عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ الْأَوَّلُ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِالْخُصُومَةِ فَيَصِيرَ وَكِيلًا بِهِمَا الثَّانِي أَنْ يُسْتَثْنَى الْإِقْرَارُ فَيَكُونَ وَكِيلًا بِالْإِنْكَارِ فَقَطْ الثَّالِثُ عَكْسُهُ فَيَصِيرَ وَكِيلًا بِالْإِقْرَارِ فَقَطْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رُبَّمَا يَضُرُّهُ الْإِنْكَارُ بِأَنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ أَمَانَةً وَلَوْ جَحَدَهَا الْوَكِيلُ لَا يَصِحُّ دَعْوَى الرَّدِّ بَعْدَهُ وَيَصِحُّ قَبْلَهُ فَفِيهِ فَائِدَةٌ الرَّابِعُ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِالْخُصُومَةِ جَائِزُ الْإِقْرَارِ فَيَكُونُ وَكِيلًا بِهِمَا الْخَامِسُ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِهَا غَيْرُ جَائِزِ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمُتَأَخِّرِينَ اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ كَانَ التَّوْكِيلُ بِسُؤَالِ الْخَصْمِ وَاسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ مَوْصُولًا صَحَّ وَمَفْصُولًا لَا يَصِحُّ اهـ.
وَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِالْإِقْرَارِ وَلَا يَصِيرُ بِهِ مُقِرًّا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي إذَا اسْتَثْنَى إقْرَارَهُ فَأَقَرَّ خَرَجَ عَنْ الْوَكَالَةِ.
(قَوْلُهُ وَبَطَلَ تَوْكِيلُ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَلَوْ صَحَّحْنَاهَا صَارَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ فَانْعَدَمَ الرُّكْنُ لِأَنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ مُلَازِمٌ لِلْوَكَالَةِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا وَلَوْ صَحَّحْنَاهَا لَا تُقْبَلُ لِكَوْنِهِ مُبَرِّئًا نَفْسَهُ فَيُعْدَمُ بِانْعِدَامِ لَازِمِهِ وَهُوَ نَظِيرُ عَبْدٍ مَدْيُونٍ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ حَتَّى ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ وَيُطَالِبُ الْعَبْدَ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فَلَوْ وَكَّلَهُ الطَّالِبُ بِقَبْضِ الْمَالِ مِنْ الْعَبْدِ كَانَ بَاطِلًا لِمَا بَيَّنَّاهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَأُورِدَ تَوْكِيلُ الْمَدْيُونِ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ مَعَ كَوْنِهِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَالتَّحْقِيقُ فِي جَوَابِهِ مَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ يَصِحُّ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ بِتَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ فَهُوَ عَامِلٌ لِرَبِّ الدَّيْنِ بِإِسْقَاطِ دَيْنِهِ وَشَرْطُ الْوَكَالَةِ كَوْنُهُ عَامِلًا لِغَيْرِهِ لَا كَوْنُهُ غَيْرَ عَامِلٍ لِنَفْسِهِ اهـ.
وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ فِي جَوَابِهِ إنَّهُ تَمْلِيكٌ وَلَيْسَ بِتَوْكِيلٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك فَسَهْوٌ ظَاهِرٌ إذْ لَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُ الدَّائِنِ عَنْهُ قَبْلَ إبْرَائِهِ نَفْسَهُ مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ قَالَ الدَّائِنُ لِمَدْيُونٍ سَأَلَهُ الْإِبْرَاءَ: ذَلِكَ إلَيْكَ أَوْ أَبْرِئْ نَفْسَك أَوْ حَلِّلْهَا فَقَالَ: أَبْرَأْتُ أَوْ حَلَّلْتُ بَرِئَ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْآمِرِ كَمَا فِي هَبْ لِنَفْسِكَ ذَا الْعَبْدَ وَأَقِرَّ عَلَيَّ لِزَيْدٍ وَطَلِّقِي وَأَعْتِقِي وَسَائِرِ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ اهـ.
وَفِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْإِبْرَاءِ إذَا لَمْ يُضِفْ الْإِبْرَاءَ الْوَكِيلُ إلَى الْمُوَكِّلِ لَا يَصِحُّ اهـ
وَإِذَا بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَقَبَضَهُ مِنْ الْمَدِينِ وَهَلَكَ مِنْ يَدِهِ لَمْ يَهْلِكْ عَلَى الطَّالِبِ وَأَشَارَ بِبُطْلَانِهِ إلَى أَنَّ الطَّالِبَ لَوْ أَبْرَأهُ عَنْ الْكَفَالَةِ لَمْ تَنْقَلِبْ صَحِيحَةً لِوُقُوعِهَا بَاطِلَةً ابْتِدَاءً كَمَا لَوْ كَفَلَ عَنْ غَائِبٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ بَاطِلًا ثُمَّ إذَا بَلَغَهُ فَأَجَازَهُ لَمْ يَجُزْ وَقَيَّدَ بِكَفَالَةِ الْمَالِ لِصِحَّةِ تَوْكِيلِ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ وَقَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِأَنْ يُوَكِّلَهُ بِالْخُصُومَةِ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ إذْ لَوْ وَكَّلَهُ بِالْقَبْضِ مِنْ الْمَدِينِ صَحَّ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ عَبْدِهِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَإِلَى أَنَّ الْمُحْتَالَ لَوْ وَكَّلَ الْمُحِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَإِلَى بُطْلَانِ تَوْكِيلِ الْمَدِينِ وَكِيلُ الطَّالِبِ بِالْقَبْضِ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ عَلَى فُلَانٍ فَأَخْبَرَ بِهِ الْمَدْيُونَ فَوَكَّلَهُ بِبَيْعِ سِلْعَتِهِ وَإِيفَاءِ ثَمَنِهِ إلَى رَبِّ الدَّيْنِ فَبَاعَهَا وَأَخَذَ الثَّمَنَ وَهَلَكَ يَهْلِكُ مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا وَالْوَاحِدُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لِلْمَطْلُوبِ وَالطَّالِبِ فِي الْقَضَاءِ وَالِاقْتِضَاءِ اهـ.
وَلَا يُخَالِفُهُ مَا فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ الْمَدْيُونُ إذَا بَعَثَ الدَّيْنَ عَلَى يَدِ وَكِيلِهِ فَجَاءَ بِهِ إلَى الطَّالِبِ وَأَخْبَرَهُ وَرَضِيَ بِهِ وَقَالَ اشْتَرِ لِي شَيْئًا فَذَهَبَ وَاشْتَرَى بِبَعْضِهِ شَيْئًا وَهَلَكَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَلَا يَصِيرُ بِهِ مُقِرًّا) أَيْ لَا يَصِيرُ الْوَكِيلُ مُقِرًّا بِقَوْلِهِ وَكَّلْتُكَ أَنْ تُقِرَّ لِفُلَانٍ بِكَذَا عَلَيَّ وَكَتَبَ الرَّمْلِيُّ أَوَّلَ كِتَابِ الْوَكَالَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَصَحَّ التَّوْكِيلُ بِالْإِقْرَاضِ وَالِاسْتِقْرَاضِ أَقُولُ: وَالتَّوْكِيلُ بِالْإِقْرَارِ صَحِيحٌ وَلَا يَكُونُ التَّوْكِيلُ بِهِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ إقْرَارًا مِنْ الْمُوَكِّلِ وَعَنْ الطَّوَاوِيسِيِّ مَعْنَاهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْخُصُومَةِ وَيَقُولَ خَاصِمْ فَإِذَا رَأَيْتَ لُحُوقَ مُؤْنَةٍ أَوْ خَوْفَ عَارٍ عَلَيَّ فَأَقِرَّ بِالْمُدَّعَى يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ فِي جَوَابِهِ) نَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْكَافِي (قَوْلُهُ إذْ لَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَمْ يَصِحَّ رُجُوعُ الدَّائِنِ عَنْهُ إلَخْ) وَفِي الْكِفَايَةِ قُلْتُ: لَوْ كَانَ تَمْلِيكًا لَاقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَا يَقْتَصِرُ