للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَمِنْهَا كَوْنُ الْمُدَّعَى مِمَّا يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ فَدَعْوَى مَا يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ بَاطِلَةٌ كَقَوْلِهِ لِمَنْ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ هَذَا ابْنِي أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِمَعْرُوفِ النَّسَبِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْمُسْتَحِيلِ عَادَةً كَدَعْوَى فَقِيرٍ أَمْوَالًا عَظِيمَةً عَلَى غَنِيٍّ أَنَّهُ غَصَبَهَا مِنْهُ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ سَمَاعِهَا ثُمَّ كَتَبْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ التَّحَالُفِ مَا يُفِيدُهُ فَلْيُرَاجَعْ.

وَمِنْهَا كَوْنُهَا بِلِسَانِ الْمُدَّعِي فَلَا تَصِحُّ بِلِسَانِ وَكِيلِهِ إلَّا بِرِضَا خَصْمِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ عُذْرٌ، وَمِنْهَا مَجْلِسُ الْقَضَاءِ فَلَا تُسْمَعُ هِيَ وَالشَّهَادَةُ إلَّا بَيْنَ يَدَيْ الْحَاكِمِ، وَمِنْهَا حَضْرَةُ الْخَصْمِ فَلَا يُسْمَعَانِ إلَّا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ إلَّا إذَا الْتَمَسَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ بِالْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ لِلْقَضَاءِ، وَمِنْهَا عَدَمُ التَّنَاقُضِ فِي الدَّعْوَى إلَّا فِي النَّسَبِ وَالْحُرِّيَّةِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَسْبِقَ مِنْهُ مَا يُنَاقِضُ دَعْوَاهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ قَبْلَهُ لَا بَعْدَهُ أَوْ مُطْلَقًا، وَهَذِهِ السَّبْعَةُ فِي الْبَدَائِعِ، وَمِنْهَا كَوْنُ الْمُدَّعِي مُلْزَمًا عَلَى الْخَصْمِ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَى التَّوْكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ الْحَاضِرِ لِإِمْكَانِ عَزْلِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.

الْخَامِسُ فِي حُكْمِهَا، وَهُوَ وُجُوبُ الْجَوَابِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي وَزَادَ الشَّارِحُ وُجُوبَ الْحُضُورِ عَلَى الْخَصْمِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ حُضُورَهُ شَرْطُهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَكَيْفَ يَكُونُ وُجُوبُهُ حُكْمَهَا الْمُتَأَخِّرَ عَنْهَا، وَحَاصِلُهُ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي إحْضَارَ الْخَصْمِ أَحْضَرَهُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى إنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ أَوْ كَانَ قَرِيبًا بِحَيْثُ لَوْ أَجَابَ يَبِيتُ فِي مَنْزِلِهِ، وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ مِنْهُ قِيلَ يَأْمُرُهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مُوَافَقَةِ دَعْوَاهُ لِإِحْضَارِ خَصْمِهِ، وَالْمَسْتُورُ فِي هَذَا يَكْفِي فَإِذَا أَقَامَ يَأْمُرُ إنْسَانًا لِيُحْضِرَ خَصْمَهُ، وَقِيلَ يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي فَإِنْ نَكَلَ أَقَامَهُ عَنْ مَجْلِسِهِ، وَإِنْ حَلَفَ يَأْمُرُ بِإِحْضَارِهِ. اهـ.

وَقَدَّمْنَا فِي أَدَبِ الْقَاضِي حُكْمَ مَا إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْحُضُورِ، وَأُجْرَةَ الرَّسُولِ لِإِحْضَارِهِ، وَمَا إذَا اخْتَفَى فِي بَيْتِهِ، وَحُكْمَ الْهُجُومِ عَلَيْهِ.

السَّادِسُ فِي سَبَبِهَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ إنَّهُ تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرُ بِتَعَاطِي الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ إمَّا أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى النَّوْعِ أَوْ إلَى الشَّخْصِ.

السَّابِعُ فِي الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِيَّتِهَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَشَرْعِيَّتُهَا لَيْسَتْ لِذَاتِهَا بَلْ مِنْ حَيْثُ انْقِطَاعُهَا بِالْقَضَاءِ دَفْعًا لِلْفَسَادِ الْمَظْنُونِ بِبَقَائِهَا. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُونَ هُنَا حُكْمَ اسْتِيفَاءِ ذِي الْحَقِّ حَقَّهُ مِنْ الْغَيْرِ بِلَا قَضَاءٍ، وَأَحْبَبْت جَمْعَهُ هُنَا مِنْ مَوَاضِعِهِ تَكْثِيرًا لِلْفَوَائِدِ وَتَيْسِيرًا عَلَى طَالِبِيهَا فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ حَدَّ قَذْفٍ فَلَا يَسْتَوْفِيهِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى اتِّفَاقًا وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّهُ تَعَالَى فَلَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا مَنْ يُقِيمُ الْحُدُودَ وَلَكِنْ بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي بَابِهِ، وَإِنْ كَانَ قِصَاصًا فَقَالَ فِي جِنَايَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ قُتِلَ الرَّجُلُ عَمْدًا وَلَهُ وَلِيٌّ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ بِالسَّيْفِ قَضَى بِهِ أَوْ لَا وَيَضْرِبُ عِلَاوَتَهُ وَلَوْ رَامَ قَتْلَهُ بِغَيْرِ سَيْفٍ مُنِعَ، وَإِنْ فَعَلَ عُزِّرَ لَكِنْ لَا يَضْمَنُ لِاسْتِيفَائِهِ حَقَّهُ. اهـ.

وَإِنْ كَانَ تَعْزِيرًا فَفِي حُدُودِ الْقُنْيَةِ ضَرَبَ غَيْرَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَضَرَبَهُ الْمَضْرُوبُ أَيْضًا أَنَّهُمَا يُعَزَّرَانِ وَيَبْدَأُ بِإِقَامَةِ التَّعْزِيرِ بِالْبَادِئِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَظْلَمُ، وَالْوُجُوبُ عَلَيْهِ أَسْبَقُ. اهـ.

وَأَمَّا إذَا شَتَمَهُ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ مِثْلَهُ وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَحَلِّهِ، وَقَالُوا لِلزَّوْجِ أَنْ يُؤَدِّبَ زَوْجَتَهُ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ التَّحْلِيفِ، وَمَنْ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ لَوْ مُكِّنَ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْهُ أَقَامَهُ. اهـ.

وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَفِي إجَارَةِ الْقُنْيَةِ وَلَوْ غَابَ الْمُسْتَأْجِرُ بَعْدَ السَّنَةِ وَلَمْ يُسَلِّمْ الْمِفْتَاحَ إلَى الْآجِرِ فَلَهُ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ مِفْتَاحًا آخَرَ، وَلَوْ آجَرَهُ مِنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ جَازَ. اهـ.

وَقَدْ صَارَتْ حَادِثَةُ الْفَتْوَى مَضَتْ الْمُدَّةُ وَغَابَ الْمُسْتَأْجِرُ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ فِي الدَّارِ فَأَفْتَيْت بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ الدَّارَ وَيَسْكُنَ فِيهَا، وَأَمَّا الْمَتَاعُ فَيَجْعَلُهُ فِي نَاحِيَةٍ إلَى حُضُورِ صَاحِبِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ الْفَتْحُ عَلَى إذْنِ الْقَاضِي أَخْذًا مِمَّا فِي الْقُنْيَةِ، وَفِي غَصْبِ مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَخَذَتْ أَغْصَانُ شَجَرَةِ إنْسَانٍ هَوَاءَ دَارِ آخَرَ فَقَطَعَ رَبُّ الدَّارِ الْأَغْصَانَ فَإِنْ كَانَتْ الْأَغْصَانُ بِحَالَةٍ يُمْكِنُ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَشُدَّهَا بِحَبْلٍ وَيَفْرُغَ هَوَاءَ دَارِهِ ضَمِنَ الْقَاطِعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَا يَضْمَنُ إذَا قَطَعَ مِنْ مَوْضِعٍ لَوْ رُفِعَ إلَى الْحَاكِمِ أَمَرَ بِالْقَطْعِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. اهـ.

وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَفِي مُدَايَنَاتِ الْقُنْيَةِ رَبُّ الدَّيْنِ إذَا ظَفِرَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ عَلَى صِفَتِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَلَا يَأْخُذُ خِلَافَ جِنْسِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَهُ أَخْذُهُ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ لَهُ أَخْذُ الدَّنَانِيرِ بِالدَّرَاهِمِ وَكَذَا أَخْذُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْمُسْتَحِيلِ عَادَةً إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْغَرْسِ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى بِهِ مِمَّا يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَحِيلًا عَقْلًا أَوْ عَادَةً فَإِنَّ الدَّعْوَى - وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ - ظَاهِرَةُ الْكَذِبِ فِي الْمُسْتَحِيلِ الْعَادِيِّ يَقِينِيَّةُ الْكَذِبِ فِي الْمُسْتَحِيلِ الْعَقْلِيِّ مِثَالُ الدَّعْوَى بِالْمُسْتَحِيلِ الْعَادِيِّ دَعْوَى مَنْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ الزَّكَاةَ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ أَقْرَضَهُ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ ذَهَبًا نَقْدًا دُفْعَةً وَاحِدَةً، وَأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهَا بِنَفْسِهِ وَيُطَالِبُهُ بِرَدِّ بَدَلِهَا فَمِثْلُ هَذِهِ الدَّعْوَى لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا الْقَاضِي وَلَا يَسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ جَوَابِهَا. اهـ.

لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ فِي مَنْعِ دَعْوَى الْمُسْتَحِيلِ الْعَادِيِّ إلَى نَقْلٍ عَنْ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي الْمِنَحِ.

(قَوْلُهُ وَزَادَ الشَّارِحُ وُجُوبَ الْحُضُورِ عَلَى الْخَصْمِ إلَخْ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْجَوَابِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا صَحَّتْ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى صِحَّتِهَا وُجُوبُ إحْضَارِ الْخَصْمِ وَالْمُطَالَبَةُ بِالْجَوَابِ بِلَا أَوْ نَعَمْ، وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْيَمِينِ إذَا أَنْكَرَ. اهـ.

فَلَيْسَ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ جَعَلَ وُجُوبَ الْحُضُورِ حُكْمًا، وَغَايَةُ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُحْضِرُهُ بِمُجَرَّدِ طَلَبِ الْمُدَّعِي بَلْ بَعْدَ سَمَاعِهِ دَعْوَاهُ فَإِنْ رَآهَا صَحِيحَةً أَحْضَرَهُ لِطَلَبِهِ، وَإِلَّا فَلَا فَتَدَبَّرْ أَبُو السُّعُودِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>