للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ أَخَذَ مِنْ الْغَرِيمِ غَيْرُهُ وَدَفَعَهُ إلَى الدَّائِنِ قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ هُوَ وَالْغَرِيمُ غَاصِبٌ فَإِنْ ضَمِنَ الْآخِذُ لَمْ يَصِرْ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ، وَإِنْ ضَمِنَ الْغَرِيمُ صَارَ قِصَاصًا، وَقَالَ نَصِيرُ بْنُ يَحْيَى صَارَ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ وَالْآخِذُ مُعِينٌ لَهُ وَبِهِ يُفْتَى وَلَوْ غَصَبَ جِنْسَ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ فَغَصَبَهُ مِنْهُ الْمَدْيُونُ فَالْمُخْتَارُ هُنَا قَوْلُ ابْنِ سَلَمَةَ. اهـ.

وَظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ لَهُ الْأَخْذَ مِنْ جِنْسِهِ مُقِرًّا كَانَ أَوْ مُنْكِرًا لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ لَا وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا لَمْ يَتَوَصَّلْ إلَيْهِ إلَّا بِكَسْرِ الْبَابِ وَنَقْبِ الْجِدَارِ وَيَنْبَغِي أَنَّ لَهُ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْأَخْذُ بِالْحَاكِمِ، وَإِذَا أَخَذَ غَيْرَ الْجِنْسِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ ضَمَانَ الرَّهْنِ كَمَا فِي غَصْبِ الْبَزَّازِيَّةِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا ظَفِرَ بِمَالٍ مَدْيُونِ مَدْيُونِهِ وَالْجِنْسُ وَاحِدٌ فِيهِمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ.

الثَّامِنُ فِي دَلِيلِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، وَهِيَ شَهِيرَةٌ، وَالتَّاسِعُ فِي أَنْوَاعِهَا الْعَاشِرُ فِي وُجُوهِ دَفْعِهَا وَسَيَأْتِيَانِ.

(قَوْلُهُ الْمُدَّعِي مَنْ إذَا تَرَكَ تُرِكَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ) أَيْ الْمُدَّعِي مَنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا، وَمَعْرِفَةُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ أَهَمِّ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ مَسَائِلُ الدَّعْوَى، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ فِيهِ فَمِنْهَا مَا فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ حَدٌّ عَامٌّ صَحِيحٌ، وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ كَالْخَارِجِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ كَذِي الْيَدِ، وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ يَلْتَمِسُ غَيْرَ الظَّاهِرِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْمُنْكِرُ، وَهَذَا صَحِيحٌ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي مَعْرِفَتِهِ، وَالتَّرْجِيحُ بِالْفِقْهِ عِنْدَ الْحُذَّاقِ مِنْ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعَانِي دُونَ الصُّوَرِ فَإِنَّ الْمُودِعَ إذَا قَالَ رَدَدْتُ الْوَدِيعَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ، وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا لِلرَّدِّ صُورَةً؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الضَّمَانَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي فَرَاغَ ذِمَّتِهِ عَنْ الضَّمَانِ وَلِهَذَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ اعْتِبَارًا لِلصُّورَةِ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ وَيَحْلِفُ اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى كَذَا فِي الْكَافِي، وَفِي الْمُجْتَبَى الصَّحِيحُ مَا فِي الْكِتَابِ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُجْبَرُ عَلَى أَصْلِ الْخُصُومَةِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنَّ الْخِيَارَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي تَعْيِينِ الْقَاضِي كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلْدَةِ قَاضِيَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَحَلَّةٍ عَلَى حِدَةٍ فَوَقَعَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ مَحَلَّةٍ وَالْآخَرُ مِنْ مَحَلَّةٍ أُخْرَى وَالْمُدَّعِي يُرِيدُ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى قَاضِي مَحَلَّتِهِ وَالْآخَرُ يَأْبَى ذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَكَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ، وَالْآخَرُ مِنْ أَهْلِ الْبَلْدَةِ فَأَرَادَ الْعَسْكَرِيُّ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى قَاضِي الْعَسْكَرِ فَهُوَ عَلَى هَذَا. اهـ.

وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ إنَّ الْمُدَّعِيَ مُنْشِئٌ لِلْخُصُومَةِ فَيُعْتَبَرُ قَاضِيهِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافِعٌ لَهَا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَاضِيَانِ فِي مِصْرٍ طَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَذْهَبَ إلَى قَاضٍ فَالْخِيَارُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ.

وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ شَامِلٌ لِمَا إذَا أَرَادَ الْمُدَّعِي قَاضِي مَحَلَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَرَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَاضِي مَحَلَّةِ الْمُدَّعِي، وَمَا إذَا تَعَدَّدَ الْقُضَاةُ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَكَثُرُوا كَمَا فِي الْقَاهِرَةِ فَأَرَادَ الْمُدَّعِي قَاضِيًا شَافِعِيًّا مَثَلًا، وَأَرَادَ الْآخَرُ مَالِكِيًّا مَثَلًا وَلَمْ يَكُونَا مِنْ مَحَلَّتِهِمَا فَإِنَّ الْخِيَارَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَبِهِ أَفْتَيْتُ مِرَارًا كَثِيرَةً

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخَذَ مِنْ الْغَرِيمِ غَيْرُهُ) أَيْ أَخَذَ جِنْسَ الْحَقِّ مِنْ الْغَرِيمِ غَيْرُ رَبِّ الدَّيْنِ وَدَفَعَهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ هُوَ وَالْغَرِيمُ غَاصِبٌ) عِبَارَةُ الْقُنْيَةِ هُوَ غَاصِبٌ وَالْغَرِيمُ غَاصِبُ الْغَاصِبِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ غَصَبَ جِنْسَ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ فَغَصَبَهُ مِنْهُ الْمَدْيُونُ إلَخْ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَاَلَّذِي فِي الْقُنْيَةِ فَغَصَبَهُ مِنْهُ الْغَرِيمُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَرِيمِ الدَّائِنُ لَا الْمَدْيُونُ وَالضَّمِيرُ فِي غَصَبَهُ يَعُودُ إلَى الْغَيْرِ السَّابِقِ فِي كَلَامِهِ أَيْ لَوْ غَصَبَ غَيْرُ الدَّائِنِ جِنْسَ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ فَغَصَبَهُ مِنْهُ الدَّائِنُ إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي غَصْبِ الْبَزَّازِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَاَلَّذِي فِي غَصْبِ الْبَزَّازِيَّةِ رَفَعَ عِمَامَةَ مَدْيُونِهِ عَنْ رَأْسِهِ حِينَ تَقَاضَاهُ الدَّيْنَ، وَقَالَ لَا أَرُدُّهَا عَلَيْك حَتَّى تَقْضِيَ الدَّيْنَ فَتَلِفَتْ الْعِمَامَةُ فِي يَدِهِ تَهْلَكُ هَلَاكَ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ قَالَ هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا أَمْكَنَهُ اسْتِرْدَادُهَا فَتَرَكَهَا عِنْدَهُ أَمَّا إذَا عَجَزَ فَتَرَكَهَا لِعَجْزِهِ فَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ.

وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا هُنَا مُشْكِلٌ إذْ يَقْتَضِي أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الدَّيْنِ أَمَانَةٌ مَعَ كَوْنِهِ غَاصِبًا إذْ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ غَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي الرَّهْنِ تَقَاضَى دَيْنَهُ فَلَمْ يَقْضِهِ فَرَفَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ وَأَعْطَاهُ مِنْدِيلًا فَلَفَّهُ عَلَى رَأْسِهِ فَالْعِمَامَةُ رَهْنٌ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ بِتَرْكِهَا عِنْدَهُ رَضِيَ بِكَوْنِهَا رَهْنًا، وَفِي تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ أَخَذَ عِمَامَةَ الْمَدْيُونِ لِتَكُونَ رَهْنًا عِنْدَهُ لَمْ تَكُنْ رَهْنًا. اهـ.

وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَخَذَ عِمَامَةَ مَدْيُونٍ لِتَكُونَ رَهْنًا لَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ، وَهَلَكُهُ كَرَهْنٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَوْ رَضِيَ الْمَدْيُونُ بِتَرْكِهِ هُنَا. اهـ.

وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذِهِ النُّقُولِ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُدَّعِي إذَا تَرَكَ تُرِكَ فَهُوَ مُنْشِئٌ فَيَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَنْشَأَ الْخُصُومَةَ عِنْدَ قَاضِي مَحَلَّتِهِ وَإِنْ شَاءَ أَنْشَأَهَا عِنْدَ مَحَلَّةِ خَصْمِهِ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافِعٌ لَهُ وَالدَّافِعُ يَطْلُبُ سَلَامَةَ نَفْسِهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ فَأَخْذُهُ إلَى مَنْ يَأْبَاهُ لِرِيبَةٍ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ وَتُهْمَةٍ وَقَعَتْ لَهُ رُبَّمَا يُوقِعُهُ فِي إثْبَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ وَاعْتِبَارُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِهِ وَخَصْمُهُ يُرِيدُ أَنْ يُوجِبَ عَلَيْهِ الْأَخْذَ بِالْمُطَالَبَةِ وَمَنْ طَلَبَ السَّلَامَةَ أَوْلَى بِالنَّظَرِ مِمَّنْ طَلَبَ ضِدَّهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَبِهِ أَفْتَيْت مِرَارًا كَثِيرَةً) رَدَّهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّ النُّسَخَ

<<  <  ج: ص:  >  >>