الَّذِي ادَّعَى، وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْته، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُشْتَرِي نَقْدَ الثَّمَنِ يُقَالُ لَهُ أَحْضِرْ الثَّمَنَ فَإِذَا حَضَرَ اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ مَا عَلَيْك قَبْضُ هَذَا الثَّمَنِ وَتَسْلِيمُ هَذَا الْعَبْدِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ادَّعَى، وَإِنْ شَاءَ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَك وَبَيْنَ هَذَا شِرَاءٌ قَائِمٌ السَّاعَةَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ مَعَ نَقْدِ الثَّمَنِ دَعْوَى الْمَبِيعِ مِلْكًا مُطْلَقًا، وَلَيْسَتْ بِدَعْوَى الْعَقْدِ، وَلِهَذَا تَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الثَّمَنِ فَيَحْلِفُ عَلَى مِلْكِ الْمَبِيعِ وَدَعْوَى الْبَيْعِ مَعَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ دَعْوَى الثَّمَنِ مَعْنًى، وَلَيْسَتْ بِدَعْوَى الْعَقْدِ، وَلِهَذَا تَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الْمَبِيعِ فَيَحْلِفُ عَلَى مِلْكِ الثَّمَنِ. اهـ.
وَمِنْهَا فِي دَعْوَى الْكَفَالَةِ إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً بِأَنْ ذَكَرَ أَنَّهَا مُنْجَزَةٌ أَوْ مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ، وَأَنَّهَا كَانَتْ بِإِذْنِهِ أَوْ أَجَازَهَا فِي الْمَجْلِسِ، وَإِذَا حَلَّفَهُ يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ قِبَلَك هَذِهِ الْأَلْفُ بِسَبَبِ هَذِهِ الْكَفَالَةِ الَّتِي يَدَّعِيهَا حَتَّى لَا يَتَنَاوَلَ كَفَالَةً أُخْرَى وَكَذَا إذَا كَانَتْ كَفَالَةٌ يَعْرِضُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ قِبَلَك هَذَا الثَّوْبُ بِسَبَبِ هَذِهِ الْكَفَالَةِ، وَفِي النَّفْسِ بِاَللَّهِ مَا لَهُ قِبَلَك تَسْلِيمُ نَفْسِ فُلَانٍ بِسَبَبِ هَذِهِ الْكَفَالَةِ الَّتِي يَدَّعِيهَا كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَمِنْهَا تَحْلِيفُ الْمُسْتَحِقِّ قَالَ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ رَجُلٌ أَعَارَ دَابَّةً أَوْ آجَرَهَا أَوْ أَوْدَعَهَا فَجَاءَ مُدَّعٍ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِشَيْءٍ حَتَّى يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا بِعْت، وَلَا وَهَبْت، وَلَا أَذِنْت فِيهَا، وَلَا هِيَ خَارِجَةٌ عَنْ مِلْكِك لِلْحَالِ، وَمِنْهَا إذَا ادَّعَى غَرِيمُ الْمَيِّتِ إيفَاءَ الدَّيْنِ لَهُ، وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ يَحْلِفُ مَا نَعْلَمُ أَنَّهُ قَبَضَهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، وَلَا بَرِئَ إلَيْهِ مِنْهُ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَقَدَّمْنَا كَيْفِيَّةَ تَحْلِيفِ مُدَّعِيهِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقُولُ: قَوْلُهُ: وَلَا بَرِئَ إلَى آخِرِهِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْإِيفَاءَ لَا الْبَرَاءَةَ فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ فِي التَّحْلِيفِ. اهـ.
وَأَجَبْت عَنْهُ فِيمَا كَتَبْنَاهُ عَلَيْهِ بِجَوَازِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَبْرَأَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَدْيُونُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ، وَمِنْهَا فِي دَعْوَى الْإِتْلَافِ قَالَ فِي الْخِزَانَةِ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ خَرَقَ ثَوْبَهُ، وَأَحْضَرَ الثَّوْبَ مَعَهُ إلَى الْقَاضِي لَا يُحَلِّفُهُ مَا خَرَقْت ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الْخَرْقِ إنْ كَانَ يَسِيرًا وَضَمِنَ النُّقْصَانَ يَحْلِفُ مَا لَهُ عَلَيْك هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي تَدَّعِي، وَلَا أَقَلُّ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الثَّوْبُ حَاضِرًا كَلَّفَهُ الْقَاضِي بَيَانَ قِيمَتِهِ، وَمِقْدَارِ النُّقْصَانِ ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي هَدْمِ الْحَائِطِ أَوْ فَسَادِ مَتَاعٍ أَوْ ذَبْحِ شَاةٍ أَوْ نَحْوِهِ. اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ تَكَرَّرَ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ صُوَرِ التَّحْلِيفِ تَكْرَارُ لَا فِي لَفْظِ الْيَمِينِ خُصُوصًا فِي تَحْلِيفِ مُدَّعِي دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنَّهَا تَصِلُ إلَى خَمْسَةٍ، وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ إلَى أَرْبَعَةٍ مَعَ قَوْلِهِمْ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ إنَّ الْيَمِينَ تَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِ حَرْفِ الْعَطْفِ مَعَ قَوْلِهِ لَا كَقَوْلِهِ لَا آكُلُ طَعَامًا، وَلَا شَرَابًا، وَمَعَ قَوْلِهِمْ هُنَا فِي تَغْلِيظِ الْيَمِينِ يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْعَطْفِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا عُطِفَ صَارَتْ أَيْمَانًا، وَلَمْ أَرَ عَنْهُ جَوَابًا بَلْ، وَلَا مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي فِي الْجَمْعِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ ادَّعَى شُفْعَةً بِالْجِوَارِ أَوْ نَفَقَةَ الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُشْتَرِي أَوْ الزَّوْجُ لَا يَرَاهُمَا يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ) يَعْنِي بِأَنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا شَافِعِيًّا مَثَلًا لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى الْحَاصِلِ يُصَدَّقُ فِي يَمِينِهِ فِي مُعْتَقَدِهِ فَيَفُوتُ النَّظَرُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي، وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَذْهَبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَذْهَبُ الْمُدَّعِي فَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَقِيلَ إنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ لِمَذْهَبِ الْقَاضِي فَلَوْ ادَّعَى شَافِعِيٌّ شُفْعَةَ الْجِوَارِ عِنْدَ حَنَفِيٍّ سَمِعَهَا، وَقِيلَ لَا، وَقِيلَ يَسْأَلُهُ الْقَاضِي هَلْ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا أَوْ لَا، وَفِي شَرْحِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنَّ الْأَخِيرَ أَوْجَهُ الْأَقَاوِيلِ، وَأَحْسَنُهَا. اهـ.
وَهَذَا تَصْحِيحٌ فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَذَكَرَ الصَّدْرُ حِكَايَةً عَنْ الْقَاضِي أَبِي عَاصِمٍ أَنَّهُ كَانَ يُدَرِّسُ وَالْخَلِيفَةُ يَحْكُمُ فَاتَّفَقَ أَنَّ امْرَأَةً ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا نَفَقَةَ الْعِدَّةِ فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَحَلَّفَهُ بِاَللَّهِ مَا عَلَيْك تَسْلِيمُ النَّفَقَةِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي تَدَّعِي فَلَمَّا تَهَيَّأَ لِيَحْلِفَ نَظَرَتْ الْمَرْأَةُ إلَيْهِ فَعَلِمَ لِمَاذَا نَظَرَتْ إلَيْهِ فَنَادَى خَلِيفَتَهُ سَلْ الرَّجُلَ مِنْ أَيِّ الْمَحَلَّةِ هُوَ حَتَّى إنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ حَلِّفْهُ بِاَللَّهِ مَا هِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْك؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَرَى النَّفَقَةَ لِلْمَبْتُوتَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا حَلِّفْهُ بِاَللَّهِ مَا عَلَيْك تَسْلِيمُ النَّفَقَةِ إلَيْهَا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي تَدَّعِي نَظَرًا لَهَا. اهـ.
فَإِنْ قُلْت قَدْ رَاعَيْتُمْ جَانِبَ الْمُدَّعِي وَتَرَكْتُمْ النَّظَرَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ اشْتَرَى، وَلَا شُفْعَةَ لَهُ بِأَنْ سَلَّمَ أَوْ سَكَتَ عَنْ الطَّلَبِ قُلْتُ أَشَارَ الصَّدْرُ إلَى جَوَابِهِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِأَحَدِهِمَا فَكَانَ مُرَاعَاةُ جَانِبِ الْمُدَّعِي أَوْلَى، وَأَوْجَبَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَأَجَبْت عَنْهُ فِيمَا كَتَبْنَاهُ عَلَيْهِ إلَخْ) وَأَجَابَ عَنْهُ أَيْضًا فِي نُورِ الْعَيْنِ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ: لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَحَلُّ نَظَرٍ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى هُوَ إيفَاءُ مَجْمُوعِ الدَّيْنِ فَلَوْ أُرِيدَ تَسْوِيَتُهُ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَاكْتَفَى فِي الْحَلِفِ بِلَفْظِ مَا تَعْلَمُونَ أَنَّ أَبَاكُمْ قَبَضَهُ فَزِيَادَةُ لَفْظِ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ تَدُلُّ قَطْعًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إنَّمَا هُوَ دَفْعُ جَمِيعِ الْوُجُوهِ الْمُحْتَمَلَةِ فِي جَانِبِ الْمُوَرِّثِ نَظَرًا لِلْغَرِيمِ وَشَفَقَةً عَلَيْهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ زِيَادَةٍ وَلَا بَرِئَ إلَيْهِ احْتِمَالُ أَنَّ الْغَرِيمَ تَجُوزَ فَأَرَادَ بِالْإِيفَاءِ الْإِبْرَاءَ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ مَآلِهَا، وَهُوَ خَلَاصُ الذِّمَّةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا يُحَلِّفُهُ مَا خَرَقْت) أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ خَرَقَهُ، وَأَدَّى ضَمَانَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ ظَهَرَ لِي فِي الْجَمْعِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَكَذَا فِي النُّسْخَةِ الَّتِي كَتَبْت مِنْهَا، وَهُنَا كَلَامٌ سَاقِطٌ وَأَقُولُ: إذَا تَأَمَّلْ الْمُتَأَمِّلُ وَجَدَ التَّكْرَارَ لِتَكْرِيرِ الْمُدَّعَى فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.
يَعْنِي: أَنَّ الْمُدَّعِيَ، وَإِنْ ادَّعَى شَيْئًا وَاحِدًا فِي اللَّفْظِ لَكِنَّهُ مُدَّعٍ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ضِمْنًا.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَذْهَبُ الْمُدَّعِي فَفِيهِ اخْتِلَافٌ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ فِي غَيْرِ قُضَاةِ زَمَانِنَا الْمَأْمُورِينَ بِالْحُكْمِ عَلَى مَذْهَبِ مُوَلِّيهِمْ عَزَّ نَصْرُهُ.