للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَرْجًا وَادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِرِكَابِهِ أَوْ خَاتَمًا وَادَّعَى أَنَّهُ بِفَصِّهِ، وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ، وَالْبَقَّالِي اخْتَلَفَا فِي الثِّيَابِ وَالْجِرَابِ وَالنَّخْلَةِ وَالرُّطَبِ وَادَّعَى الْبَائِعُ أَحَدَهُمَا وَالْمُشْتَرِي كِلَيْهِمَا يُحَكَّمُ الثَّمَنُ فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الْعَادَةِ لَمْ يَجُزْ وَعَنْ الْإِمَامِ فِيمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ، وَقَبَضَهُ، وَقَبَضَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ ثُمَّ زَعَمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ مَعَ الْعَبْدِ أَمَةٌ بِعَيْنِهَا دَخَلَتْ فِي الْبَيْعِ، وَأَنْكَرَهُ الْبَائِعُ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ الْأَمَةَ مَعَهُ، وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ، وَقَالَ الثَّانِي بَعْدَ الْحَلِفِ يَرُدُّ عَلَيْهِ حِصَّةَ الْأَمَةِ مِنْ الثَّمَنِ فِي الِاسْتِحْسَانِ وَكَذَا فِي كُلِّ مَا يَكُونُ مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ فَإِذَا كَانَ شَيْئًا لَا يَكُونُ مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ لَا يُصَدَّقُ. اهـ.

وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ التَّحَالُفَ عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ عِنْدَ عَدَمِ تَحْكِيمِ الثَّمَنِ أَمَّا إذَا حُكِّمَ الثَّمَنُ فَلَا تَحَالُفَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَحْكِيمَ الثَّمَنِ خَارِجٌ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّحَالُفَ فِي الْبَيْعِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ بَلْ يَجْرِي فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعِيًا أَوْ مُنْكَرًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي بَاعَ أَمَةً وَتَقَابَضَا فَقَالَ الْبَائِعُ هِيَ لِزَيْدٍ أَمَرَنِي بِبَيْعِهَا، وَقَالَ زَيْدٌ بِعُتِّهَا مِنْك بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَقَبَضْتَهَا وَبِعْت مِلْكَكَ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي وَتَحَالَفَا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي الْأَمْرَ بِالْبَيْعِ وَالْمُقَرُّ لَهُ يُنْكِرُ وَالْمُقَرُّ لَهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الثَّمَنَ، وَهُوَ يُنْكِرُ، وَإِنْ حَلَفَا فَإِنْ جُهِلَتْ أَنَّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ وَكَذَّبَهُمَا الْمُشْتَرِي ضَمِنَ الْمُقِرُّ قِيمَتَهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً أَنَّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ لَا ضَمَانَ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَبَدَأَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي) ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَشَدُّهُمَا إنْكَارًا؛ لِأَنَّهُ يُطَالِبُ أَوَّلًا بِالثَّمَنِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَجَّلُ فَائِدَةَ النُّكُولِ، وَهُوَ إلْزَامُ الثَّمَنِ، وَلَوْ بَدَأَ بِيَمِينِ الْبَائِعِ تَتَأَخَّرُ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى زَمَانِ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ أَوَّلًا يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ الْبَائِعُ» خَصَّهُ بِالذِّكْرِ، وَأَقَلُّ فَائِدَتِهِ التَّقْدِيمُ أَطْلَقَهُ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِبَيْعِ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ أَمَّا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ أَوْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَالْقَاضِي مُخَيَّرٌ لِلِاسْتِوَاءِ وَصِفَةُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ، وَقَالَ فِي الزِّيَادَاتِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ، وَلَقَدْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ، وَلَقَدْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ يُضَمُّ الْإِثْبَاتُ إلَى النَّفْيِ تَأْكِيدًا وَالْأَصَحُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى النَّفْيِ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ عَلَى ذَلِكَ وُضِعَتْ دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْقَسَامَةِ «بِاَللَّهِ مَا قُلْتُمْ، وَلَا عَلِمْتُمْ لَهُ قَاتِلًا» ، وَفِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ مِنْ بَابِ الِاخْتِلَافِ فِيمَا يَجِبُ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَبِالْعَكْسِ مَسْأَلَةٌ الْأَصَحُّ فِيهَا تَقْدِيمُ يَمِينِ الْبَائِعِ.

(قَوْلُهُ: وَفَسَخَ الْقَاضِي بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا فَلَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِحَلِفِهِمَا) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَبْقَى بَيْعٌ مَجْهُولٌ فَيَفْسَخُهُ الْقَاضِي قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ أَوْ يُقَالُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْبَدَلُ يَبْقَى بَيْعًا بِلَا بَدَلٍ، وَهُوَ فَاسِدٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْفَسْخِ فِي فَاسِدِ الْبَيْعِ فَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً فَلِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا، وَلَوْ فَسَدَ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ، وَقَيَّدَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْسَخُهُ بِدُونِ طَلَبِ أَحَدِهِمَا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ أَنَّهُمَا لَوْ فَسَخَاهُ انْفَسَخَ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَاضِي، وَإِنْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا لَا يَكْتَفِي، وَإِنْ اكْتَفَى بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ) ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ بَاذِلًا فَلَمْ يَبْقَ فِي دَعْوَاهُ مُعَارِضًا لِدَعْوَى الْآخَرِ فَلَزِمَ الْقَوْلُ بِثُبُوتِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْبَدَلِ مَقْصُودًا فَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الزِّقِّ فَلَا تَحَالُفَ وَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فِي أَنَّهُ الزِّقُّ؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي الْمَقْبُوضِ وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْقَابِضِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حُكْمَ الِاخْتِلَافِ فِي الْوَصْفِ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ فَإِنْ كَانَ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ تَحَالَفَا، وَإِنْ كَانَ فِي وَصْفِ الْمَبِيعِ كَمَا لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ أَوْ خَبَّازٌ فَقَالَ الْبَائِعُ لَمْ أَشْتَرِطْ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ، وَلَا تَحَالُفَ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ أَوْ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ فِي قَبْضِ بَعْضِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ أَوْ بَعْضِهِ أَوْ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ أَوْ فِي رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ

ــ

[منحة الخالق]

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَبَدَأَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ أَمَّا لَوْ كَانَ فِي الْمَبِيعِ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِمَّا يَأْتِي فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْإِجَارَةِ تَأَمَّلْ. اهـ.

قُلْت وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ لَكِنْ عِبَارَةُ ابْنِ الْكَمَالِ وَحَلَفَ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ إلَخْ يَعْنِي الِاخْتِلَافَ فِي الثَّمَنِ أَوْ فِي الْمَبِيعِ أَوْ فِيهِمَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ أَيْضًا لِظَاهِرِ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَشَدُّهُمَا إنْكَارًا إلَخْ تَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>