للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ رَهْنٌ عِنْدِي مِنْ فُلَانٍ يَنْدَفِعُ إذَا بَرْهَنَ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ أَقَرَّ بِكَوْنِهِ مِلْكًا لَهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ يَجْعَلُهُ خَصْمًا وَيْحُكُمْ عَلَيْهِ بِسَبْقِ إقْرَارِهِ وَيُمْنَعُ مِنْ الدَّفْعِ. اهـ.

وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ عَنْ الْغَائِبِ مِثَالٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّ ذَا الْيَدِ ادَّعَى مِلْكًا لِنَفْسِهِ سَوَاءٌ أَطْلَقَهُ أَوْ قَيَّدَهُ بِشِرَاءٍ وَهِبَةٍ مَعَ قَبْضِ أَوْ صَدَقَةٍ كَذَلِكَ، وَأَطْلَقَ فِي الشِّرَاءِ فَشَمِلَ الْفَاسِدَ مَعَ الْقَبْضِ كَمَا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا لَوْ قَالَ إنَّهُ مِلْكِي ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْوَدِيعَةِ لَا يُسْمَعُ. اهـ.

وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي يَدِهِ دَارٌ زَعَمَ شِرَاءَهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ أَوْ صَدَقَةً مَقْبُوضَةً أَوْ هِبَةً كَذَلِكَ مُنْذُ شَهْرٍ أَوْ أَمْسِ وَبَرْهَنَ أَوَّلًا وَبَرْهَنَ آخِرًا أَنَّ هَذَا الْغَائِبَ رَهَنَهَا مِنْهُ مُنْذُ شَهْرٍ أَوْ آجَرَهَا مِنْهُ أَوْ أَعَارَهَا مِنْهُ، وَقَبَضَهَا وَبَرْهَنَ يُحْكَمُ بِهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ، وَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عَنْ ذِي الْيَدِ ثُمَّ ذُو الْيَدِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ إلَى الْمُدَّعِي وَتَرَبَّصَ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ فَكِّ الرَّهْنِ، وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ، وَإِنْ اخْتَارَ عَدَمَ النَّقْضِ فَأَدَّى الْبَائِعُ الدَّيْنَ، وَفَكَّ الرَّهْنَ قَبْلَ قَبْضِهِ تَمَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي بَرْهَنَ أَنَّ الدَّارَ لَهُ أَعَارَهَا أَوْ آجَرَهَا أَوْ رَهَنَهَا مِنْ الْغَائِبِ أَوْ اشْتَرَاهَا الْغَائِبُ مِنْهُ، وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ ذُو الْيَدِ يُقْضَى بِهَا لِلْمُدَّعِي فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا أَمَّا فِي الْإِعَارَةِ فَلِعَدَمِ اللُّزُومِ.

وَأَمَّا فِي الْإِجَارَةِ فَلِأَنَّهُ عُذِرَ فِي الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ إزَالَتَهَا عَنْ مِلْكِهِ، وَأَمَّا فِي الشِّرَاءِ فَلِأَنَّ لَهُ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَإِنْ دَفَعَ الْحَاكِمُ الدَّارَ إلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ كَانَ آجَرَهَا، وَلَمْ يَقْبِضْ الْأُجْرَةَ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِالنَّفْسِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ كَانَ قَبَضَ الْأُجْرَةَ أَوْ كَانَ ادَّعَى رَهْنًا لَا يَدْفَعُ إلَى الْمُدَّعِي وَيَضَعُهَا عَلَى يَدِ عَدْلٍ. اهـ.

وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ دَعْوَى الرَّهْنِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَوْ الْإِعَارَةِ مِنْ الْغَائِبِ كَدَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ عَلَى ذِي الْيَدِ، وَقَيَّدَ بِدَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْ الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ بَاعَهَا مِنْ الْغَائِبِ فَلَوْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ بَاعَ الْعَيْنَ مِنْ الْغَائِبِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ ادَّعَى عَلَيْهِ عَبْدًا، وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّك بِعْتَهُ مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَعَلَى مَا عَلَيْهِ إشَارَاتُ الْجَامِعِ وَالزِّيَادَاتُ لَا تُقْبَلُ وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ فِي أَجْنَاسِهِ أَنَّهَا تُقْبَلُ وَتَنْدَفِعُ الدَّعْوَى ثُمَّ إذَا قُبِلَتْ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ تَلَقِّيَ الْمِلْكِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَأَوْلَى أَنْ تُقْبَلَ إذَا ادَّعَاهُ. اهـ.

وَفِيهَا قَبْلَهُ ادَّعَى عَلَيْهِ دَارًا أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعِيَ بَاعَهَا مِنْ زَوْجَتِهِ وَبَاعَتْهَا هِيَ مِنِّي تُسْمَعُ. اهـ. وَإِذَا لَمْ تَنْدَفِعْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَأَقَامَ الْخَارِجُ الْبَيِّنَةَ فَقُضِيَ لَهُ ثُمَّ جَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ الْغَائِبُ وَبَرْهَنَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قُضِيَ عَلَى ذِي الْيَدِ خَاصَّةً ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَحَاصِلُ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى فِعْلًا عَلَى ذِي الْيَدِ فَدَفَعَهُ بِدَعْوَى الْإِيدَاعِ مِنْ الْغَائِبِ وَبَرْهَنَ فَإِنَّهَا لَا تَنْدَفِعُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ خَصْمًا بِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ لَا بِيَدِهِ بِخِلَافِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّهُ خَصْمٌ فِيهِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ حَتَّى لَا تَصِحَّ دَعْوَاهُ عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ وَتَصِحُّ دَعْوَى الْفِعْلِ، وَقَدْ بُنِيَ فِعْلُ الْغَصْبِ لِلْفَاعِلِ، وَفِعْلُ السَّرِقَةِ لِلْمَفْعُولِ فَخَرَجَ مَا إذَا بُنِيَ الْأَوَّلُ لِلْمَفْعُولِ بِأَنْ قَالَ غُصِبَ مِنِّي كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ فِي السَّرِقَةِ لِلْمَفْعُولِ لِيُعْلَمَ حُكْمُ مَا إذَا بَنَاهُ لِلْفَاعِلِ بِالْأَوْلَى، وَهُوَ اتِّفَاقٌ، وَفِي الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ الِاخْتِلَافُ فَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ كَبِنَاءِ فِعْلِ الْغَصْبِ لِلْفَاعِلِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَاسْتَحْسَنَاهُ وَجَعَلَاهُ مِنْ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِي ذِكْرِ الْفَاعِلِ إشَاعَةَ الْفَاحِشَةِ بِخِلَافِ الْغَصْبِ، وَلَوْ ادَّعَاهُ بِالْمَصْدَرِ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُونَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ ادَّعَى أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَفِي يَدِهِ غَصْبٌ وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى الْإِيدَاعِ قِيلَ تَنْدَفِعُ لِعَدَمِ دَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَنْدَفِعُ. اهـ.

وَأَرَادَ بِالْبُرْهَانِ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ فَخَرَجَ الْإِقْرَارُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ مَنْ صَارَ خَصْمًا لِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ إنْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِإِيدَاعِ الْغَائِبِ مِنْهُ تَنْدَفِعُ وَإِنْ لَمْ تَنْدَفِعْ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْإِيدَاعِ لِثُبُوتِ إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ خُصُومَةٍ. اهـ.

وَذِكْرُ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ تَمْثِيلٌ وَالْمُرَادُ دَعْوَى فِعْلٍ عَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي أَوْدَعْتُك إيَّاهُ أَوْ اشْتَرَيْته مِنْك وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الرَّقَبَةِ لَهُ لَا تَنْدَفِعُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي مِلْكِي، وَفِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَكُونُ دَعْوَى الْغَصْبِ فَتَنْدَفِعُ لَوْ بَرْهَنَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ إزَالَتَهَا عَنْ مِلْكِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ يُرِيدُ إزَالَةَ الدَّارِ عَنْ مِلْكِ الْمُدَّعِي بِدَعْوَاهُ شِرَاءَهَا مِنْ الْغَائِبِ فَلِهَذَا كَانَ لِلْمُدَّعِي حَقُّ الْفَسْخِ وَتَسَلُّمِ الدَّارِ مِنْ ذِي الْيَدِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْذَارِ فَسْخِ الْإِجَارَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>