فَلَوْ بَرْهَنَا عَلَى مَا ادَّعَيَاهُ فَدَفَعَهُ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ مِلْكُهُ غَصَبَهُ مِنْهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَلَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي الِاخْتِيَارِ لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي أَوْدَعَنِيهَا ثُمَّ وَهَبَهَا مِنْك أَوْ بَاعَهَا، وَأَنْكَرَ يَسْتَحْلِفُهُ الْقَاضِي أَنَّهُ مَا وَهَبَهَا مِنْهُ، وَلَا بَاعَهَا لَهُ فَإِنْ نَكَلَ صَارَ خَصْمًا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ فَكَانَ خَصْمًا. اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الدَّفْعُ الصَّحِيحُ لِلدَّعْوَى الْفَاسِدَةِ الَّتِي اتَّفَقَتْ الْأَئِمَّةُ عَلَى فَسَادِهَا صَحِيحٌ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ الدَّفْعُ أَيْضًا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى فَاسِدٍ، وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ وَكَمَا يَصِحُّ الدَّفْعُ قَبْلَ الْبُرْهَانِ يَصِحُّ بَعْدَ إقَامَتِهِ أَيْضًا وَكَذَا يَصِحُّ قَبْلَ الْحُكْمِ كَمَا يَصِحُّ بَعْدَهُ وَدَفْعُ الدَّفْعِ وَدَفْعُهُ، وَإِنْ كَثُرَ صَحِيحٌ فِي الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ لَا يُسْمَعُ بَعْدَ ثَلَاثٍ بِأَنْ ادَّعَى الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ فَقَالَ اشْتَرَيْتُهُ مِنْك فَدَفَعَ قَائِلًا بِالْإِقَالَةِ فَدَفَعَ قَائِلًا بِأَنَّك أَقْرَرْت مَا اشْتَرَيْته مِنِّي يُسْمَعُ فِي الْمُخْتَارِ كَمَا لَوْ كَانَ الشُّهُودُ عُدُولًا وَالدَّفْعُ مِنْ غَيْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يُسْمَعُ وَدَفْعُ أَحَدِ الْوَرَثَةِ يُسْمَعُ، وَإِنْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ لِقِيَامِ بَعْضِهِمْ مَقَامَ الْكُلِّ حَتَّى لَوْ ادَّعَى مُدَّعٍ عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ دَارًا فَبَرْهَنَ الْوَارِثُ الْآخَرُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ بِكَوْنِهِ مُبْطِلًا فِي الدَّعْوَى يُسْمَعُ. اهـ.
فَإِنْ قُلْت مَا فَائِدَةُ دَفْعِ الدَّعْوَى الْفَاسِدَةِ مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْمَعُهَا قُلْت تَفَقُّهًا، وَلَمْ أَرَهُ: فَائِدَتُهُ لَوْ ادَّعَاهَا عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ كَانَ الدَّفْعُ الْأَوَّلُ كَافِيًا.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الدَّفْعَ بَعْدَ الْحُكْمِ صَحِيحٌ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى لِلْمُدَّعِي قَبْلَ الدَّفْعِ ثُمَّ دَفَعَ بِالْإِيدَاعِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَخُصَّ مِنْ الْكُلِّيِّ فَافْهَمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ حُكْمَ جَوَابِ الْغَائِبِ إذَا حَضَرَ، وَفِي الْخَانِيَّةِ فَإِنْ حَضَرَ فُلَانٌ وَسَلَّمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّارَ إلَيْهِ فَادَّعَاهُ الْمُدَّعِي الْأَوَّلُ دَعْوَاهُ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ فَأَجَابَ أَنَّهَا وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ لِفُلَانٍ آخَرَ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَتَنْدَفِعُ عَنْهُ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي. اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ لَمْ يُبَرْهِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَرْهَنَ الطَّالِبُ وَحُكِمَ لَهُ بِهِ ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ وَادَّعَى بِأَنَّهُ مِلْكُهُ إنْ أَطْلَقَ الْمِلْكَ تُقْبَلُ، وَإِنْ قَالَ بِالشِّرَاءِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى ذِي الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ قَضَاءٌ عَلَى كُلِّ مَنْ تَلَقَّى الْمِلْكَ إلَيْهِ مِنْهُ فَكَانَ الْمُشْتَرِي مَقْضِيًّا عَلَيْهِ، وَإِنْ حَضَرَ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَرْهَنَ عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ فَهُمَا كَخَارِجَيْنِ بَرْهَنَا عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ الرَّهْنِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُخَمَّسَةِ تَصْلُحُ حِيلَةً لِإِثْبَاتِ الرَّهْنِ فِي غَيْبَةِ الرَّاهِنِ كَمَا فِي حِيلَ الْوَلْوَالِجيَّةِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَوْ لَمْ يَسْمَعْ دَفْعَ ذِي الْيَدِ، وَقَضَى بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي كَانَ قَضَاءً عَلَى غَائِبٍ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ فِي نَفَاذِهِ رِوَايَتَيْنِ فَلْيَكُنْ هَذَا عَلَى ذِكْرٍ مِنْك، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، وَفِي الْعُبَابِ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى غَائِبٍ وَيَحْلِفُ عَلَى بَقَاءِ مِلْكِهِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ ابْتَعْته مِنْ الْغَائِبِ أَوْ قَالَ الْمُدَّعِي غَصَبْتُهُ أَوْ سُرِقَ مِنِّي، وَقَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ لَا) أَيْ لَا تَنْدَفِعُ بَيَانٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ حَاصِلُ الْأُولَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى فِي الْعَيْنِ مِلْكًا مُطْلَقًا، وَأَنْكَرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى الْمِلْكِ فَدَفَعَهُ ذُو الْيَدِ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ لَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ الْخُصُومَةُ يَعْنِي فَيَقْضِي الْقَاضِي بِبُرْهَانِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ اعْتَرَفَ بِكَوْنِهِ خَصْمًا فَالضَّمِيرُ فِي قَالَ عَائِدٌ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَر الْوَتَّارُ قَالَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ إنَّهُ مِلْكِي ثُمَّ قَالَ فِي مَجْلِسِهِ إنَّهُ وَدِيعَةٌ عِنْدِي
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَدَفْعُ الدَّفْعِ وَدَفْعُهُ، وَإِنْ كَثُرَ صَحِيحٌ فِي الْمُخْتَارِ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ خُلَاصَةُ صُورَتِهِ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اشْتَرَيْته مِنْك فَقَالَ الْمُدَّعِي قَدْ أَقَلْتُ الْمَبِيعَ فَلَوْ قَالَ الْآخَرُ إنَّكَ أَقْرَرْت أَنِّي مَا اشْتَرَيْتُهُ يُسْمَعُ إذَا ثَبَتَ الْعَدَالَةُ (ذ) وَيَصِحُّ الدَّفْعُ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَبَعْدَهَا، وَقَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَهُ حَتَّى لَوْ بَرْهَنَ عَلَى مَالٍ وَحَكَمَ لَهُ فَبَرْهَنَ خَصْمُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ قَبْلَ الْحُكْمِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ بَطَلَ الْحُكْمُ قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ الْحُكْمُ لَوْ أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ بِحُدُوثِهِ بَعْدَ إقْرَارِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي (فش) أَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ الْحُكْمُ الْجَائِزُ بِشَكٍّ.
يَقُولُ الْحَقِيرُ قَوْلُهُ: يَنْبَغِي مَحَلُّ نَظَرٍ؛ لِأَنَّ مَا فِي (ذ) بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِ اشْتِرَاطِ التَّوْفِيقِ وَعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِمُجَرَّدِ إمْكَانِ التَّوْفِيقِ كَمَا مَرَّ مِرَارًا (فَقَطْ) مُتَقَدِّمُو مَشَايِخِنَا جَوَّزُوا دَفْعَ الدَّفْعِ وَبَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَقِيلَ يَصِحُّ مَا لَمْ يَظْهَرْ احْتِيَالٌ وَتَلْبِيسٌ (فش) حُكِمَ لَهُ بِمَالٍ ثُمَّ رَفَعَا إلَى قَاضٍ آخَرَ وَجَاءَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّفْعِ يُسْمَعُ وَيَبْطُلُ بِحُكْمِ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ لَوْ أَتَى بِالدَّفْعِ بَعْدَ الْحُكْمِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَا يُقْبَلُ نَحْوُ أَنْ يُبَرْهِنَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ قَبْلَ الدَّعْوَى أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الدَّارِ لَا يَبْطُلُ الْحُكْمُ لِجَوَازِ التَّوْفِيقِ بِأَنَّهُ شَرَاهُ بِخِيَارٍ فَلَمْ يَمْلِكْهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ وَقْتَ الْحُكْمِ فَمَلَكَهُ فَلَمَّا احْتَمَلَ هَذَا لَمْ يَبْطُلْ الْحُكْمُ الْجَائِزُ بِشَكٍّ وَلَوْ بَرْهَنَ قَبْلَ الْحُكْمِ يُقْبَلُ وَلَا يُحْكَمُ إذْ الشَّكُّ يَدْفَعُ الْحُكْمَ وَلَا يَرْفَعُهُ يَقُولُ الْحَقِيرُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ بَرْهَنَ قَبْلَ الْحُكْمِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ التَّوْفِيقُ خَفِيفًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ وَيُحْكَمَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ جَعَلَ إمْكَانَ التَّوْفِيقِ كَافِيًا إذْ لَا شَكَّ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ إمْكَانَهُ كَتَصْرِيحِهِ عِنْدَهُمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَهُ فِيهِ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ عَلَى إبْطَالِ الْقَضَاءِ بِأَنْ ادَّعَى دَارًا بِالْإِرْثِ وَبَرْهَنَ، وَقَضَى ثُمَّ ادَّعَى الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ الشِّرَاءَ مِنْ مُوَرِّثِ الْمُدَّعِي وَادَّعَى الْخَارِجُ الشِّرَاءَ مِنْ فُلَانٍ وَبَرْهَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى شِرَائِهِ مِنْ فُلَانٍ أَوْ مِنْ الْمُدَّعِي قَبْلَهُ أَوْ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالدَّابَّةِ فَبَرْهَنَ عَلَى نِتَاجِهَا عِنْدَهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ) أَيْ قَرِيبًا، وَقَدْ عَلِمْت جَوَابَهُ.