للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْمَغْزُولِ وَالْحِنْطَةُ مِمَّا يَتَكَرَّرُ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَزْرَعُ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُغَرْبِلُ التُّرَابَ فَيُمَيِّزُ الْحِنْطَةَ مِنْهَا ثُمَّ تُزْرَعُ ثَانِيَةً وَكَذَا كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَالْجُبْنُ لَا يُصْنَعُ إلَّا مَرَّةً وَهُوَ سَبَبٌ لِأَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ وَكَذَا اللَّبَنُ إذَا تَنَازَعَا فِي كَوْنِهِ حُلِبَ فِي مِلْكِهِ وَالنَّخْلُ يُغْرَسُ غَيْرَ مَرَّةٍ فَإِذَا تَنَازَعَا فِي أَرْضٍ وَنَخِيلٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلْخَارِجِ بِهِمَا وَكَذَا فِي أَرْضٍ مَزْرُوعَةٍ أَمَّا إذَا كَانَ الزَّرْعُ مِمَّا يَتَكَرَّرُ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا كَانَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِيهَا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى شَاةٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ أَنَّهَا شَاتُه وَجَزَّ هَذَا الصُّوفَ مِنْهَا وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ أَنَّ الشَّاةَ الَّتِي يَدَّعِيهَا لَهُ وَجَزَّ الصُّوفَ مِنْهَا فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالشَّاةِ لِلْمُدَّعِي لِأَنَّهُمَا ادَّعَيَا فِي الشَّاةِ مِلْكًا مُطْلَقًا فَيُقْضَى بِالشَّاةِ لِلْخَارِجِ ثُمَّ يَتْبَعُهَا الصُّوفُ لِأَنَّ الْجَزَّ لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ يَتَكَرَّرُ أَوَّلًا إنَّمَا هُوَ الْأَصْلُ لَا التَّبَعُ وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ شَاتَانِ فِي يَدِ رَجُلٍ إحْدَاهُمَا بَيْضَاءُ وَالْأُخْرَى سَوْدَاءُ فَادَّعَاهُمَا رَجُلٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمَا لَهُ وَأَنَّ هَذِهِ الْبَيْضَاءَ وَلَدَتْ هَذِهِ السَّوْدَاءَ فِي مِلْكِهِ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمَا لَهُ وَأَنَّ هَذِهِ السَّوْدَاءَ وَلَدَتْ هَذِهِ الْبَيْضَاءَ فِي مِلْكِهِ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالشَّاةِ الَّتِي ذَكَرَتْ شُهُودُهُ أَنَّهَا وَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ حَمَامٌ أَوْ دَجَاجٌ أَوْ طَيْرٌ مِمَّا يُفَرِّخُ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُ فَرَّخَ فِي مِلْكِهِ وَأَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ قُضِيَ بِهِ لِصَاحِبِ الْيَدِ وَلَوْ ادَّعَى لَبَنًا فِي يَدِ رَجُلٍ ضَرَبَهُ فِي مِلْكِهِ وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ يُقْضَى بِهِ لِلْخَارِجِ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ اللَّبَنِ آجُرٌّ أَوْ جِصٌّ أَوْ نَوْرَةٌ يُقْضَى بِهِ لِصَاحِبِ الْيَدِ وَغَزْلُ الْقُطْنِ لَا يَتَكَرَّرُ فَيُقْضَى بِهِ لِذِي الْيَدِ بِخِلَافِ غَزْلِ الصُّوفِ وَوَرَقِ الشَّجَرِ وَثَمَرَتِهِ فِي النِّتَاجِ بِخِلَافِ غُصْنِ الشَّجَرَةِ وَالْحِنْطَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ مَعَ السَّبَبِ الَّذِي لَا يَتَكَرَّرُ كَالنِّتَاجِ وَلَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجُ عَلَى أَنَّ الْبَيْضَةَ الَّتِي تَعَلَّقَتْ مِنْ هَذِهِ الدَّجَاجَةِ كَانَتْ لَهُ لَمْ يُقْضَ لَهُ بِالدَّجَاجَةِ وَيُقْضَى عَلَى صَاحِبِ الدَّجَاجَةِ بِبَيْضَةٍ مِثْلِهَا لِصَاحِبِهَا لِأَنَّ مِلْكَ الْبَيْضَةِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِمِلْكِ الدَّجَاجَةِ فَإِنَّ مَنْ غَصَبَ بَيْضَةً وَحَضَّنَهَا تَحْتَ دَجَاجَةٍ لَهُ كَانَ الْفَرْخُ لِلْغَاصِبِ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّ وَلَدَهَا لِصَاحِبِ الْأُمِّ وَجِلْدُ الشَّاةِ يُقْضَى بِهِ لِصَاحِبِ الْيَدِ وَالْجُبَّةُ الْمَحْشُوَّةُ وَالْفَرْوُ وَكُلُّ مَا يُقْطَعُ مِنْ الثِّيَابِ وَالْبُسُطُ وَالْأَنْمَاطُ الْمَصْبُوغُ بِعُصْفُرِ أَوْ زَعْفَرَانٍ يُقْضَى بِهَا لِلْخَارِجِ اهـ.

الثَّالِثَةُ: بَرْهَنَ الْخَارِجُ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَذُو الْيَدِ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ فَذُو الْيَدِ أَوْلَى لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ فَهَذَا تَلَقَّى مِنْهُ وَفِي هَذِهِ لَا تَنَافِيَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ الْخَارِجَ لَوْ بَرْهَنَ أَنَّ فُلَانًا الْقَاضِيَ قَضَى لَهُ بِهَذِهِ الْأَمَةِ بِشُهُودٍ أَنَّهَا لَهُ وَبَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى النِّتَاجِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الْخَارِجُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ صَحَّ ظَاهِرًا فَلَا يُنْقَضُ مَا لَمْ يَظْهَرْ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ ذِي الْيَدِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْضَى بِهَا لِذِي الْيَدِ كَذَا فِي الْكَافِي وَهَذَا إذَا لَمْ يُبَيِّنُوا سَبَبَ الْقَضَاءِ فَإِنْ بَيَّنُوهُ فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّ الْقَاضِيَ أَقَرَّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ قَضَى بِشَهَادَةِ شُهُودٍ أَنَّهَا لَهُ أَوْ بِالنِّتَاجِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ الْقَضَاءُ اتِّفَاقًا وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَضَى لَهُ بِالنِّتَاجِ بِبَيِّنَةٍ وَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَى إقْرَارِ الْقَاضِي لَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ لِاحْتِمَالِ الْقَضَاءِ بِالشِّرَاءِ مِنْ ذِي الْيَدِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.

قَوْلُهُ (وَلَوْ بَرْهَنَ كُلٌّ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ الْآخَرِ وَلَا تَارِيخَ سَقَطَا وَتُتْرَكُ الدَّارُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُقْضَى بِالْبَيِّنَتَيْنِ وَيَكُونُ لِلْخَارِجِ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا مُمْكِنٌ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى ذُو الْيَدِ مِنْ الْآخَرِ وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَ لِأَنَّ الْقَبْضَ دَلَالَةُ السَّبْقِ وَلَا يُعْكَسُ الْأَمْرُ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَقَارِ عِنْدَهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الشِّرَاءِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا قَامَتَا عَلَى الْإِقْرَارَيْنِ وَفِيهِ التَّهَاتُرُ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا هُنَا وَلِأَنَّ السَّبَبَ يُرَادُ لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ لِذِي الْيَدِ إلَّا بِمِلْكٍ مُسْتَحَقٍّ فَبَقِيَ الْقَضَاءُ لَهُ بِمُجَرَّدِ السَّبَبِ وَأَنَّهُ لَا يُفِيدُهُ ثُمَّ لَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى نَقْدِ الثَّمَنِ فَالْأَلْفُ بِالْأَلْفِ قِصَاصٌ عِنْدَهُمَا إذَا اسْتَوَيَا لِوُجُودِ قَبْضِ الْمَضْمُونِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا نَقْدَ الثَّمَنِ فَالْقِصَاصُ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ لِلْوُجُوبِ عِنْدَهُ وَلَوْ شَهِدَ الْفَرِيقَانِ بِالْبَيْعِ وَالْقَبْضِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَفِيهَا لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى شَاةٍ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ بَرْهَنَ الْخَارِجُ أَنَّ هَذِهِ أَمَتُهُ وَلَدَتْ هَذَا الْقِنَّ فِي مِلْكِي إلَخْ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَخْ) أَيْ فَيُقْضَى لِلْأَوَّلِ بِالسَّوْدَاءِ وَلِلثَّانِي بِالْبَيْضَاءِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَقِبَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ وَهَذَا إذَا كَانَ سِنُّ الشَّاتَيْنِ مُشْكِلًا فَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا تَصْلُحُ أُمًّا لِلْأُخْرَى لَا تَصْلُحُ أُمًّا لِهَذِهِ كَانَتْ عَلَامَةُ الصِّدْقِ ظَاهِرَةً فِي شَهَادَةِ شُهُودِ أَحَدِهِمَا فَيُقْضَى بِشَهَادَةِ شُهُودِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا كَانَ سِنُّ الشَّاتَيْنِ مُشْكِلًا إنِّي لَا أُقْبَلُ بَيِّنَتَهُمَا وَأَقْضِي بِالشَّاةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالشَّاةِ الَّتِي فِي يَدِهِ وَهَذَا قَضَاءُ تَرْكٍ لَا قَضَاءُ اسْتِحْقَاقٍ وَلَوْ أَقَامَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْبَيْضَاءُ أَنَّ الْبَيْضَاءَ شَاتِي وُلِدَتْ فِي مِلْكِي وَالسَّوْدَاءَ الَّتِي فِي يَدِ صَاحِبِي شَاتِي وُلِدَتْ مِنْ هَذِهِ الْبَيْضَاءِ وَأَقَامَ الَّذِي السَّوْدَاءُ فِي يَدِهِ أَنَّ السَّوْدَاءَ وُلِدَتْ فِي مِلْكِي وَالْبَيْضَاءَ الَّتِي فِي يَدِ صَاحِبِي مِلْكِي وُلِدَتْ مِنْ هَذِهِ السَّوْدَاءِ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا فِي يَدِهِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>