للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلِهِمَا، وَأَمَّا ضَرْبُ دَابَّةِ نَفْسِهِ فَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ لَا يَضْرِبُهَا أَصْلًا وَإِنْ كَانَتْ مِلْكَهُ، ثُمَّ قَالَ لَا يُخَاصَمُ ضَارِبُ الْحَيَوَانِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلتَّأْدِيبِ وَيُخَاصَمُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ ضَرْبُ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ لِلصَّغِيرِ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ ضَرْبَ مِثْلِهِ لِلتَّأْدِيبِ حَيْثُ تَجِبُ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَجِبُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ لِإِصْلَاحِ الصَّغِيرِ مُتَعَارَفٌ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُ فَكَانَ كَضَرْبِ الْمُعَلِّمِ، بَلْ أَوْلَى بِخِلَافِ ضَرْبِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ السَّلَامَةُ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ مَنْفَعَةَ الصَّغِيرِ كَالْوَاقِعِ لَهُ لِقِيَامِ الْبَعْضِيَّةِ بَيْنَهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّهَادَةَ لَهُ جُعِلَتْ كَشَهَادَتِهِ لِنَفْسِهِ وَبِخِلَافِ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ بِإِذْنِ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مِنْ الْأَبِ صَحِيحٌ لِمَا لَهُ مِنْ الْوِلَايَةِ، وَإِذَا صَحَّ كَانَ الْأَبُ مُعَيَّنًا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُعَيَّنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَ أَخِيهِ الصَّغِيرَ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَأَطْلَقَ فِي الضَّرْبِ وَالْكَبْحِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهَا، فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا فَضَرَبَهَا فَمَاتَتْ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا وَأَصَابَ الْمَوْضِعَ لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ فَإِنْ عَنَّفَ فِي السَّيْرِ ضَمِنَ إجْمَاعًا وَالْمُعَلِّمُ وَالْمُؤَدِّبُ وَأُسْتَاذُ الْحِرْفَةِ يَضْمَنُ بِالضَّرْبِ فَإِنْ كَانَ يَأْذَنُ لَمْ يَضْمَنْ. اهـ.

وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا لِحَمْلِ مَتَاعٍ وَلَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الْمَتَاعِ مَعَهُ فَمَرِضَ الْحِمَارُ فِي الطَّرِيقِ فَتَرَكَ الْحِمَارُ صَاحِبَهُ وَتَرَكَ الْمَتَاعَ لَمْ يَضْمَنْ لِلضَّرُورَةِ وَالْعُذْرِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَنَزْعُ السَّرْجِ وَالْإِكَافِ أَوْ الْإِسْرَاجِ بِمَا لَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ) يَعْنِي لَوْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا مُسْرَجًا فَنَزَعَهُ وَأَسْرَجَهُ بِسَرْجٍ لَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحَمِيرُ أَوْ أَوْكَفَهُ بِذَلِكَ فَتَلِفَ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يَتَنَاوَلُ مَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ دُونَ مَا لَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ وَإِنْ أُسْرِجَ بِسَرْجٍ يُسْرَجُ مِثْلُهُ بِهِ لَا يَضْمَنُ وَقَوْلُهُ بِمَا لَا يُسْرَجُ بِمِثْلِهِ قُيِّدَ بِالسَّرْجِ لَا لِلْإِكَافِ؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ يُوكَفُ بِمِثْلِهِ أَوْ لَا، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ، وَقَالَا الْإِكَافُ كَالسَّرْجِ مُطْلَقًا لَا يُضْمَنُ إذَا كَانَ يُوكَفُ بِمِثْلِهِ إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى السَّرْجِ الَّذِي عَلَيْهِ فَيُضْمَنُ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ كَمَا فِي السَّرْج؛ لِأَنَّهُ هُوَ وَالسِّرَاجُ سَوَاءٌ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْجِنْسَ يَخْتَلِفُ؛ لِأَنَّ الْإِكَافَ لِلْحَمْلِ وَالسَّرْجَ لِلرُّكُوبِ، وَكَذَا يَنْبَسِطُ أَحَدُهُمَا عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ مَا لَا يَنْبَسِطُ الْآخَرُ فَصَارَ كَاخْتِلَافِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ فِي الْإِجَارَةِ إنَّهُ يُضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَنْ الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ وَفِي رِوَايَةٍ يُضْمَنُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَتَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِمَا يُضْمَنُ بِحِسَابِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ إذَا كَانَ السَّرْجُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ قَدْرَ شِبْرَيْنِ وَالْإِكَافُ قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَشْبَارٍ فَيَضْمَنُ بِحِسَابِهِ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ قَالَ قَاضِي خان: وَهَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ الْحِمَارَ مُسْرَجًا فَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ عُرْيَانًا فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ إنْ اسْتَأْجَرَهُ مِنْ الْبَلَدِ إلَى الْبَلَدِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ لَا يُرْكَبُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِسَرْجٍ أَوْ إكَافٍ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْكَبَ فِي الْمِصْرِ فَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْمَقَامَاتِ فَكَذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ لَا يَرْكَبَ عُرْيَانًا وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَوَامّ الَّذِي يَرْكَبُونَ فِي الْمِصْرِ عُرْيَانًا فَفَعَلَ يَضْمَنُ. اهـ.

أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَ مِنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْقَرْيَةِ إنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ مِمَّنْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَرْكَبَ مِنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْقَرْيَةِ عُرْيَانًا كَمَا يُشَاهَدُ فِي دِيَارِنَا فَإِذَا أَسْرَجَهُ يَضْمَنُ وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الْمُحِيطِ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا بِغَيْرِ لِجَامٍ فَأَلْجَمَهُ بِلِجَامٍ مِثْلِهِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ اللِّجَامَ وُضِعَ لِلْحِفْظِ فَلَا بُدَّ لِلرَّاكِبِ مِنْهُ فَيَصِيرُ مَأْذُونًا لِلِّجَامِ دَلَالَةً إلَّا إذَا كَانَ الْحِمَارُ لَا يُلْجَمُ بِمِثْلِهِ. اهـ.

وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ هَلَكَتْ الْمُسْتَأْجَرَةُ عِنْدَ الْمُسْتَأْجِرِ فَاسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ يَضْمَنُ الْمُسْتَأْجِرُ قِيمَةَ ذَلِكَ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ كَمَا ضَمِنَ اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسُلُوكُ طَرِيقٍ غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ وَتَفَاوَتَا) يَعْنِي يَجِبُ الضَّمَانُ إذَا عَيَّنَ لِلْمُكَارِي طَرِيقًا وَسَلَكَ هُوَ غَيْرَهَا وَكَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ بِأَنْ كَانَ الْمَسْلُوكُ أَوْعَرَ أَوْ أَبْعَدَ أَوْ أَخْوَفَ بِحَيْثُ لَا يُسْلَكُ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ حِينَئِذٍ مُقَيَّدٌ فَإِذَا خَالَفَ حِينَئِذٍ فَقَدْ تَعَدَّى فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ إنْ هَلَكَ وَإِنْ لَمْ يَهْلَكْ وَبَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ اسْتِحْسَانًا لِارْتِفَاعِ الْخِلَافِ وَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الضَّمَانِ وَالْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي حَالَتَيْنِ وَنَظِيرُهُ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ إذَا أَجَّرَ نَفْسَهُ فَإِنْ تَلِفَ فِي الْعَمَلِ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الضَّمَانُ وَإِنْ سَلِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ يَسْلُكُهُ النَّاسُ وَهَلَكَ الْمَتَاعُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيمَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ عَدَمُ التَّفَاوُتِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ تَفَاوُتٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَ عَدَمِ التَّفَاوُتِ لَا يَصِحُّ التَّعْيِينُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَضْمَنُ لِصِحَّةِ التَّقْيِيدِ فَجَعَلَاهُ كَالطَّرِيقِ الَّذِي لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ، فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا حَيْثُ إذَا سَلِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>