للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَمَّالُ وَالْمَلَّاحُ وَالْحَائِكُ وَالْخَائِطُ وَالنَّدَّافُ وَالصَّبَّاغُ وَالْقَصَّارُ وَالرَّاعِي وَالْحَجَّامُ وَالْبَزَّاغُ وَالْبَنَّاءُ وَالْحَفَّارُ. اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَتَاعُ فِي يَدِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ) يَعْنِي لَا يَضْمَنُ مَا ذُكِرَ سَوَاءٌ هَلَكَ بِسَبَبٍ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالسَّرِقَةِ أَوْ بِمَا لَا يُمْكِنُ كَالْحَرِيقِ الْغَالِبِ وَالْفَارَةِ الْمُكَابِرَةِ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا لَا يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ بِمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا وَعُمَرَ ضَمَّنَاهُ؛ وَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْحِفْظُ وَبِمَا ذُكِرَ لَمْ يُوجَدْ الْحِفْظُ التَّامُّ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ إذَا كَانَتْ بِأَجْرٍ وَكَمَا إذَا هَلَكَ بِفِعْلِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَبْضَ حَصَلَ بِإِذْنِهِ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ كَالْمَوْتِ وَالْغَصْبِ، وَلَوْ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لَمَا اخْتَلَفَ الْحَالُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْحِفْظُ، بَلْ الْعَمَلُ وَالْحِفْظُ تَبَعًا بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ بِأُجْرَةٍ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ وَجَبَ مَقْصُودًا وَبِخِلَافِ مَا إذَا تَلِفَ بِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعَمَلُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ سَلِيمًا ضَمِنَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَمِّنَانِ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ فَيَتَعَارَضُ عَنْهُمَا الرِّوَايَةُ فَلَا تَلْزَمُ حُجَّةٌ، وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ وَرُدَّ بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ مَوْجُودٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَبَيْنَ أَئِمَّتِنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَبْنَى الِاخْتِلَافِ أَنَّ عِنْدَهُمَا الْحِفْظَ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ يَكُونُ وَاجِبًا لِوُجُوبِهِ فَيَكُونُ الْعَقْدُ وَارِدًا عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُ لَا يَكُونُ وَارِدًا عَلَيْهِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ بِقَوْلِهِمَا يُفْتَى فِي هَذَا الزَّمَانِ لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَإِنْ شَرَطَ الضَّمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ فَإِنْ كَانَ فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَإِنْ كَانَ فِيمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ يَجُوزُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِلْإِمَامِ وَفِي الدِّرَايَةِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ بِقَوْلِ الْإِمَامِ وَبِهِ أَفْتَى، وَفِي الْمُزَارَعَةِ وَالْمُعَامَلَةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِالصُّلْحِ عَلَى نِصْفِ الْقِيمَةِ فِيمَا هَلَكَ فِي يَدِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فِي عَمَلِهِ وَقَيَّدَ بِالْهَلَاكِ لِيَحْتَرِزَ عَنْ الْخَطَأِ، قَالَ فِي الْمُحِيطِ دَفَعَ إلَى قَصَّارٍ ثَوْبًا لِيُقَصِّرَهُ فَجَاءَ لِيَطْلُبَ ثَوْبَهُ فَدَفَعَ إلَيْهِ الْقَصَّارُ ثَوْبًا ظَانًّا أَنَّهُ لَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ وَكُلُّ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَلَوْ كَانَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَرْسَلَ رَجُلًا لِيَأْخُذَ ثَوْبَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّسُولِ وَإِنْ أَخَذَ الرَّسُولُ الثَّوْبَ بِغَيْبَةِ الْقَصَّارِ فَرَبُّ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْقَصَّارَ أَوْ الرَّسُولَ وَأَيُّهُمَا ضُمِّنَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآخَرِ. اهـ.

وَفِي الْمُضْمَرَاتِ وَإِذَا ضُمِّنَ عِنْدَهُمَا إنْ كَانَ الْهَلَاكُ قَبْلَ الْعَمَلِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَمَلِ فَرَبُّ الثَّوْبِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ قِيمَتَهُ مَعْمُولًا وَيُعْطِيهِ أُجْرَتَهُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مَعْنَاهُ يُحَطُّ عَنْهُ قَدْرُ الْأُجْرَةِ، وَلَوْ ادَّعَى الرَّدَّ عَلَى صَاحِبِهِ وَصَاحِبُهُ يُنْكِرُ، الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَلَكِنْ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْأَجْرِ، وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الثَّوْبِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا تَلِفَ مِنْ عَمَلِهِ كَتَخْرِيقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ وَزَلْقِ الْجِمَالِ وَانْقِطَاعِ الْحَبْلِ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْحِمْلُ وَغَرَقِ السَّفِينَةِ مِنْ مَدِّهَا مَضْمُونٌ) هَذَا جَوَابُ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا، وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ فَصَارَ كَالْمُعِينِ لِلدَّقَّاقِ وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ يَنْتَظِمُ الْعَمَلَ بِنَوْعَيْهِ الْمَعِيبِ وَالسَّلِيمِ وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْ الدَّقِّ الْمَعِيبِ وَلَنَا أَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ فِيهِ هُوَ السَّلِيمُ دُونَ غَيْرِهِ عُرْفًا وَعَادَةً فَيَضْمَنُ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ تَخَرَّقَ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْعَمَلِ أَوْ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِالْعَمَلِ يَضْمَنُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِعَمَلِهِ فَشَمِلَ عَمَلَهُ بِنَفْسِهِ وَعَمَلَ أَجِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُهُ حُكْمًا قَالَ فِي الْمُحِيطِ: ثُمَّ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ إنَّمَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ فِي يَدِهِ بِشَرَائِطَ ثَلَاثَةٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ فِي قُدْرَتِهِ دَفْعُ ذَلِكَ الْفَسَادِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى ذَلِكَ كَمَا لَوْ غَرِقَتْ السَّفِينَةُ مِنْ مَوْجٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ جَبَلٍ صَدَمَهَا لَا ضَمَانَ عَلَى الْمَلَّاحِ. الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْعَمَلِ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِالتَّخْلِيَةِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَحَلُّ الْعَمَلِ مُسْلَمًا إلَيْهِ بِأَنْ كَانَ رَبُّ الْمَتَاعِ فِي السَّفِينَةِ أَوْ وَكِيلُهُ فَانْكَسَرَتْ السَّفِينَةُ بِجَذْبِ الْمَلَّاحِ لَمْ يَضْمَنْ.

وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَضْمُونُ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُضْمَنَ بِالْعَقْدِ فَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِحَمْلِ عَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكَارِي فِيمَا عَطِبَ مِنْ سَوْقِهِ أَوْ قَوْدِهِ، قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ تَلِفَ مِنْ فِعْلِ أَجِيرِ الْقَصَّارِ لَا مُتَعَمِّدًا فَالضَّمَانُ عَلَى الْقَصَّارِ لَا عَلَى الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ مِنْ عَمَلِ الْقِصَارَةِ، وَلَوْ وَطِئَ ثَوْبًا فَتَخَرَّقَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ يُوطَأُ مِثْلُهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ دَلَالَةً وَإِنْ كَانَ لَا يُوطَأُ بِأَنْ كَانَ رَقِيقًا ضَمِنَ، وَلَوْ وَقَعَ مِنْ يَدِهِ سِرَاجٌ فَأَحْرَقَ ثَوْبًا مِنْ الْقِصَارَةِ أَوْ حَمَلَ شَيْئًا فَوَقَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>