للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِلْكِهِ فَصَحَّ وَصَارَ نَائِبًا عَنْهُ وَصَارَ فِعْلُهُ مَنْقُولًا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ؛ وَلِأَنَّ الْبَدَلَ لَيْسَ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَنْفَعَتُهُ وَهِيَ سَلِيمَةٌ وَإِنَّمَا الْخَرْقُ فِي الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ تَسْلِيمُ الْمَنْفَعَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ يَضْمَنُ شَيْئًا مَا هُوَ عَلَيْهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ السَّلَامَةُ فَلَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ إلَّا إذَا تَعَمَّدَ الْفَسَادَ فَيَضْمَنُ بِالتَّعَدِّي كَالْمُودَعِ وَفِي الْمُحِيطِ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ أَمَّا فِي الضَّمَانِ تِلْمِيذُ الْقَصَّارِ وَأَجِيرُهُ سَائِرُ الصَّنَائِعِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَصَحَّ تَرْدِيدُ الْأَجِيرِ بِتَرْدِيدِ الْعَمَلِ فِي الثَّوْبِ نَوْعًا وَزَمَانًا فِي الْأَوَّلِ) يَعْنِي يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ الْأَجْرَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ تَسْمِيَتَيْنِ وَيَجْعَلَ الْعَمَلَ مُتَرَدِّدًا فِي الثَّوْبِ بَيْنَ نَوْعَيْ الْعَمَلِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ خِطْت فَارِسِيًّا فَبِدِرْهَمٍ أَوْ رُومِيًّا فَبِدِرْهَمَيْنِ أَوْ صَبَغْته بِعُصْفُرٍ فَبِدِرْهَمٍ وَبِزَعْفَرَانٍ فَبِدِرْهَمَيْنِ، أَوْ يَجْعَلَ الْعَمَلَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ زَمَانَيْنِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَبِدِرْهَمَيْنِ وَإِنْ خِطْته غَدًا فَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ يَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَزَمَانًا فِي الْأَوَّلِ، وَيَجُوزُ التَّرَدُّدُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَلَا يَجُوزُ بَيْنَ أَكْثَرَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَصَحَّ تَرْدِيدُ الْأَجْرِ بِتَرْدِيدِ الْعَمَلِ نَوْعًا وَزَمَانًا فِي الْأَوَّلِ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعَةِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ، وَهَذَا خِيَارُ التَّعَيُّنِ إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْبَيْعِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ وَفِي الْإِجَارَةِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ وَالْفَرْقُ أَنَّ تَحْقِيقَ الْجَهَالَةِ فِي الْبَيْعِ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَاسْتَشْكَلَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ هَذَا الْفَرْقَ حَيْثُ قَالَ: أَقُولُ: الْجَهَالَةُ الَّتِي فِي طَرَفِ الْأُجْرَةِ تَرْتَفِعُ كَمَا ذُكِرَ أَمَّا الَّتِي فِي طَرَفِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَهِيَ ثَابِتَةٌ وَتُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ بِدُونِ شَرْطِ الْيَقِينِ اهـ.

وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِي الزَّمَانِ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَقَالَا الشَّرْطَانِ جَائِزَانِ، وَقَالَ زُفَرُ الشَّرْطَانِ فَاسِدَانِ؛ لِأَنَّ الْخِيَاطَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ ذُكِرَ لِمُقَابَلَتِهِ بَدَلَانِ فَيَكُونُ مَجْهُولًا وَلَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّوْقِيتِ وَغَدًا لِلتَّعْلِيقِ فَلَا يَجْتَمِعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَسْمِيَتَانِ وَلِلْإِمَامِ فِي الْأَوَّلِ قَالَ فَارِسِيًّا وَرُومِيًّا فَسَمَّى نَوْعَيْنِ مَعْلُومَيْنِ مِنْ الْعَمَلِ وَسَمَّى لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَدَلًا مَعْلُومًا فَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَيْضًا إذَا كَانَ التَّرْدِيدُ فِي الزَّمَانِ إنْ ذَكَرَ الْيَوْمَ لِلتَّعْجِيلِ وَالْغَدِ لِلْإِضَافَةِ وَالْكَلَامِ لِحَقِيقَتِهِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ الْمَجَازِ، وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ فِي ذِكْرِ الْيَوْمِ وَهُوَ التَّعْجِيلُ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُمَا الصِّحَّةُ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ فِي الْمَجَازِ؛ لِأَنَّ تَعَيُّنَ الْعَمَلِ مَعَ التَّوْقِيتِ مُفْسِدٌ فَإِنَّ تَعَيُّنَ الْعَمَلِ يُوجِبُ كَوْنَهُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا وَتَعَيُّنَ الْوَقْتِ يُوجِبُ كَوْنَهُ خَاصًّا وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فَلَا يَجْتَمِعَانِ، فَتَعَيُّنُ الْمَجَازِ كَيْ لَا يَفْسُدَ فَحَمَلَاهُ عَلَى التَّعْجِيلِ وَفِي الْغَدِ لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ، بَلْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ الْإِضَافَةُ يَعْنِي فِي التَّعْلِيقِ فَتَرَكَاهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَإِذَا كَانَ ذِكْرُ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ وَذِكْرُ غَدٍ لِلْإِضَافَةِ لَمْ يَجْتَمِعْ فِي الْيَوْمِ إلَّا نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَمْ يَفْسُدْ فَإِذَا خَاطَهُ الْيَوْمَ فَلَهُ الدَّرَاهِمُ، وَاجْتَمَعَ فِي غَدٍ تَسْمِيَتَانِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْإِضَافَةِ.

وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْعَمَلُ أَوَّلًا فَالزَّمَانُ لَغْوٌ أَوْ الزَّمَانُ أَوَّلًا فَالْعَمَلُ لَغْوٌ فَهُوَ فِي الْأَوَّلِ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ وَفِي الثَّانِي أَجِيرٌ خَاصٌّ فَإِذَا خَاطَهُ فِي غَدٍ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ بِخِلَافِ الْفَارِسِيَّةِ وَالرُّومِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ مُخْتَلِفَانِ لَمْ يَجْتَمِعَا فَافْتَرَقَا وَيُشْكِلُ عَلَى مَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْيَوْمِ وَالْغَدِ مَسْأَلَةُ الرَّاعِي فَإِنَّهَا جَمْعٌ فِيهَا بَيْنَ ذِكْرِ الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ وَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يُحْمَلُ الْوَقْتُ عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فِي قَوْلِ أَحَدٍ، بَلْ يُعْتَبَرُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا إنْ وَقَعَ ذِكْرُ الْعَمَلِ أَوَّلًا وَأَجِيرًا وَحْدَهُ إنْ وَقَعَ ذِكْرُ الْوَقْتِ أَوَّلًا كَمَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي وَفِي الْمَسْأَلَةِ إشْكَالٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ حَيْثُ جَعَلَ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ هَا هُنَا حَتَّى أَجَازَ الْعَقْدَ وَفِي مَسْأَلَةِ الْخَيَّاطِ جَعَلَهُ لِلتَّوْقِيتِ وَأَفْسَدَ الْعَقْدَ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ حَقِيقَةً لِلتَّوْقِيتِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَجَازِ وَهُوَ نُقْصَانُ الْأَجْرِ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ فَعَدَلْنَا عَنْ الْحَقِيقَةِ وَلَمْ نُعَمِّمْ هُنَاكَ وَكَانَ التَّوْقِيتُ مُرَادًا فَفَسَدَ الْعَقْدُ، وَقَوْلُهُ تَرْدِيدُ الْأُجْرَةِ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَرْدِيدِ الْأُجْرَةِ وَنَفْيِهَا لِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ لَوْ قَالَ إنْ خِطَّته الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ وَإِنْ خِطْته غَدًا فَلَا أَجْرَ لَك، قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْإِمْلَاءِ إنْ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَلَهُ دِرْهَمٌ وَإِنْ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْأَجْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَا يَنْفِي وُجُوبَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَنَفْيُ التَّسْمِيَةِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لَا يَنْفِي أَصْلَ الْعَقْدِ فَكَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَقْدٌ لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ اهـ.

بِلَفْظِهِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ هَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَلَوْ أَفْرَدَ الْعَقْدَ عَلَى الْيَوْمِ بِأَنْ قَالَ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَخَاطَهُ فِي الْغَدِ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>