للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِاشْتِرَائِهِ إيَّاهُ تَحْقِيقًا لِلصِّلَةِ وَبِأَنَّ عِتْقَ الْوَلَدِ الْمُشْتَرَى عِنْدَهُ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ حَالًّا لَيْسَ لِأَجْلِ السِّرَايَةِ أَيْضًا، بَلْ لِضَرُورَةِ الْمُكَاتَبِ إذْ ذَاكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ، وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَاعَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِفَوَاتِ الْمَتْبُوعِ، وَلَكِنْ إذَا عَجَّلَ وَأَعْطَى مِنْ سَاعَتِهِ صَارَ كَأَنَّهُ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَائِهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اشْتَرَى ابْنَهُ فَمَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً وَرِثَهُ ابْنُهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ حُكِمَ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَيَتْبَعُهُ وَلَدُهُ فِي ذَلِكَ فَيَكُونَانِ حُرَّيْنِ فَظَهَرَ أَنَّهُ مَاتَ حُرٌّ عَنْ وَلَدٍ حُرٍّ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَذَا لَوْ كَانَ هُوَ وَابْنُهُ مُكَاتَبَيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً) ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ فَإِذَا حُكِمَ بِعِتْقِ أَحَدِهِمَا فِي وَقْتٍ يُعْتَقُ الْآخَرُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ضَرُورَةَ اتِّحَادِ الْعَقْدِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَيَصِيرُ حُرًّا مَاتَ عَنْ ابْنٍ حُرٍّ، وَلَوْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ حُرٌّ وَمَوْلُودٌ فِي الْكِتَابَةِ وَمُكَاتَبٌ مَعَهُ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَوَصِيًّا تَرِثُهُ أَوْلَادُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَبَيَّنَّا وَيَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَ الْعُرُوضِ دُونَ الْعَقَارِ وَالدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعُرُوضِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ دُونَ الْعَقَارِ وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَلَوْ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ لَا يَرِثَانِهِ؛ لِأَنَّ إرْثَهُ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ كِتَابَةِ أَبِيهِ فَلَا يَظْهَرُ الِاسْتِيلَادُ فِي حَقِّهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ تَرَكَ وَلَدًا مِنْ حُرَّةٍ وَدَيْنًا فِيهِ وَفَاءً بِكِتَابَتِهِ فَجَنَى الْوَلَدُ فَقَضَى بِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأُمِّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَضَاءً بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ) ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ عَلَى مَوَالِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ وَإِنْ تَرَكَ مَالًا وَهُوَ الدَّيْنُ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ إلَّا عِنْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَكَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا قَضَى بِهِ الْقَاضِي عَلَيْهِمْ كَانَ الْقَضَاءُ تَقْرِيرًا لِلْكِتَابَةِ فَتَبْقَى الْكِتَابَةُ عَلَى حَالِهَا فَإِذَا أَدَّى بَعْدَ ذَلِكَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَظَهَرَ لِلِابْنِ وَلَاءٌ فِي جَانِبِ الْأَبِ فَيَنْجَرُّ إلَيْهِ وَلَاؤُهُ؛ وَلِأَنَّهُ فَرْعُ ظُهُورِ الْعِتْقِ وَكَانُوا مُضْطَرِّينَ فِيمَا عَقَلُوا فَلَهُمْ الرُّجُوعُ بِذَلِكَ عَلَى مَوَالِي الْأَبِ وَلَا يَرْجِعُونَ بِذَلِكَ عَلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اخْتَصَمَ مَوَالِي الْأُمِّ وَمَوَالِي الْأَبِ فِي وَلَائِهِ فَقَضَى بِهِ لِمَوَالِي الْأُمِّ فَهُوَ قَضَاءٌ بِالْعَجْزِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْخُصُومَةُ فِي نَفْسِ الْوَلَاءِ بِأَنْ مَاتَ الْوَلَدُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّيْنِ وَقَضَى بِمِيرَاثِهِ لِمَوْلَى الْأُمِّ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِي يَقْضِي بِكَوْنِ الْوَلَاءِ لِمَوْلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ وَقَعَتْ فِي الْوَلَاءِ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْقَضَاءِ فَسْخُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ لَا يَثْبُتُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ مِنْ جَانِبِ الْأَبِ وَإِنَّمَا يَتَعَذَّرُ بِفَسْخِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً يُمْكِنُ أَنْ يَثْبُتَ مِنْ جَانِبِهِ بِالْأَدَاءِ، وَلَوْ خَرَجَ الدَّيْنُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لِمَوْلَى الْمُكَاتَبِ مِيرَاثًا عَنْ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّ صِيَانَةَ الْقَضَاءِ عَنْ الِانْتِقَاضِ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ وَفَسْخَ الْكِتَابَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَكَانَ فَسْخُ الْكِتَابَةِ أَوْلَى مِنْ نَقْضِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْفِعْلِ لَا يَنْفَسِخُ وَبِالْقَضَاءِ ظَهَرَ الْعَجْزُ مُطْلَقًا حَتَّى لَوْ ظَهَرَ مَالُ مِقْدَارِ الْبَدَلِ وَأَخَذَهُ الْمَوْلَى لَا يَكُونُ بَدَلًا عَنْ الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ.

وَإِذَا مَاتَ الْمُكَاتَبُ عَاجِزًا وَتَرَكَ وَلَدًا حُرًّا فَظَهَرَ لِلْمُكَاتَبِ وَدِيعَةٌ أُدِّيَتْ مِنْهَا كِتَابَتُهُ وَلَا يَتَحَوَّلُ وَلَاءُ الْوَلَدِ إلَى مَوْلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْمُودِعَ أَقَرَّ بِشَيْئَيْنِ أَقَرَّ بِأَنَّهُ مَلَكَ الْمُكَاتَبَ وَأَقَرَّ أَنَّ وَلَاءَهُ تَحَوَّلَ فَإِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ صَحِيحٌ فَيَصْدُقُ فِيهِ وَإِقْرَارُهُ بِتَحَوُّلِ الْوَلَاءِ إلَى غَيْرِهِ لَا يَصْدُقُ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ اسْتَوْفَى مِنْهُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ مَوْتِهِ لَا يَصْدُقُ فِي حَقِّ تَحَوُّلِ الْوَلَاءِ إلَى مَوَالِي الْأَبِ فَكَذَا هُنَا، وَأَمَّا إذَا مَاتَ لَا عَنْ وَفَاءٍ وَلَا وَلَدٍ فَاخْتَلَفُوا فِي بَقَاءِ الْكِتَابَةِ قَالَ الْإِسْكَافِيُّ تَنْفَسِخُ حَتَّى لَوْ تَطَوَّعَ لَهُ إنْسَانٌ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَنْهُ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ لَا تَنْفَسِخُ مَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِعَجْزِهِ حَتَّى لَوْ تَطَوَّعَ إنْسَانٌ عَنْهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ جَازَ وَيُحْكَمُ بِعِتْقِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَمَا أَدَّى الْمُكَاتَبُ مِنْ الصَّدَقَاتِ وَعَجَزَ طَابَ لِسَيِّدِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَتَبَدَّلُ وَتَبَدُّلُ الْمِلْكِ كَتَبَدُّلِ الْعَيْنِ فَصَارَ كَعَيْنٍ أُخْرَى وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ فِي حَقِّ بَرِيرَةَ «هِيَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» حِينَ أُهْدِيَ إلَيْهَا وَكَانَتْ مُكَاتَبَةً فَإِنْ قِيلَ إنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ كَانَ لِلْمَوْلَى فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ تَبَدُّلُ الْمِلْكِ قُلْنَا مِلْكُ الرَّقَبَةِ مَغْلُوبًا فِي مُقَابَلَةِ مِلْكِ الْيَدِ حَتَّى لَوْ كَانَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَمْنَعَ الْمَوْلَى مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ الْمُكَاتَبَ مِنْ التَّصَرُّفِ وَبِالْعَجْزِ يَنْعَكِسُ الْحَالُ وَلَيْسَ هَذَا إلَّا تَبَدُّلُ الْمِلْكِ لِلْمَوْلَى وَلَئِنْ كَانَ فَلَا يُسَلَّمُ مِثْلُهُ بِمَنْزِلَةِ تَبَدُّلِ الْعَيْنِ فَصَارَ كَالْفَقِيرِ يَمُوتُ عَنْ صَدَقَةٍ أَخَذَهَا يَطِيبُ ذَلِكَ لِوَارِثِهِ الْغَنِيِّ لِمَا ذَكَرْنَا.

وَكَذَا إذَا اسْتَغْنَى الْفَقِيرُ يَطِيبُ لَهُ مَا أَخَذَ مِنْ الزَّكَاةِ، وَكَذَا ابْنُ السَّبِيلِ إذَا وَصَلَ إلَى بَلَدِهِ وَفِي يَدِهِ مَالٌ مِنْ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءُ الْأَخْذِ لِمَا فِيهِ مِنْ الذُّلِّ فَلَا يُرَخَّصُ

<<  <  ج: ص:  >  >>