للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا دَلِيلُ الْمَشْرُوعِيَّةِ فَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [النحل: ١٤] وَإِذْنُ الصَّبِيِّ، وَالْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ ابْتِغَاءٌ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَمَّا سَبَبُ الْمَشْرُوعِيَّةِ فَهُوَ الْحَاجَةُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ لَا يَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ بِنَفْسِهِ لِكَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْعَبْدِ، وَالصَّغِيرِ وَأَمَّا رُكْنُهُ فَقَوْلُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ أَذِنْت لَك فِي هَذَا وَأَمَّا شَرَائِطُهُ فَفِي الْمُحِيطِ شَرَائِطُ جَوَازِهِ فَوِلَايَةُ الْإِذْنِ عَلَى الْمَأْذُونِ حَجْرًا وَإِطْلَاقًا مَنْعًا وَإِسْقَاطًا وَكَوْنُ الْمَأْذُونِ عَاقِلًا مُمَيِّزًا عَالِمًا عَارِفًا بِمَا يُؤْذَنُ لَهُ وَأَنْ يَعْلَمَ الْعَبْدُ بِالْإِذْنِ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ دَخَلَ فِي قَوْلِنَا مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ الْمُكَاتَبُ، وَالْمَأْذُونُ، وَالْمُضَارِبُ، وَالشَّرِيكُ مُفَاوَضَةً، وَالْأَبُ، وَالْجَدُّ، وَالْقَاضِي، وَالْوَلِيُّ اهـ.

وَأَمَّا حُكْمُهُ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَمِلْكُ الْمَأْذُونِ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ قُبَيْلِ التِّجَارَةِ وَتَوَابِعِهَا وَعَدَمُ مِلْكِهِ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَعَزَاهُ إلَى التُّحْفَةِ وَأَبْعَدَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ حَيْثُ قَالَا وَأَمَّا حُكْمُهُ فَهُوَ تَفْسِيرُهُ الشَّرْعِيُّ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ مَا يَثْبُتُ بِهِ وَلَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي مُسْكَةٍ أَنَّ مَا يَثْبُتُ بِالشَّيْءِ وَيَصِيرُ أَثَرًا مُرَتَّبًا عَلَيْهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ مَحْمُولًا عَلَيْهِ بِالْمُوَاطَأَةِ وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ شَرْعًا فَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ فَكُّ الْحَجْرِ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ بَعْدَ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ كَلَامٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا مِنْ مُمَيِّزٍ وَمَحَلُّ التَّصَرُّفِ ذِمَّةٌ صَالِحَةٌ لِالْتِزَامِ الْحُقُوقِ وَهُمَا لَا يَقُومَانِ بِالرِّقِّ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ كَرَامَاتِ الْبَشَرِ إلَّا أَنَّهُ حَجْرٌ عَلَيْهِ عَنْ التَّصَرُّفِ لِحَقِّ الْمَوْلَى لِئَلَّا يَبْطُلَ حَقُّهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ لِضَعْفِ ذِمَّةِ الرَّقِيقِ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فَكَانَ مُتَصَرِّفًا بِأَهْلِيَّتِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ أُطْلِقَ فِي فَكِّ الْحَجْرِ فَشَمِلَ الْكُلَّ، وَالْبَعْضَ.

وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَإِذَا أَذِنَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ جَازَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ أَنْ يُبْطِلَ الْإِذْنَ وَمَا لَحِقَهُ مِنْ دَيْنِ التِّجَارَةِ فَهُوَ عَلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً وَلَوْ لَحِقَهُ دَيْنُ التِّجَارَةِ وَفِي يَدِهِ مَالُ التِّجَارَةِ قَضَى مِنْ ذَلِكَ دَيْنَهُ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ وَلَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ اكْتَسَبَ قَبْلَ الْإِذْنِ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَوْ بَعْدَ الْإِذْنِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْكَسْبِ الَّذِي فِي يَدِهِ فَقَالَ الْآذِنُ وَالْعَبْدُ: إنَّهُ اسْتَفَادَهُ بِالتِّجَارَةِ وَقَالَ السَّاكِتُ إنَّهُ اسْتَفَادَهُ بِالْهِبَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآذِنِ، وَالْعَبْدِ وَيَصْرِفُهُ فِي دَيْنِهِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ هُوَ الْكَاسِبُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِحَالِ كَسْبِهِ وَلَوْ اسْتَهْلَكَ مَالًا كَانَ عَلَيْهِمَا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْمُعَايَنَةِ وَيَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ رَقَبَتِهِ وَلَوْ أَقَرَّ بِاسْتِهْلَاكِ مَا كَانَ عَلَى الْآذِنِ خَاصَّةً وَلَوْ أَذِنَ رَجُلٌ بِنِصْفِ عَبْدِهِ كَانَ مَأْذُونًا فِي كُلِّهِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَا يَتَجَزَّأُ وَلَوْ أَذِنَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَى نَصِيبَ الْآخَرِ فَتَصَرَّفَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَالدَّيْنُ كُلُّهُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَلَوْ عَلِمَ بِتَصَرُّفِهِ فَفِي جَمِيعِ الرَّقَبَةِ وَلَوْ أَذِنَ لِعَبْدٍ لَا يَمْلِكُهُ ثُمَّ مَلَكَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا وَلَوْ أَخْبَرَ شَرِيكُهُ أَهْلَ السُّوقِ أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِإِذْنِ شَرِيكِهِ ثُمَّ رَأَى الْعَبْدَ يَتَصَرَّفُ لَمْ يَصِرْ مَأْذُونًا اسْتِحْسَانًا قَالَ أَحَدُهُمَا لِشَرِيكِهِ ائْذَنْ لِنَصِيبِك فَأَذِنَ لَهُ فَهُوَ مَأْذُونٌ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لِصَاحِبِهِ ائْذَنْ لِجَمِيعِ الْعَبْدِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ إسْقَاطُ الْحَقِّ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى فِي مَالِيَّةِ الْكَسْبِ، وَالرَّقَبَةِ، فَإِنَّهُ مُمْتَنِعٌ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِمَا صَوْنًا لِحَقِّ الْمَوْلَى وَبِالْإِذْنِ أُسْقِطَ حَقُّهُ.

قَالَ صَاحِبُ الْإِصْلَاحِ، وَالْإِيضَاحِ الْمُرَادُ بِالْحَقِّ هَاهُنَا حَقُّ الْمَنْعِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ حَقَّ الْمَوْلَى بَلْ يَقْتَضِيهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَنْعِ التَّعَلُّقُ بِالْعَبْدِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى لَا حَقُّ غَيْرِهِ، فَإِنَّ مَعْنَى حَقِّ الْمَنْعِ هُوَ مَنْعُ التَّصَرُّفِ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةً وَمَعْنَى حَقِّ الْمَوْلَى هُوَ حَقٌّ لِلْمَوْلَى عَلَى أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ بِمَعْنَى اللَّامِ وَبَيَانُ الْحَقِّ الَّذِي هُوَ مَنْعُ الْعَبْدِ عَنْ التَّصَرُّفِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمَوْلَى لَا لِغَيْرِهِ فَكَانَ حَقًّا لَهُ قَطْعًا وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى لَا يَسْقُطُ بِالْإِذْنِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ أَصْلًا مَمْنُوعٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا إذَا لَمْ يُحَطَّ الدَّيْنُ بِمَا فِي يَدِهِ وَرَقَبَتِهِ فَمُسَلَّمٌ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُجْدِي نَفْعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِسْقَاطِ إسْقَاطًا بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ الْمُرَادُ إسْقَاطُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَأَمَّا اخْتِصَاصُ حَقِّ الْمَوْلَى بِإِذْنِ الْعَبْدِ فَلَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ بَيَانُ إذْنِ الْعَبْدِ وَأَمَّا بَيَانُ إذْنِ الصَّبِيِّ فَعَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَدَارُ مَا ذُكِرَ فِي تَفْسِيرِ الْمَأْذُونِ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ وَهُوَ إذْنُ الْعَبْدِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ أُرِيدَ إسْقَاطُ الْحَقِّ بِجُمْلَتِهِ وَفَكُّ الْحَجْرِ بِرَقَبَتِهِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ تَصِحُّ هِبَتُهُ وَإِقْرَاضُهُ وَنَحْوُهُمَا مِنْ التَّبَرُّعَاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا.

وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ إسْقَاطٌ وَفَكٌّ فِي الْجُمْلَةِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمُدَّعَى إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ إسْقَاطٌ وَفَكٌّ فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ حَتَّى يَكُونَ مَأْذُونًا فِي جَمِيعِهَا قِيلَ الْمُرَادُ إسْقَاطٌ وَفَكٌّ فِي بَعْضٍ مُعَيَّنٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>