للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرُ مُسْتَأْصِلٍ وَهُوَ مَا بَيَّنَّا وَقَطْعٌ يَسِيرٌ وَهُوَ أَنْ يَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ أَطْرَافِ الثَّوْبِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمَالِكِ وَلَكِنْ يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ وَقَطْعٌ فَاحِشٌ مُسْتَأْصِلٌ لِلثَّوْبِ وَهُوَ أَنْ يَقْطَعَ الثَّوْبَ قَطْعًا يَصْلُحُ لِمَا يُرَادُ مِنْهُ وَلَا يَرْغَبُ فِي شِرَائِهِ فَعَنْ الْإِمَامِ الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَرَكَ الْمَقْطُوعَ وَضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَقْطُوعَ لَهُ وَعِنْدَهُمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ وَيُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ اهـ.

فَظَهَرَ أَنَّ مَا أَطْلَقَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْخَرْقِ الْفَاحِشِ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَفِي الْمُنْتَقَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ غَصَبَ شَاةً فَحَلَبَهَا ضَمِنَ قِيمَةَ اللَّبَنِ. اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْخَرْقِ الْيَسِيرِ ضَمِنَ نُقْصَانَهُ) يَعْنِي مَعَ أَخْذِ عَيْنِهِ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا دَخَلَهُ عَيْبٌ فَنَقَصَ بِذَلِكَ وَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ النُّقْصَانَ وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ الْفَاحِشِ وَالْيَسِيرِ وَقَالَ الشَّارِحُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَرْقِ الْيَسِيرِ وَالْفَاحِشِ قِيلَ مَا يُوجِبُ نُقْصَانَ رُبُعِ الْقِيمَةِ فَاحِشٌ وَمَا دُونَهُ يَسِيرٌ وَقِيلَ مَا يَنْقُصُ بِهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَجِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَيَبْقَى بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ وَالْيَسِيرُ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ نُقْصَانٌ فِي الْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ الْمُطْلَقَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عِبَارَةٌ عَنْ إتْلَافِ جَمِيعِ الْمَنْفَعَةِ وَالِاسْتِهْلَاكُ مِنْ وَجْهٍ عِبَارَةٌ عَنْ تَفْوِيتِ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ وَالنُّقْصَانُ عِبَارَةٌ عَنْ تَفْوِيتِ الْمَنَافِعِ مَعَ بَقَائِهَا وَهُوَ تَفْوِيتُ الْجَوْدَةِ لَا غَيْرُ وَلَا عِبْرَةَ بِقِيَامِ أَكْثَرِ الْمَنَافِعِ؛ لِأَنَّ الرُّجْحَانَ إنَّمَا يُطْلَبُ إذَا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا وَمَتَى أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا لَا يَضُرُّ التَّرْجِيحُ وَلَا يَشْتَغِلُ بِهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْخَرْقِ فِي الثَّوْبِ إذَا كَانَ فَاحِشًا هُوَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ عَيْنٍ مِنْ الْأَعْيَانِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، فَإِنَّ التَّعَيُّبَ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ فَاحِشًا أَوْ يَسِيرًا فَالْمَالِكُ فِيهِمَا يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُمْسِكَ الْعَيْنَ وَلَا يَرْجِعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ وَبَيْنَ أَنْ يُسْلِمَ الْعَيْنَ وَيُضَمِّنَهُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا هَذَا إذَا قَطَعَ الثَّوْبَ وَلَمْ يُجَدِّدْ فِيهِ صَنْعَةً، وَأَمَّا إذَا جَدَّدَ فِيهِ صَنْعَةً فَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ وَفِي الْأَصْلِ غَصَبَ ثَوْبًا فَعَفَنَ عِنْدَهُ أَوْ اصْفَرَّ أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَمَا نَقَصَ مِنْهُ إذَا كَانَ النُّقْصَانُ يَسِيرًا وَلَوْ فَاحِشًا خُيِّرَ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ. اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَلَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى فِي أَرْضِ الْغَيْرِ قُلِعَا وَرُدَّتْ) أَيْ قُلِعَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ وَرُدَّتْ الْأَرْضُ إلَى صَاحِبِهَا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» أَيْ لَيْسَ لِذِي عِرْقٍ ظَالِمٍ وَصْفُ الْعِرْقِ بِصِفَةِ صَاحِبِهِ وَهُوَ الظُّلْمُ وَهُوَ مِنْ الْمَجَازِ كَمَا يُقَالُ صَائِمٌ نَهَارَهُ وَقَائِمٌ لَيْلَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: ٤] وَلِأَنَّ الْأَرْضَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَهْلَكَةً وَلَا مَغْصُوبَةً حَقِيقَةً وَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا شَيْءٌ يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْغَاصِبِ فَيُؤْمَرُ بِتَفْرِيغِهَا وَرَدِّهَا إلَى مَالِكِهَا كَمَا إذَا أَشْعَلَ طَرَفَ غَيْرِهِ بِالطَّعَامِ هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاحَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ قِيمَةَ السَّاحَةِ وَيَأْخُذَهَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَلَعَتْ دَجَاجَةٌ لُؤْلُؤَةً يُنْظَرُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ قِيمَةً فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَ وَيُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْأُخْرَى وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ أَدْخَلَ فَصِيلَ غَيْرِهِ فِي دَارِهِ وَكَبُرَ فِيهَا وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِهَدْمِ الْحَائِطِ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لَوْ أَدْخَلَ الْبَقَرَ رَأْسَهُ فِي قِدْرٍ مِنْ النُّحَاسِ فَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ وَقَدْ اسْتَوْعَبْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِفُرُوعِهَا فِي مَسْأَلَةِ نُقْصَانِ الْأَرْضِ فَلَا نُعِيدُهُ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ غَصَبَ حِنْطَةً فَزَرَعَهَا تَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ. اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ نَقَصَتْ الْأَرْضُ بِالْقَلْعِ ضَمِنَ لَهُ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ مَقْلُوعًا وَيَكُونَانِ لَهُ) أَيْ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ تَنْقُصُ بِالْقَلْعِ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَنْ يَضْمَنَ لِلْغَاصِبِ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَقْلُوعًا وَيَكُونُ لَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُمَا فَتَعَيَّنَ فِيهِ النَّظَرُ لَهُمَا، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا مَقْلُوعًا؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْقَلْعِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ فِيهَا فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَقْلُوعًا وَكَيْفِيَّةُ مَعْرِفَتِهَا أَنَّهُ يُقَوِّمُ الْأَرْضَ وَبِهَا بِنَاءٌ أَوْ شَجَرٌ وَيَسْتَحِقُّ قَلْعَهُ أَيْ أُمِرَ بِقَلْعِهِ وَتُقَوَّمُ وَحْدَهَا لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ وَلَا غَرْسٌ فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا كَذَا لَوْ قَالُوا وَهَذَا لَيْسَ بِضَمَانٍ لَقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا بَلْ هُوَ ضَمَانٌ لِقِيمَتِهِ قَائِمًا مُسْتَحِقَّ الْقَلْعِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ضَمَانًا لِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا أَنْ لَوْ قَدَّرَ الْبِنَاءَ أَوْ الْغَرْسَ مَقْلُوعًا مَوْضُوعًا فِي الْأَرْضِ بِأَنْ يُقَدِّرَ الْغَرْسَ حَطَبًا وَالْبِنَاءَ آجِرًا أَوْ الْبِنَاءَ حِجَارَةً مُكَوَّمَةً عَلَى الْأَرْضِ فَيُقَوَّمُ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُضَمَّ إلَى الْأَرْضِ فَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَةَ الْحَطَبِ وَالْحِجَارَةِ الْمُكَوَّمَةِ دُونَ الْمَبْنِيَّةِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ صَبَغَ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ وَمِثْلَ السَّوِيقِ أَوْ أَخَذَهُمَا وَغَرِمَ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَالسَّمْنُ) يَعْنِي إذَا غَصَبَ ثَوْبًا وَصَبَغَهُ أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>