للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ وَمِثْلَ السَّوِيقِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَصْبُوغَ وَالْمَلْتُوتَ وَغَرِمَ مَا زَادَ الصَّبْغُ وَالسَّمْنُ وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يُؤْمَرُ الْغَاصِبُ بِقَلْعِ الصَّبْغِ بِالْغَسْلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَيُسَلِّمُهُ لِصَاحِبِهِ، وَإِنْ انْتَقَصَ قِيمَةُ الثَّوْبِ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النُّقْصَانِ بِخِلَافِ السَّمْنِ لَتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ وَلَنَا أَنَّ الصِّبْغَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالثَّوْبِ وَبِجِنَايَتِهِ لَا يَسْقُطُ تَقَوُّمُ مَالِهِ فَيَجِبُ ضَمَانُهُ حَقَّهُمَا مَا أَمْكَنَ فَكَانَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَوْلَى بِالتَّخْيِيرِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْأَصْلِ وَالْآخَرُ صَاحِبُ وَصْفٍ وَهُوَ قَائِمٌ بِالْأَصْلِ وَكَذَا السَّوِيقُ أَصْلٌ وَالسَّمْنُ تَبَعٌ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ التَّمَيُّزَ مُمْكِنٌ بِالنَّقْضِ وَلَهُ وُجُودٌ بَعْدَ النَّقْضِ فَأَمْكَنَ إيصَالُ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَيْهِ وَالصَّبْغُ يَتَلَاشَى بِالْغَسْلِ فَلَا يُمْكِنُ إيصَالُهُ إلَى صَاحِبِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا انْصَبَغَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ كَإِلْقَاءِ الرِّيحِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ فِيهِ لِرَبِّ الثَّوْبِ الْخِيَارُ بَلْ يُؤْمَرُ صَاحِبُ الثَّوْبِ بِتَمَلُّكِ الصِّبْغِ بِقِيمَتِهِ وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ انْحِصَارُ الْحُكْمِ فِيمَا ذَكَرَ وَقَالَ أَبُو عِصْمَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ إنْ شَاءَ رَبُّ الثَّوْبِ بَاعَهُ فَيَضْرِبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيمَةِ مَالِهِ.

وَهَذَا وَجْهٌ حَسَنٌ فِي وُصُولِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ وَتَتَأَتَّى بِغَرَامَةٍ يَضْمَنُ فِيهَا مِثْلَ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ انْصَبَغَ بِنَفْسِهِ أَيْضًا وَالْجَوَابُ فِي اللَّتِّ كَالْجَوَابِ فِي الصِّبْغِ أَنَّهُ يَضْمَنُ مِثْلَ السَّوِيقِ وَفِي الصِّبْغِ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ السَّوِيقَ وَالسَّمْنَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ بِخِلَافِ الصِّبْغِ وَالثَّوْبِ قَالَ فِي الْكَافِي قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يَضْمَنُ قِيمَةَ سَوِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ الْقَلْيُ فَلَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا كَالْخُبْزِ وَمَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ أَسْوَدَ فَهُوَ نُقْصَانٌ وَعِنْدَهُمَا أَنَّهُ زِيَادَةٌ كَالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ رَاجِعٌ إلَى اخْتِلَافِ عَصْرٍ وَزَمَانٍ، فَإِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ فِي زَمَانِهِ كَانُوا يُمْنَعُونَ عَنْ لُبْسِ السَّوَادِ وَفِي زَمَانِهِمَا بَنُو الْعَبَّاسِ كَانُوا يَلْبَسُونَ السَّوَادَ وَلَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ وَلِهَذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْمُخْتَصَرِ لِلَوْنِ الصِّبْغِ؛ لِأَنَّ مِنْ الثِّيَابِ مَا يُزَادُ بِالسَّوَادِ وَمِنْهَا مَا يَنْقُصُ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ حَقِيقَةً فَلَوْ صَبَغَهُ فَنَقَصَهُ الصِّبْغُ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا فَرَجَعَتْ بِالصِّبْغِ إلَى عِشْرِينَ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُنْظَرُ إلَى ثَوْبٍ يَزِيدُ فِيهِ ذَلِكَ الصِّبْغُ، فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ خَمْسَةً يَأْخُذُ رَبُّ الثَّوْبِ ثَوْبَهُ وَخَمْسَةً؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْغَاصِبِ ضَمَانُ نُقْصَانِ قِيمَةِ ثَوْبِهِ عَشَرَةً وَوَجَبَ عَلَيْهِ لِلْغَاصِبِ قِيمَةُ صِبْغِهِ خَمْسَةً فَالْخَمْسَةُ بِالْخَمْسَةِ قِصَاصًا وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ النُّقْصَانِ وَهُوَ خَمْسَةٌ رَوَاهُ هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ.

قَالَ الشَّارِحُ وَهُوَ مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الْمَغْصُوبُ كُلُّهُ، وَإِنَّمَا وَصَلَ إلَيْهِ بَعْضُهُ وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُطَالِبَ إلَى تَمَامِ حَقِّهِ فَكَيْفَ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ وَهُوَ لَمْ يَنْتَفِعْ بِالصَّبْغِ شَيْئًا وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِهِ إلَّا تَلَفُ مَالِهِ وَكَيْفَ يَسْقُطُ عَنْ الْغَاصِبِ بَعْضُ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ بِالْإِتْلَافِ وَالْإِتْلَافُ مُقَرِّرٌ لِوُجُوبِ جَمِيعِ الْقِيمَةِ فَكَيْفَ صَارَ مُسْقِطًا لَهُ هُنَا وَلَك أَنْ تَقُولَ لَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ نَاظِرٌ إلَى حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ أَنْ يَدْفَعَ الْعَشَرَةَ ضَاعَ مَالُ الْغَاصِبِ وَهُوَ الصَّبْغُ مَجَّانًا وَذَلِكَ ظُلْمٌ وَالظَّالِمُ لَا يُظْلَمُ فَأَوْجَبْنَاهَا عَلَى رَبِّ الثَّوْبِ فَوَصَلَ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ كَمَا ذَكَرَ كُلَّ حَقِّهِ مَا عَلَيْهِ وَمَا بَقِيَ لَهُ كَوْنُ الْإِتْلَافِ مُقَرِّرًا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ مُسْقِطًا؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِالنَّظَرِ إلَى النُّقْصَانِ وَالْإِسْقَاطَ بِالنَّظَرِ إلَى عَيْنِ الصِّبْغِ فَتَأَمَّلْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ غَصَبَ صَاحِبُ الثَّوْبِ عُصْفُرًا وَصَبَغَ بِهِ ثَوْبَهُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ وَلَوْ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا وَمِنْ آخَرَ عُصْفُرًا ضَمِنَ مِثْلَ عُصْفُرِهِ وَخُيِّرَ رَبُّ الثَّوْبِ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا وَعُصْفُرًا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَصَبَغَهُ بِهِ كَانَ لِرَبِّهِمَا أَنْ يَأْخُذَهُ مَصْبُوغًا وَبَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ الضَّمَانِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ وَمِثْلَ عُصْفُرِهِ وَلَوْ كَانَ الْعُصْفُرُ لِرَجُلٍ وَالثَّوْبُ لِآخَرَ فَرْضِيًّا أَنْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ مَصْبُوغًا كَمَا لَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَ الْمَالِكُ كَانَ خَلْطُ الْمَالَيْنِ اسْتِهْلَاكًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِذَا اتَّخَذَ الْمَالِكُ يَكُونُ الْخَلْطُ اسْتِهْلَاكًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَلَوْ صَبَغَ الرَّاهِنُ الثَّوْبَ بِعُصْفُرٍ خَرَجَ عَنْ الرَّهْنِ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ وَالْعُصْفُرُ رَهْنًا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ وَمِثْلَ عُصْفُرِهِ، وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِأَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ رَهْنًا فِي يَدِهِ فِي الْمُنْتَقَى.

قَالَ هِشَامٌ سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخَلَطَ بِهَا دَرَاهِمَ مِنْ مَالِهِ قَالَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ دَرَاهِمَ الْمُخَالِطِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ فَهُوَ مُسْتَهْلِكٌ وَضَمِنَ الدَّرَاهِمَ الْمَغْصُوبَ، وَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْخَالِطِ أَقَلَّ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ دَرَاهِمَهُ، وَإِنْ شَاءَ شَارَكَهُ بِالْمَخْلُوطِ بِقَدْرِ دَرَاهِمِهِ قُلْت: فَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَمَا مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ قَالَ لَا أَدْرِي، أَمَّا قَوْلُهُمَا فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>