للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَنِ بَعْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ حَتَّى لَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَيَأْخُذُهُ بِجَمِيعِ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ لَمَّا اُلْتُحِقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ صَارَ الْبَاقِي هُوَ الثَّمَنُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَطُّ قَبْلَ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ أَوْ بَعْدَهُ لِوُجُودِ الِالْتِحَاقِ فِي الصُّورَتَيْنِ فَيَرْجِعُ الشَّفِيعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ إنْ كَانَ أَوْفَاهُ الثَّمَنَ وَلَوْ حَطَّ بَعْضَ الثَّمَنِ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ الشُّفْعَةَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الثَّمَنَ أَقَلُّ فَلَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ بِخِلَافِ حَطِّ الْكُلِّ حَيْثُ لَا يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ الْتَحَقَ بِهِ كَانَ هِبَةً أَوْ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ فَاسِدٌ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِمَا.

وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ تُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا لَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ أَخْذَهَا بِالْمُسَمَّى قَبْلَ الزِّيَادَةِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِالزِّيَادَةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْعَقْدُ كَمَا لَا يَتَغَيَّرُ بِتَجْدِيدِ الْعَقْدِ لِمَا يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ حَطُّ بَعْضِ الثَّمَنِ وَالزِّيَادَةُ يُسْتَوْفَيَانِ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ دُونَ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ لَيْسَ فِي الْتِزَامِ الزِّيَادَةِ إبْطَالُ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ، فَإِنَّ فِي الزِّيَادَةِ إبْطَالَ حَقٍّ ثَبَتَ لِلشَّفِيعِ بِأَقَلِّهِمَا فَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْحَطَّ يَصِحُّ لِمَنْ بَاشَرَ الْعَقْدَ وَلَوْ وَكِيلًا فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ كَانَ الشَّفِيعُ وَارِثًا أَوْ لَا وَفِي الْمُحِيطِ خِلَافُهُ قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ دَارِهِ فَبَاعَهَا بِأَلْفٍ ثُمَّ حَطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي مِائَةَ دِرْهَمٍ وَضَمِنَ ذَلِكَ لِلْآمِرِ لَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا إلَّا بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّ حَطَّ الْوَكِيلِ لَا يُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ طَلَبَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ فَسَلَّمَهَا الْمُشْتَرِي إلَيْهِ ثُمَّ نَقَدَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ الثَّمَنَ فَوَهَبَ لَهُ الْبَائِعُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي مِنْ الشَّفِيعِ جَمِيعَ الثَّمَنِ فَعَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْهِبَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَيْسَتْ بِحَطٍّ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ صَارَ عَيْنًا بِالتَّسْلِيمِ وَلَوْ وَهَبَ الْبَائِعُ خَمْسَ دَرَاهِمَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا هِبَةُ الدَّيْنِ وَالثَّمَنُ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ.

وَلَوْ بَاعَ دَارًا بِثَلَاثَةِ آلَافٍ وَتَقَابَضَا فَأَخَذَهَا وَرَثَةُ الْبَائِعِ بِالشُّفْعَةِ فَحَطَّ الْبَائِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي فِي مَرَضِهِ أَلْفًا فَالْحَطُّ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ نَزَلَ مَنْزِلَ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ فَكَأَنَّهُ وَارِثُهُ وَلَوْ حَطَّ قَبْلَ الْأَخْذِ تَوَقَّفَ عَلَى أَخْذِ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ أَخَذَ بَطَلَ، وَإِنْ تَرَكَ صَحَّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْوَارِثُ شَفِيعًا وَلَكِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي تَوْلِيَةً أَوْ مُرَابَحَةً ثُمَّ حَطَّ عَنْ الْمُشْتَرِي فِي مَرَضِ مَوْتِهِ صَحَّ الْحَطُّ وَيَحُطُّ الْمُشْتَرِي عَنْ الْوَارِثِ مَا حُطَّ عَنْهُ وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ فِي الْمُرَابَحَةِ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ وَقَعَ فِي بَيْعِ الْأَجْنَبِيِّ لَا حَقَّ لِلْوَارِثِ فِيهِ بَاعَ دَارًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِلْمَقَرِ حِنْطَةٍ فَأَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِهِمَا ثُمَّ حَطَّ الْبَائِعُ النَّقْدَ فَوَجَدَ الْبَائِعُ بِالْكَرِّ عَيْبًا رَدَّهُ وَأَخَذَ مِثْلَهُ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُعْطِيَهُ الْكَرَّ الَّذِي قَبَضَهُ الشَّفِيعُ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَلَّاهَا رَجُلًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبِمِثْلِ ذَلِكَ الْكَرِّ فَحَطَّ الْبَائِعُ وَحَطَّ هُوَ عَنْ الثَّانِي ثُمَّ وَجَدَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ بِالْكَرِّ عَيْبًا فَرَدَّهُ رَجَعَ بِقِيمَةِ الدَّارِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ، وَإِنْ انْفَسَخَ يُرَدُّ الْكَرُّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ فِي الْأَوَّلِ إيجَابُ قِيمَةِ الدَّارِ بِأَخْذِ الشَّفِيعِ فَأَوْجَبْنَا الْكَرَّ وَفِي التَّوْلِيَةِ لَمْ يَتَعَذَّرْ فَأَوْجَبْنَا قِيمَةَ الدَّارِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ اشْتَرَى دَارًا بِعَرَضٍ أَوْ عَقَارٍ أَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَتِهِ وَبِمِثْلِهِ وَلَوْ مِثْلِيًّا) ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ يَتَمَلَّكُهَا بِمِثْلِ مَا يَمْلِكُهَا الْمُشْتَرِي بِهِ ثُمَّ الْمِثْلُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلًا لَهُ صُورَةً وَمَعْنًى كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ أَوْ مَعْنًى لَا صُورَةً وَهُوَ مَا عَدَا ذَلِكَ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْمِثْلُ كَمَا فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ فَيَأْخُذُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ لَهَا وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى عَقَارًا بِعَقَارٍ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقِيمَةِ الْآخَرِ وَقَدَّمْنَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْعُرُوضِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِحَالٍّ لَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ يَصْبِرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ فَيَأْخُذَهَا) يَعْنِي يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ حَالٍّ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا أَوْ يَصْبِرُ حَتَّى يَمْضِيَ الْأَجَلُ فَيَأْخُذُهَا عِنْدَ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا فِي الْحَالِّ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ بِمِثْلِ مَا أَخَذَ الْمُشْتَرِي بِصِفَتِهِ وَالْأَجَلُ صِفَةُ الدَّيْنِ وَلَنَا أَنَّ الْأَجَلَ يَثْبُتُ بِالشَّرْطِ وَلَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الْعَقْدِ فَاشْتِرَاطُهُ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي لَا يَكُونُ اشْتِرَاطًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِيهِ وَلِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْمَطْلُوبِ وَالدَّيْنُ حَقُّ الطَّالِبِ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ مُرَابَحَةً أَوْ تَوْلِيَةً لَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَوْ كَانَ صِفَةً لَهُ لَثَبَتَ ثُمَّ إنْ أَخَذَهَا مِنْ الْبَائِعِ بِثَمَنٍ حَالٍّ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنْ الْمُشْتَرِي لِتَحَوُّلِ الصَّفْقَةِ إلَى الشَّفِيعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَرَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الشَّفِيعِ، وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَإِنْ اخْتَارَ الِانْتِظَارَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ أَوْ يَصْبِرُ عَنْ الْأَخْذِ أَمَّا الطَّلَبُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْحَالِّ حَتَّى لَوْ سَكَتَ وَلَمْ يَطْلُبْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>