للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَفْوِيتَ مَنْفَعَةٍ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَكُونُ سَفَهًا يُمَكِّنُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ يَقْسِمُ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِذَلِكَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّهُ فِيهِ نَوْعُ مَنْفَعَةٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِذَا كَانَتْ قَنَاةٌ، أَوْ بِئْرٌ أَوْ نَهْرٌ وَلَيْسَ مَعَهُ أَرْضٌ فَأَرَادَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ فَإِنَّهَا لَا تُقْسَمُ، وَإِذَا كَانَتْ أَرْضٌ لَهَا شِرْبٌ قَسَمَ الْأَرْضَ وَتَرَكَ الشِّرْبَ، وَالْقَنَاةُ وَالْبِئْرُ كَالشَّرِكَةِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا شِرْبُهُ فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَجْعَلَ أَرْضَهُ شِرْبًا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ قَسَمَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَفِي الْأَصْلِ لَوْ كَانَتْ أَنْهَارًا وَآبَارًا لِأَرْضٍ مُخْتَلِفَةٍ قَسَمَ الْآبَارَ وَالْعُيُونَ وَالْأَرَاضِيَ. اهـ.

وَفِي النَّوَادِرِ وَلَوْ قَسَمَ الْبِئْرَ بِالْجِبَالِ جَازَ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا قَلِيلٌ. اهـ. .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (دُورٌ مُشْتَرَكَةٌ، أَوْ دَارٌ وَضِيعَةٌ، أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ قُسِمَ كُلٌّ عَلَى حِدَةٍ) أَمَّا الدُّورُ الْمُشْتَرَكَةُ فَالْمَذْكُورُ هَهُنَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَا: تُقْسَمُ الدُّورُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ إذَا كَانَتْ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ وَكَانَتْ الْقِسْمَةُ أَصْلَحَ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ جِنْسٌ وَاحِدٌ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَأَصْلُ السُّكْنَى جِنْسَانِ نَظَرًا إلَى اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ وَتَفَاوُتِ السُّكْنَى، وَإِذَا قُسِمَ كُلُّ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ رُبَّمَا يَتَضَرَّرُ لِقِلَّةِ نَصِيبِهِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الدُّورَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ لِاخْتِلَافِ الْمَقْصُودِ بِاعْتِبَارِ الْمَحَالِّ وَالْجِيرَانِ وَالْقُرْبِ مِنْ الْمَسْجِدِ فَكَانَ اخْتِلَافًا فَاحِشًا فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ فِي الْقِسْمَةِ فَلَا يَجُوزُ جَمْعُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي دَارٍ إلَّا بِالتَّرَاضِي، وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ يُقْسَمُ كُلُّ جِنْسٍ مِنْهُ بِانْفِرَادِهِ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَجْنَاسِ كَمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ الدُّورِ، وَالْمَنَازِلُ الْمُتَلَازِمَةِ كَالْبُيُوتِ وَالسَّاحَةُ كَالدُّورِ لِأَنَّهُ بَيْنَ الْبَيْتِ وَالدَّارِ فَأَخَذَ حَظَّهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَالدُّورُ فِي مِصْرَيْنِ لَا تُقْسَمُ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الدُّورُ وَالضَّيْعَةُ وَالدَّارُ وَالْحَانُوتُ فَلِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ مَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُصَوِّرُ الْقَاسِمُ مَا يَقْسِمُهُ) أَيْ يَكْتُبُ عَلَى قِرْطَاسٍ لِيُمْكِنَهُ حِفْظُهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: يَكْتُبُ: إنَّ نَصِيبَ فُلَانٍ كَذَا وَفُلَانٍ كَذَا إنْ أَرَادُوا رَفْعَ تِلْكَ الْكَاغِضَةِ إلَى الْقَاضِي لِيَتَوَلَّى الْإِقْرَاعَ بَيْنَهُمْ بِنَفْسِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُعَدِّلُهُ) أَيْ يُسَوِّيهِ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ وَيُرْوَى وَيَعْزِلُهُ حَتَّى يَقْطَعَهُ بِالْقِسْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَذْرَعُهُ وَيُقَوِّمُ الْبِنَاءَ) لِأَنَّ قَدْرَ السَّاحَةِ يُعْرَفُ بِالذَّرْعِ وَالْمَالِيَّةَ بِالتَّقْوِيمِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا لِيُمْكِنَهُ التَّسْوِيَةُ فِي الْمَالِيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَرْعِ الْأَرْضِ وَتَقْوِيمِ الْبِنَاءِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُفْرِزُ كُلَّ نَصِيبٍ بِطَرِيقِهِ وَشِرْبِهِ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ وَبِهِ يَكْمُلُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُفْرِزْ يَبْقَى نَصِيبُ بَعْضِهِمْ مُتَعَلِّقًا بِنَصِيبِ الْآخَرِ فَلَمْ يَحْصُلُ الِانْفِصَالُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ فَإِذَا لَمْ يُفْرِزْهُ، أَوْ لَمْ يُمْكِنْ جَازَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيُلَقِّبُ الْأَنْصِبَاءَ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ وَيَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ وَيُقْرِعُ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ وَمَنْ خَرَجَ ثَانِيًا فَلَهُ السَّهْمُ الثَّانِي) وَالْقُرْعَةُ لِتَطْيِيبِ قُلُوبِهِمْ فَلَوْ قَسَمَ الْإِمَامُ بِلَا قُرْعَةٍ جَازَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ فَيَمْلِكُ الْإِلْزَامَ فِيهِ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَقَلِّ الْأَنْصِبَاءِ فَيُقَدِّرَ بِهِ آخِرَ السِّهَامِ حَتَّى إذَا كَانَ الْعَقَارُ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ لِأَحَدِهِمْ النِّصْفُ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ وَلِلْآخَرِ السُّدُسُ جَعَلَهَا أَسْدَاسًا لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْأَنْصِبَاءِ فَيَكْتُبَ أَسْمَاءَ الشُّرَكَاءِ فِي بِطَاقَاتٍ وَيَجْعَلَهَا شِبْهَ الْبُنْدُقَةِ، ثُمَّ يُخْرِجَهَا حَتَّى إذَا انْشَقَّتْ وَهِيَ مِثْلُ الْبُنْدُقَةِ يَدْلُكُهَا، ثُمَّ يَجْعَلُهَا فِي كُمِّهِ، أَوْ وَعْيٍ فَيُخْرِجُهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ وَمَنْ خَرَجَ ثَانِيًا فَلَهُ السَّهْمُ الثَّانِي وَمَنْ خَرَجَ ثَالِثًا فَلَهُ السَّهْمُ الثَّالِثُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْأَخِيرِ فَإِنْ خَرَجَ أَوَّلًا فِي الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ اسْمُ صَاحِبِ النِّصْفِ فَإِنَّ لَهُ ثَلَاثَةَ أَسْدَاسٍ مِنْ الْجَانِبِ الْمُلَقَّبِ بِالْأَوَّلِ، وَإِنْ خَرَجَ ثَانِيًا كَانَ لَهُ كَذَلِكَ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي يَلِي الْأَوَّلَ، وَإِنْ خَرَجَ ثَالِثًا كَانَ لَهُ كَذَلِكَ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي يَلِي الثَّانِيَ وَعَلَى هَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يُقَالُ تَعْلِيقُ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْقُرْعَةِ قِمَارٌ وَهُوَ حَرَامٌ وَلِهَذَا لَمْ يُجِزْ عُلَمَاؤُنَا اسْتِعْمَالَهَا فِي دَعْوَى النَّسَبِ وَدَعْوَى الْمِلْكِ وَتَعَيُّنِ الْعِتْقِ وَالْمُطَلَّقَةِ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا يَحْصُلُ الِاسْتِحْقَاقُ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَهُ وَكَانَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ إلْزَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا الْقِمَارُ عَلَى زَعْمِهِمْ اسْمٌ لِمَا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَبْلُ لَا مِثْلُ هَذِهِ بَلْ هَذِهِ مَشْرُوعَةٌ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ يُونُسَ وَزَكَرِيَّا - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ} [آل عمران: ٤٤] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: ١٤١] الْآيَةَ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: بَيْنَ أَوَّلِ كَلَامِهِمْ وَآخِرِهِ تَدَافُعٌ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا أَوَّلًا بِأَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ اسْتِعْمَالِ الْقُرْعَةِ هُنَا جَوَابُ اسْتِحْسَانٍ وَالْقِيَاسُ يَأْبَى ذَلِكَ وَقَالُوا آخِرًا: إنَّ هَذَا لَيْسَ بِقِمَارٍ وَبَيَّنُوا الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>