للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا لَوْ طَلَبُوا قِسْمَةَ الْبِئْرِ وَالرَّحَى وَالْحَائِطِ وَالْحَمَّامِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ، وَفِي قِسْمَةِ هَذَا تَفْوِيتٌ فَيَعُودُ عَلَى مَوْضِعِهِ بِالنَّقْصِ وَلِأَنَّ الطَّالِبَ لِلْقِسْمَةِ مُتَعَنِّتٌ وَيُرِيدُ إدْخَالَ الضَّرَرِ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يُجِيبُهُ الْحَاكِمُ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ بَلْ بِمَا يَضُرُّ وَيَجُوزُ بِالتَّرَاضِي لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَهُمْ أَعْرَفُ بِحَاجَتِهِمْ لَكِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُبَاشِرُ ذَلِكَ، وَإِنْ طَلَبُوهُ مِنْهُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَشْتَغِلُ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ إضْرَارٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ لِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَلَا يَمْنَعُ مِنْهُ اهـ.

كَلَامُ الشَّارِحِ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْمَتْنِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْسِمُ عِنْدَ رِضَاهُمْ وَفِي الْيَنَابِيعِ وَالذَّخِيرَةِ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْسِمُ، وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ قَالَ: يَقْسِمُ فَظَهَرَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ انْتَفَعَ الْبَعْضُ وَتَضَرَّرَ الْبَعْضُ لِقِلَّةِ حَظِّهِ قَسَمَ بِطَلَبِ ذِي الْكَثِيرِ فَقَطْ) يَعْنِي بِطَلَبِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْخَصَّافِ وَوَجْهُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْكَثِيرِ يَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ وَيَمْنَعَ غَيْرَهُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ وَهَذَا مِنْهُ طَلَبُ الْحَقِّ وَالْإِنْصَافِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُجِيبَهُ إلَى ذَلِكَ وَلَا يَعْتَبِرَ ضَرَرَ الْآخَرِ لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِحَقِّهِ مَعَ أَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ فِي طَلَبِ الْقِسْمَةِ فَلَا يَشْتَغِلُ الْقَاضِي بِمَا لَا يُفِيدُ وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُ إنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ قَسَمَ، وَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ لَا يَقْسِمُ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَيُّهُمْ طَلَبَ الْقِسْمَةَ يَقْسِمُ الْقَاضِي وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَجِبُ عَلَيْهِ إيصَالُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُجِيبَهُمْ إلَى إضْرَارِ أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُؤَلِّفُ لِمَا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَنْتَفِعُ؛ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: بَيْتٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ وَهُوَ صَغِيرٌ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا،

لَا يُجِيبُهُمَا الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَقْسِمُ إلَّا إذَا طَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ خَاصَّةً وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَقْسِمُ الْعُرُوضَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ) لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمُبَادَلَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَالِيَّةِ مُمْكِنٌ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ فِيهِ فَيَقَعُ تَمْيِيزًا فَيَمْلِكُ الْقَاضِي الْإِجْبَارَ عَلَيْهِمَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يَقْسِمُ الْجِنْسَيْنِ وَالْجَوَاهِرَ) أَمَّا الْجِنْسَانِ فَلِعَدَمِ الِاخْتِلَاطِ بَيْنَهُمَا فَلَا تَقَعُ الْقِسْمَةُ تَمْيِيزًا بَلْ تَقَعُ مُعَاوَضَةً فَيُعْمَلُ التَّرَاضِي دُونَ جَبْرِ الْقَاضِي وَلِهَذَا قَيَّدَ بِالتَّرَاضِي، وَأَمَّا الْجَوَاهِرُ فَلِأَنَّ جَهَالَتَهَا مُتَفَاحِشَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مِنْهَا عِوَضًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَقِيلَ: لَا يَقْسِمُ الْكِبَارَ مِنْهَا لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ وَيَقْسِمُ الصِّغَارَ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ وَقِيلَ: إنْ اخْتَلَفَ جِنْسُهُمَا لَا يَقْسِمُ، وَإِنْ اتَّحَدَ يَقْسِمُ كَسَائِرِ الْأَجْنَاسِ، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ: وَالْقُمْقُمُ وَالطَّشْتُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ صُفْرٍ مُلْحَقَةً مُخْتَلِفَةُ الْجِنْسِ فَلَا يَقْسِمُهَا جَبْرًا وَكَذَلِكَ الْأَثْوَابُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ إذَا اخْتَلَفَ بِالصَّنْعَةِ كَالْقَبَاءِ وَالْجُبَّةِ وَالْقَمِيصِ كَذَلِكَ، وَفِي مُخْتَصَرِ خُوَاهَرْ زَادَهْ: وَلَا يُقْسَمُ السَّرْجُ وَلَا الْفَرَسُ وَلَا الْمُصْحَفُ، وَفِي التَّجْرِيدِ لَوْ أَوْصَى لَهُمَا بِصُوفٍ عَلَى ظَهْرِ غَنَمٍ، أَوْ لَبَنٍ فِي ضَرْعٍ، أَوْ بِمَا فِي بُطُونِ الْغَنَمِ لَا يُقْسَمُ قَبْلَ الْجَزِّ وَالْحَلْبِ وَالْوِلَادَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ ثَوْبٌ مَخِيطٌ لَا يَقْسِمُ الْقَاضِي بَيْنَهُمْ وَلَوْ غَيْرَ مَخِيطٍ فَاقْتَسَمَاهَا طُولًا، أَوْ عَرْضًا جَازَتْ الْقِسْمَةُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَالرَّقِيقَ وَالْحَمَّامَ وَالْبِئْرَ وَالرَّحَى إلَّا بِرِضَاهُمْ) أَمَّا الرَّقِيقُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَالتَّفَاوُتُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَا يَمْنَعُ الْقِسْمَةَ كَمَا فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَلِهَذَا يُقْسَمُ الرَّقِيقُ فِي الْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَلِلْإِمَامِ: أَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا فَاحِشٌ لِتَفَاوُتِ الْمَعَانِي الْبَاطِلَةِ كَالدُّهْنِ وَالْكِيَاسَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِمَا لَا يَخْتَلِفُ إلَّا شَيْئًا يَسِيرًا وَذَلِكَ مُغْتَفَرٌ فِي الْقِسْمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ وَمِنْ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ وَقِسْمَةُ الْغَنَائِمِ تَجْرِي فِي الْأَجْنَاسِ فَلَا تَلْزَمُ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّقِيقُ وَحْدَهُمْ وَلَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ آخَرُ مِنْ الْعُرُوضِ، وَهُمْ ذُكُورٌ فَقَطْ، أَوْ إنَاثٌ فَقَطْ، وَأَمَّا إذَا كَانُوا مُخْتَلَطِينَ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لَا يُقْسَمُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ لِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الرَّقِيقِ شَيْءٌ آخَرُ مِمَّا يُقْسَمُ جَازَتْ الْقِسْمَةُ فِي الرَّقِيقِ تَبَعًا لِغَيْرِهِمْ بِالْإِجْمَاعِ وَيُجْبِرُهُمْ الْقَاضِي بِطَلَبِ الْبَعْضِ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَدْخُلُ تَبَعًا، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ دُخُولُهُ قَصْدًا، وَأَمَّا الْحَمَّامُ وَالْبِئْرُ وَالرَّحَى فَلِمَا ذُكِرَ مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْكُلِّ وَلَوْ اقْتَسَمَا الْحَمَّامَ، أَوْ الْبِئْرَ بِأَنْفُسِهِمْ جَازَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ نَوْعُ مَنْفَعَةٍ بِأَنْ يَتَّخِذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْحَمَّامِ بَيْتًا، وَإِنْ طَلَبَا جَمِيعًا الْقِسْمَةَ مِنْ الْقَاضِي هَلْ يَقْسِمُ؟ فِيهِ

رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ لَا يَقْسِمُ لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>