الْمُقَابِلُ بِهِ مَضْمُونًا لَا يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ أَصْلًا وَهُوَ الْبَاطِلُ وَتَعْتَبِرُ قِيمَةُ الرَّهْنِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ أَحْكَامَ غَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ الْمَرْهُونَةِ.
قَالَ فِي الْمُحِيطِ أَرْضٌ مَرْهُونَةٌ غَلَبَ عَلَيْهَا الْمَاءُ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ إذَا أَبَقَ لِأَنَّهَا رُبَّمَا يَنْزِلُ عَنْهَا الْمَاءُ فَتَكُونُ الْأَرْضُ مُنْتَفَعًا بِهَا فَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ لِاحْتِمَالِ الْعُودِ كَالْآبِقِ، وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا حَلَالَ الدَّمِ أَوْ سَرَقَ عِنْدَ الرَّاهِنِ فَقُطِعَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَذَاكَ مِنْ ضَمَانِ الرَّاهِنِ، وَلَمْ يَذْهَبْ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ وَبَقِيَ مُرْتَهَنًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا السَّرِقَةُ عَيْبٌ وَيُقَوَّمُ سَارِقًا وَحَلَالَ الدَّمِ وَغَيْرَ سَارِقٍ وَغَيْرَ حَلَالِ الدَّمِ فَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِمِقْدَارِ قِيمَتِهِ حَلَالَ الدَّمِ وَالْقَطْعِ وَيَكُونُ رَهْنًا بِحِصَّةِ قِيمَتِهِ كَذَلِكَ، وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ الْقَذْفِ أَوْ الزِّنَا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ أَوْ دَخَلَهُ عَيْبٌ فَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ. رَهَنَ ثَوْبًا يُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَمِثَالَ ذَهَبٍ يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَهَلَكَ الذَّهَبُ وَلَبِسَ الثَّوْبَ حَتَّى انْخَرَقَ ضَمِنَ قِيمَةَ الثَّوْبِ يُحْسَبُ مَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ دِرْهَمٌ وَثُلُثَانِ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِإِذْهَابِ الذَّهَبِ ثُلُثَا الدَّيْنِ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ بِإِزَاءِ الذَّهَبِ ثُلُثَيْ الدَّيْنِ وَبِإِزَاءِ الثَّوْبِ ثُلُثَهُ، فَإِذَا ذَهَبَ الذَّهَبُ وَاسْتُهْلِكَ الثَّوْبُ يَذْهَبُ بِإِذْهَابِ الثَّوْبِ ثُلُثُ الدَّيْنِ وَيَضْمَنُ مِثْقَالَ الذَّهَبِ فَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَثُلُثٍ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حُكْمَ هَلَاكِ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ نُقْصَانِهَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ إذَا نَقَصَتْ الْعَيْنُ الْمَرْهُونَةُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَ النُّقْصَانُ فِي عَيْنِهَا سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ اهـ.
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا إذَا كَانَ بِالدَّيْنِ رَهْنًا مِنْ جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ قَالَ قَاضِي خان رَجُلٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِآخَرَ وَبِهِ كَفِيلٌ فَأَخَذَ الطَّالِبُ مِنْ الْكَفِيلِ رَهْنًا وَمِنْ الْأَصِيلِ رَهْنًا وَأَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ وَبِكُلِّ وَاحِدٍ وَفَاءً بِالدَّيْنِ فَهَلَكَ أَحَدُ الرَّهْنَيْنِ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيُّهُمَا هَلَكَ يَهْلِكُ بِكُلِّ الدَّيْنِ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ الثَّانِي، فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ عَلِمَ بِالرَّهْنِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ الثَّانِيَ يَهْلِكُ بِنِصْفِ الدَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ يَهْلِكُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّ الثَّانِيَ يَهْلِكُ بِنِصْفِ الدَّيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِلْمَ وَالْجَهْلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُطَالَبُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فَيُجْعَلُ الرَّهْنُ الثَّانِي زِيَادَةً فِي الرَّهْنِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُمَا سَوَاءً قُسِمَ الدَّيْنُ عَلَيْهِمَا فَالثَّانِي إذَا هَلَكَ يَهْلِكُ بِنِصْفِ الدَّيْنِ وَقَدْ قَالُوا لَوْ شَرَطَ أَنَّهُ إذَا ضَاعَ يَكُونُ مَجَّانًا فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَيَهْلِكُ بِالدَّيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَ أَنْ أَبْرَأهُ الرَّاهِنُ أَوْ وَهَبَهُ الدَّيْنَ أَوْ أَحَالَهُ بِهِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ أَبْرَأهُ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ أَخَالَهُ بِهِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْهُ لَا يُضْمَنُ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْرَأهُ الرَّاهِنُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا قَبَضَ، وَلَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ يَبْقَى مَضْمُونًا، وَلَوْ أَحَالَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ بِالرَّهْنِ عَلَى إنْسَانٍ عِنْدَهُ الرَّهْنُ، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ فِيهِ وَتَبْطُلَ الْحَوَالَةُ، وَفِي الْمَبْسُوطِ مَسَائِلُهُ عَلَى فُصُولٍ: أَحَدُهَا فِي هَلَاكِ الرَّهْنِ قَبْلَ الْإِبْرَاءِ. وَالثَّانِي فِي هَلَاكِهِ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ. وَالثَّالِثُ فِي هَلَاكِهِ بَعْدَ فَسْخِ الرَّهْنِ وَإِقَالَتِهِ. وَالرَّابِعُ فِي هَلَاكِهِ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهِ.
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَهَبَ الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ مِنْ الرَّاهِنِ أَوْ أَبْرَأهُ عَنْهُ فَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ مَنْعٍ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ) قِيَاسًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَلَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ مَنَعَهُ حَتَّى هَلَكَ ضَمِنَ قِيمَتَهُ اتِّفَاقًا، وَوَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الرَّهْنَ صَارَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِالْقَبْضِ وَالْيَدِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلدَّيْنِ وَيَدُهُ عَلَى الرَّهْنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ لِلدَّيْنِ وَيَتَقَرَّرُ ذَلِكَ بِالْهَلَاكِ وَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَى، ثُمَّ أَبْرَأهُ فَيَبْقَى مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِبَقَاءِ الْيَدِ وَالْقَبْضِ فَكَذَا هَذَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الضَّمَانَ قَدْ ارْتَفَعَ قَبْلَ تَقَرُّرِ حُكْمِهِ وَوُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ إنَّمَا يَجِبُ إمَّا بِحَقِيقَةِ الرَّهْنِ أَوْ بِجِهَتِهِ.
وَقَدْ ارْتَفَعَ الْعَقْدُ وَالْجِهَةُ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ فَانْتَفَى الضَّمَانُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الدَّيْنِ وَدَوَامَهُ بِشَرْطِ بَقَاءِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ شُرِعَ تَوْثِيقًا وَتَوْكِيدًا لِلدَّيْنِ وَبَعْدَ سُقُوطِهِ لَا يُتَصَوَّرُ تَوْثِيقُهُ وَتَوْكِيدُهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي بَقَاءِ الرَّهْنِ فَلَا يَبْقَى فَانْحَلَّ الضَّمَانُ لِارْتِفَاعِ مَنَاطِهِ فَبَقِيَتْ الْعَيْنُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ بِخِلَافِ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَتَقَرَّرُ بِالدَّيْنِ وَلَا يَسْقُطُ أَصْلًا وَلِهَذَا صَحَّتْ الْهِبَةُ وَالْإِبْرَاءُ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ حَتَّى يَلْزَمَهُ رَدُّ مَا اسْتَوْفَاهُ وَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ وَالْإِبْرَاءُ بَعْدَ هِبَةِ الدَّيْنِ وَإِبْرَائِهِ، وَلَوْ أَخَذَتْ الْمَرْأَةُ رَهْنًا بِصَدَاقِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَلْ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ هَلَكَ بِنِصْفِ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ قَدْ سَقَطَ فَصَارَ كَالْبَرَاءَةِ عَنْ الدَّيْنِ، وَلَوْ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ، ثُمَّ هَلَكَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ قَبْضِهِ وَقِيمَتِهِ مِثْلَ الدَّيْنِ رَدَّ مَا قَبَضَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمْ يَسْقُطْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute